زار تونس الداعية وجدي غنيم، وزارها يوسف القرضاوي، ومحمد العريفي، وعائض القرني ونبيل العوضي وآخرين، قدموا خلال زياراتهم تلك محاضرات في المساجد والفضاءات العامة وسط تصفيق وتكبير الآلاف من أنصارهم. وتصدّت جهات علمانية ووسائل اعلام مختلفة لتلك الزيارات وما رافقها من محاضرات مثيرة للجدل، تهجمت بعضها على اطراف سياسية تحسب على اليسار وعلى العلمانيين. إسماعيل دبارة–إذاعة هولندا العالمية-الوسط التونسية: لم يكن الدعاة الخليجيون في عهد زين العابدين بن علي مرحّبًا بهم في تونس، خاصة أصحاب الفتاوى المثيرة للجدل. بعد الثورة تغيّرت الأحوال، وشدّ كثير من الشيوخ من السعودية ومصر والكويت، الرحال إلى تونس مخلفين بعد كل زيارة زوبعة من الجدل وانقساما عميقًا داخل المجتمع التونسي بين مرحّب ومُحذّر من فكرهم. أفكار غريبة يُعرف عن تونس تجانس تركيبة سكانها العرقية والدينية، فمعظم مواطنيها من السنة المالكيين، اصحاب نفس معتدل في الفقه، وإلى وقت قريب، ظلت ظواهر التطرّف داخله تعتبر شذوذا لا يُقاس عليه، حتى أتت ثورة الرابع عشر من يناير لتزعزع عددا من المسلمات بخصوص هذا المجتمع الذي أوصل اسلاميين الى سدة الحكم. وربما لم يكن اكثر المتابعين فهمًا للشأن التونسي قادرًا على التنبّؤ ببعض المشاهد التي تم رصدها في تونس ما بعد 14 يناير، إذ من المدهش لكثيرين أن يتمكّن داعية مثل وجدي غنيم صاحب فتاوى "ختان البنات" أن يجمع الآلاف من الأنصار في بلد كتونس. تونس "محجًّا" للدعاة باتت تونس مؤخرا اشبه بالمحجّ الذي يزوره دعاة من الخليج، خاصة من حملة الفكر السلفي الذي لم يكن يلقى رواجًا كبيرا قبل ثورة يناير. زار تونس الداعية وجدي غنيم، وزارها يوسف القرضاوي، ومحمد العريفي، وعائض القرني ونبيل العوضي وآخرين، قدموا خلال زياراتهم تلك محاضرات في المساجد والفضاءات العامة وسط تصفيق وتكبير الآلاف من أنصارهم. وتصدّت جهات علمانية ووسائل اعلام مختلفة لتلك الزيارات وما رافقها من محاضرات مثيرة للجدل، تهجمت بعضها على اطراف سياسية تحسب على اليسار وعلى العلمانيين. ومن النادر أن يزور تونس داعية من الخليج، دون أن يتسبّب في زوبعة وانقسام بين رافض للزيارة ومندد بها، وبين مرحّب بها ومحتفٍ بهؤلاء الشيوخ. نبيل العوضي والقاصرات صور الداعية الكويتي نبيل العوضي مع محجبات قاصرات في تونس أثارت سخطًا عارما لدى كثيرين ممن اعتبروا ذلك السلوك اعتداءً على حقوق الطفولة، ودعا قياديون سياسيون ونشطاء الى طرد العوضي ومنع أمثاله من زيارة تونس مستقبلا. وكانت الحكومة الكويتية قد قرّرت سابقا منع نبيل العوضي من الخطابة في مساجدها لأربعة شهور على خلفية خطبة له وجه فيها انتقادات حادة للنظام السوري وقمعه للانتفاضة الشعبية هناك. وصرحت وزارة الأوقاف الكويتية بأن إيقاف العوضي جاء بسبب ما أسمته "تجاوز ميثاق المسجد"، ونفت أن تكون خلف القرار ضغوط من دمشق. وحضر الشيخ المثير للجدل الى تونس بموكب رئاسي ضخم وحماية مشددة وسيارات يقال انهما مصفحة ضد الرصاص، ومن جانبه طالب زعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين شكري بلعيد بمحاسبة عماد الدايمي مدير مكتب ديوان الرئيس الذي سمح بدخول العوضي، واستقبله في قاعة التشريفات بمطار قرطاج الدولي. وحذر نائب رئيس حركة النهضة الشيخ عبدالفتاح مورو من انتشار الفكر الوهابي الذي يهدد مستقبل البلاد وينشر فيها التطرف"، وكان في استقبال الداعية العوضي الالاف من المنتمين للتيار السلفي رفقة فتيات صغيرات محجبات اعمارهن بين الثلاث والسبع سنوات في مدينة جرجيس بالجنوب التونسي. من يستدعيهم ؟ في تونس بعد الثورة، نشأت جمعيات قانونية ذات صبغة إسلامية بعضها مقرّب من حركة النهضة الحاكمة، وبعضها موالٍ للتيار السلفي. وعادة ما توجّه تلك الجمعيات دعوات الى مشاهير الفتوى في المنطقة العربية والإسلامية لإلقاء محاضرات ودروس دينية أمام الالاف من السلفيين. يقول المشرفون على تلك الجمعيات وأنصارها أن الثورة التونسية جلبت لهم الحرية، وأنهم لا يخالفون القانون باستضافة هؤلاء الدعاة والمشائخ، وأن ضيوفهم يحملون فكرا ولا يمارسون عنفا. وتطالب تلك الجمعيات المحتجين على زيارة الدعاة، بمحاورتهم فكريا عوضا عن التحريض ضدّهم، أو استضافة من يرونه حاملا لأفكارهم العلمانية لكن دون المساس بحقّ الجمعيات الاسلامية في استضافة من تراه مؤهلا لإلقاء محاضرات ودروس. وتنفي وزارة الشؤون الدينية في تونس علمها بتلك الزيارات وعادة ما تؤكد حيادها غداة كل جدل جديد. السياق لا يحتمل زياراتهم يعتقد الدكتور سامي براهم أستاذ الحضارة ورئيس مركز الفاضل بن عاشور للثقافة والفنون أنّ الجدل المرافق لزيارة هؤلاء الدعاة والمشائخ، يبدو متوقعا. ويقول براهم في تصريحات للقسم العربي بإذاعة هولندا العالمية إنّ هؤلاء يأتون في سياق غير عاديّ، فتونس تعيش مرحلة تأسيسية وتجاذبات بين الاحزاب والتيارات الفكرية والدينية، وهو ما يجعل تلك الزيارات مؤثرة على تلك المعطيات بتقوية حظوظ طرف على حساب آخر، ولو كانت الظروف طبيعية في تونس، واكتمل بناء مؤسسات الدولة واستقرارها، مع وجود حراك ثقافي وتوفر نخبة تشتغل في سياق صحيّ، لما شكلت زياراتهم اشكالاً، على حدّ تعبيره. ويضيف:" الظروف الموضوعية لنقاش ثقافي تونسي يؤسس لتحصين المواطنين من الافكار التي يحملها هؤلاء الدعاة غير متوفّرة، لذلك نخشى أن يستغل هؤلاء هذا الظرف غير الطبيعي لتمرير الافكار التي يراها من يختلفون معهم وافدة". زوار فوق العادة الاعلاميّ محمد معالي يعتبر زيارات الدعاة الخليجيين "غزوًا"، فهم يتعاملون بتعالٍ مع المجتمع التونسي، ولذلك من الطبيعي ان يثور كثيرون ضدهم. ويشدّد معالي في افادات للقسم العربي على وجود جو عام يشجّع تلك الزيارات، ومن ذلك الاعلام الخليجي السلفي، ووصول الحركات الاسلامية الى السلطة في عدد من البلدان. أما الحاضرون في اجتماعاتهم ومحاضراتهم وهم بالآلاف، فيربط معالي بينهم وبين حركة النهضة بالقول:" النهضة تضمّ شقا وهابيا، ونحن لا نرفض مناقشتهم، وإنما الاشكال مع طريقة تعاملهم، وبعض ما يروجون له وتسببهم في تقسيم المجتمع بين مسلمين وهابيين حقيقيين وآخرين كفارا". ولكنّ الدكتور سامي براهم يرى أنّ هؤلاء الدعاة موجودون في تونس بأفكارهم وقناعاتهم قبل حتى أن يزوروها، فكثيرون تأثروا بهم وحملوا أفكارهم، ولذلك فإنّ المطلوب من النخبة التونسية على اختلافها أن تخرج من حالة الاستقالة الى تنشيط المجال الثقافي وعدم الاكتفاء بالشيطنة حتى يتم تحصين المجتمع التونسي. المنع غير مجدٍ خلال زيارة الشيخ الكويتي نبيل العوضي وما رافقها من جدل، ارتفعت اصوات تطالب بطرده ومنعه من مواصلة القاء المحاضرات والدروس في مساجد تونس ومحافظاتها المختلفة. لكنّ سامي براهم أستاذ الحضارة ورئيس مركز الشيخ الفاضل بن عاشور للثقافة والفنون، والإعلامي محمد معالي، يتفقان حول عدم جدوى المنع ومصادرة حق هؤلاء في السفر والتنقّل والتعريف بأفكارهم. ويقول براهم: "من حقّ شبابنا الاطلاع على كافة الأفكار، شخصيا اعتقد أن الشاب التونسي ليس سلبيا الى درجة تشكيله من طرف أي داعية يأتي من الخارج بمجرد محاضرة". أما محمد معالي فيقول: " لا حلّ جذريًا لهذه المشكلة المتكرّرة، اعتقد ان المنع ليس حلا، لكن بالإمكان ايجاد مخرج مع من يوجه للمشايخ الدعوة من داخل تونس، وعلى من يستدعيهم ان يقتنع ان الحلّ مع بقية الفرقاء، لا يكون باستدعاء أجانب والاستقواء بهم على مواطنيه، أما الزوار فعليهم احترام خصوصيات البلد الذي يزورونه". إذاعة هولندا العالمية تاريخ النشر : 5 February 2013 - 1:42pm | تقرير: (RNW)