بعد 10 أيام فقط من إطلاق السلطات التونسية حملة التضييق على الطالبات المحجبات مع بداية العام الدراسي في منتصف سبتمبر الماضي، شهدت وتيرة تلك الحملة تصاعدًا كبيرًا مع دخول شهر رمضان، وتمسك قطاع كبير من الطالبات بارتداء الحجاب. وأدان ناشطون سياسيون وحقوقيون وإعلاميون تونسيون هذه الحملة، مشددين على تناقضها مع كافة مواثيق حقوق الإنسان. وضمن هذه الحملة، شن "التجمع الدستوري الديمقراطي"، الحزب الحاكم، هجوما عنيفا على ارتداء التونسيات الحجاب، وذلك خلال "مسامرة رمضانية" حول "الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية" عقدت الأربعاء 4-10-2006. ونقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء (رسمية) عن الأمين العام للتجمع الهادي مهني قوله: "إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت وأن تمنع من الدراسة وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية". وحذر مهني خلال المسامرة التي حضرها وزراء بينهم وزير الشئون الدينية "أبو بكر الأخزوري" من أن ذلك "سيعيق تقدمنا فنتراجع إلى الوراء وننال من أحد المقومات الأساسية التي يقوم عليها استقرار المجتمع وتقدم الشعب ومناعة البلاد". وتحدث مهني عن "ظاهرة التستر بالدين لخلفيات سياسية"، مؤكدًا "ضرورة التحرك من أجل التصدي لمثل هذه الظواهر دفاعا عن الدين الإسلامي وعن حقوق أجيال تونس الحاضرة والقادمة ولتقاليد البلاد وأصالتها وهويتها...". وتشهد المدن التونسية منذ أشهر عودة قوية ولافتة لارتداء الحجاب الذي كان قد اختفى تقريبا منذ صدور مرسوم حكومي في ثمانينيات القرن الماضي يمنع ارتداءه في المؤسسات التعليمية والإدارية. وعن ذلك قال مهني: "إن التونسيين (...) يستغربون اليوم بروز بعض الظواهر المجتمعية الغريبة عن دينهم وأصالتهم وهويتهم وعن تقاليدهم وأنماط عيش أبنائهم وأجدادهم (...) ظواهر لا علاقة لها بالإسلام الحق الذي دعا إلى إعمال العقل والاجتهاد والسعي وراء العلم والحداثة والسمو بالإنسان إلى أعلى درجات الفكر المتحضر والمستنير". ومع اشتداد التضييق على الطالبات المحجبات منذ دخول شهر رمضان، ناشد أولياء طالبات بالمدارس والجامعات المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التدخل لحمايتهن. وأكدت مجموعة كبيرة من طالبات المدارس والجامعات ل"إسلام أون لاين.نت" أن وتيرة المضايقات والمنع بحقهن ارتفعت لحد يهدد بعرقلة مسيرتهن الدراسية. وقالت الطالبات والتلميذات اللاتي فضلن عدم ذكر أسمائهن خوفا من الأمن: "هذه الإجراءات تتم تحت إشراف السلطة المحلية وأعوان الأمن". وأوضحت إحداهن أنه "في مدينة صفاقس تم رفض تسجيل الطالبات المحجبات بالمدارس، ورفض المدير الجهوي (المحلي) للتعليم مقابلة أوليائهن؛ فتحول الأولياء إلى مقر الاتحاد الجهوي للشغل طالبين النصرة.. دون نتيجة". وتابعت تقول: "وفي معهد واد الليل تجول مدير المعهد يرافقه الوالي والمعتمد وعدد من أعوان الأمن بالزي المدني والرسمي بين الأقسام وأخرجوا الطالبات المحجبات، ودفعهن إلى التوقيع على التزام بعدم العودة لارتداء الحجاب، فيما تم طرد بعضهن لمدة 10 أيام، وإلزامهن بعدم ارتداء الحجاب". مجالس تأديب للطلاب عبد الحميد الصغير، أحد القيادات الطلابية للتيار الإسلامي، أكد هو الآخر تصاعد وتوسيع الحملة الأمنية ضد الطالبات المحجبات، خاصة منذ بداية رمضان، مشددا على أن "تكرار هذه الحملات وتواصلها يسيء لسمعة تونس خارجيا". ويلفت مراسل "إسلام أون لاين.نت" إلى أن عددًا من الطالبات المحجبات قررن وضع حد لمسيرتهن الدراسية، خاصة طالبات الجنوب التونسي الأكثر محافظة؛ جراء مضايقات الأمن. وينتمي بعض هؤلاء الطالبات إلى المعهد الأعلى للدراسات التكنولوجية بالعاصمة الذي يعد الأسوأ في تعامله مع الطالبات المحجبات ومن يساندهن من الطلبة. وينتظر أن تعقد بداية الأسبوع القادم عدد من مجالس التأديب للنظر في أمر طرد الطلبة الذين احتجوا على منع الطالبات المحجبات من التسجيل. تناقض مع حقوق الإنسان هذه الحملة الخانقة بحق المحجبات أدانها ناشطون سياسيون وحقوقيون وإعلاميون تونسيون. وأعربت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين مؤخرا عن قلقلها من تزايد حالات مضايقة المحجبات. وقالت الجمعية في بيان وصلت "إسلام أون لاين.نت" نسخة منه: "إن مديري المعاهد العليا والثانوية وبعض الموظفين عمدوا مؤخرا إلى نزع الحجاب من فوق رؤوس الطالبات". وشدد البيان على أن هذه الإجراءات تمت في أحيان كثيرة بإشراف الولاة والمعتمدين ورؤساء خلايا الحزب الحاكم. "زياد الدولاتي"، القيادي السابق في حركة النهضة ذات التوجهات الإسلامية، أكد ل"إسلام أون لاين.نت" أن "طريقة تعامل السلطة مع قضية الحجاب تتناقض تماما مع كافة مبادئ حقوق الإنسان، كما تتعارض مع ثوابت ديننا وهويتنا التي هي قاسم مشترك بين كل التونسيين". وشدد على أن "تجنيد الهياكل الأمنية والإدارية والسلطات الجهوية بمختلف مستوياتها يؤكد أن الإجراءات المتخذة بحق المحجبات ليست اجتهادات فردية كما تحاول أن تروج السلطة، ولكنها تمثل قرارا رسميا يحظى بموافقة ومباركة السلطة". "أين المنظمات النسائية"؟ واستغرب "الدولاتي" توسيع الحملة لتشمل المحجبات خارج الأماكن الدراسية. وتساءل عن سبب صمت المنظمات النسائية التونسية التي تدافع عن حق المرأة في التعليم والعمل بينما تصمت عن طردها من الدراسة والعمل جراء ارتدائها الحجاب؟. تساؤل "الدولاتي" أجاب عليه "نور الدين العويديدي"، رئيس تحرير مجلة "أقلام" الإلكترونية، في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت"، بقوله: "إن تلك المنظمات محكومة بخلفية أيديولوجية معادية بطبيعتها للهوية العربية الإسلامية لحد اعتبار الحجاب رمزًا لتخلف المرأة والحجر على حريتها". وأضاف: هذه "المنظمات تزايد على السلطة في العداء للحجاب، رغم اختلافها مع السلطة في ملفات أخرى". ويعتبر القانون 108، الصادر عام 1981 في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، الحجاب "زيًّا طائفيًّا"، وليس فريضة دينية، ومن ثَم يحظر ارتداؤه في الجامعات ومعاهد التعليم الثانوية، وهو ما يعارضه بشدة قطاع كبير من الشارع التونسي.