تحولت المقاهي التونسية في ليالي رمضان الى فضاءات ترفيهية تؤمها الفتيات لتدخين الشيشة (النارجيلة) لساعات طويلة بعدما كانت التقاليد تحظرها عليهن وكانت السلطات تمنع تدخينها في الاماكن العامة بسبب ضررها الصحي وخشية استخدامها لاغراض مخالفة للقانون. ففي العاصمة وضواحيها، في الاحياء الشعبية والراقية على حد سواء، بات مألوفا ان تزدحم الاماكن العامة بعد الافطار مباشرة وحتى ساعات متأخرة من الليل، برواد السمر وبينهم نسبة كبيرة من الشابات يجلسن باسترخاء فوق الارائك والوسادات الاثيرة. والملفت هذه السنة كثرة المقاهي الجديدة التي تنافست مع مقاه قديمة لتتزاحم الاسماء بين "السور" او "الفل" و"سيدي بوسعيد" او "لمة الاحباب" او "المرقوم" الى "ليلة عربية" او "ليالي منار" او "المشموم" او "المعازيم". وتبقى الشيشة فيها سيدة السهرة حتى ساعة متأخرة من الليل في هذا الشهر الذي تدب فيه الحياة خلافا لباقي اشهر السنة. ويؤكد بشير صاحب مقهى "السور" داخل المدينة العتيقة ان "30 بالمئة ممن يدخنون الشيشة في ليالي رمضان فتيات يرتدن المقهى بمفردهن بعد ان كن يأتين مع افراد عائلاتهن". ويلفت بشير الى ان "غالبيتهن لا يتجاوزن العشرين من العمر (...) ولا يجدن احراجا البتة في طلب الشيشة (...) وكأنهن يطلبن كوبا من الماء". وحتى وقت قريب، لم يكن مسموحا للفتاة في العائلات التونسية المحافظة تدخين الشيشة. ويعود انتشار النارجيلة التي عرفها الشرق الاوسط منذ اكثر من 400 عام، في الاماكن العامة التونسية الى سنتين تقريبا، كما يقول صاحب المقهى الذي يعزوه الى وفود العديد من الاشخاص من سوريا ولبنان ومصر للتبادل التجاري او الاقتصادي او الثقافي. وربما اسهم في ذلك ايضا تساهل السلطات التي كانت تمنع تدخين الشيشة لسنوات في الاماكن العامة بسبب ما يسببه دخانها من مشكلات صحية وكذلك خشية خلط التبغ بمادة مخدرة. والطريف ان المدمنين على النارجيلة كانوا يجدون حيلا للالتفاف على القانون كوضع الشيشة داخل المقهى واستخدام خرطوم طويل يتم تمريره عبر النافذة الى الخارج. وكان ذلك ينطبق على المقاهي الشعبية والاماكن الفاخرة على حد سواء. ويقول علي، صاحب مقهى "المشموش" منذ اكثر من عشرين عاما، ان "ما كان اكثر المشاهد اثارة وغرابة لوقت قريب اصبح الان مسموحا به". اما بشأن الفتيات اللواتي كن يدخن خلسة بسبب نظرة المجتمع السلبية للمرأة المدخنة، فيقول "طيلة عملي في هذه المهنة، لم ار مثل هذا الاقبال من طرف الفتيات على الشيشة". ويقول "بعد ان كانت الشيشة حكرا على الرجال، اخذت الفتيات يحتللن مكانا في المقهى رويدا رويدا، وبعد ان كن يخترن الجلوس في زاوية منعزلة، بتن الان في الواجهة، ولا يجدن حرجا في مجالسة ومشاركة المدخنين". وداخل مقهى "السور" المؤثث بارائك ووسائد ملتصقة يجلس القادمون او يتربعون في جو حميمي. وتقول سنية ذات العشرين ربيعا مازحة "انا ادخن الشيشة اذا انا موجودة (...) انها تعطيني احساسا بالراحة لا يضاهيه احساس اخر (..) فلماذا احرم نفسي من هذه المتعة التي يحتكرها الرجل؟". وتضيف ان "تدخينها في الاماكن العامة شكل من اشكال المساواة مع الجنس الاخر ومظهر طبيعي لما وصلت اليه المرأة التونسية من تطور". وتنعم المرأة التونسية بوضع استثنائي في العالم العربي الاسلامي بفضل قانون الاحوال الشخصية الذي مر نصف قرن على تبنيه ويعطي المرأة مساواة في قضايا الزواج والطلاق لم تحصل عليها المرأة العربية عموما. اما صالحة التي يحظر عليها الخروج ليلا في بقية اشهر السنة، فتقول انها تدخن الشيشة لتظهر بانها تمارس "نوعا من الحرية". من جهتها تؤكد عفاف التي تعلمت تدخين النارجيلة في مصر انها لا تخجل بل "اتنعم بتدخينها بدون الاحساس بمرور الوقت". وتضيف "اعشقها ولا اتحمل ان يمر يوم دون ان استمتع بنكهة طعم التفاح فيها". وتعرف الفتيات المدخنات انواع التبغ وتفضل اغلبهن نكهة التفاح على غيرها لانها في نظرهن "اخف" و"اقل مرارة من السجائر". وفي حين لا يستغني بعضهن عن الشيشة، تدخنها اخريات مجاراة للاصحاب حتى تحلو السهرة الرمضانية. اما الرجال فلا يخفون معارضتهم لهذه الظاهرة. ويقول جلال الذي يتردد باستمرار على مقهى "لمة الاحباب" ان "تدخين المرأة بشكل عام للشيشة (..) منظر غير لائق دخيل علينا ويتنافى واخلاقيات الفتاة التونسية". ويعبر بشير صاحب مقهى "الفل" "عن رفضه القطعي لتدخين الفتيات وخاصة صغيرات السن". من ناحيته يقول الفتى سامي انه يرفض "الجلوس في المقهى برفقة فتاة تدخن الشيشة لان ذلك يفقدها انوثتها". ويحذر بعض الباحثين الاجتماعيين من الشيشة عموما لانهم يرونها "دخيلة على عاداتنا وتقاليدنا فضلا على كونها مضرة بالصحة". وتشير زينب يعيش الاختصاصية في العناية بالبشرة الى ان عددا من النساء اللواتي يترددن عليها "ممن يعانين من مشاكل في الجلد يدخن الشيشة". ورغم انها لا تستطيع ان تجزم بان هذه المشكلات ناجمة عن الشيشة وحدها، فانها تشدد مع ذلك على ضرورة وقف ما تسميه "هذا النزيف الذي يضر بخلايا الجسم ويسممه".