أول تعليق لرئيس الجمهورية على أعمال العنف في حي التضامن..    فظيع: وفاة كهل جرفته مياه وادي الصابون بفريانة بعد ارتفاع منسوبه..    في مكالمة هاتفيّة مع نظيره الصربي ..وزير الخارجية يتلقى دعوة إلى زيارة صربيا    الحكومة لا تتفاعل مع قرارات الرئيس...عمال الحضائر يطالبون بوضع حدّ للهشاشة المهنية !    فظيع: ينتمي إلى شبكة دولية في إيطاليا .. تونسي يستدرج أطفالا لفيديوهات جنسية    ملف التآمر على أمن الدولة ..ختم الأبحاث و إحالة الملف على دائرة الإتهام    وزارة الفلاحة :'' الحشرة أصيلة أمريكا اللاتينية وغزت تونس خلال صائفة 2021''    أولا وأخيرا: ربيع النقل السريع    صفاقس ..70 عارضا بصالون الموبيليا وجهاز العرس    تقلص العجز التجاري بعد ارتفاع الصادرات وتراجع الواردات    مع الشروق ..من «الصبر الاستراتيجي» إلى الرّدع ... ماذا بعد؟    إرتفاع أسعار الذهب لهذه الأسباب    طهران لإسرائيل: سنرد بضربة أقوى وبثوان على أي هجوم جديد    قوات الاحتلال تقتحم جنين ومخيم بلاطة وتعتقل عددا من الفلسطينيين بالضفة الغربية    بالمر يسجل رباعية في فوز تشيلسي العريض 6-صفر على إيفرتون    معز الشرقي يودع بطولة غوانغجو الكورية للتنس منذ الدور الاول    عاجل : خلية أحباء النادي الافريقي بألمانيا تهدد    خروج نديكا لاعب روما من المستشفى بعد سقوطه على أرض الملعب    أخبار النادي الإفريقي...بقاء المنذر الكبيّر غير مؤكد وغضب على العلمي    طقس الثلاثاء: سحب كثيفة وأمطار متفرقة بأغلب المناطق    سوسة: أحكام بالإعدام ضدّ قاتلي إمرأة مسنّة    الحماية المدنية: 19حالة وفاة و404 إصابة خلال 24ساعة.    صفاقس...يعتديان على الأفارقة ويسلبانهم    تفاصيل القبض على مروج مخدرات وحجز 20 قطعة من مخدر القنب الهندي في سليمان    الأولى في القيادة الأركسترالية في مهرجان «Les Solistes»...مريم وسلاتي مستقبل قائدة أوركستر عالمية    عنوان دورته السادسة «دولة فلسطين تجمعنا يا أحرار العالم»...المهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج يحطّ الرحال بنابل    أستراليا: الهجوم الذي استهدف كنيسة آشورية في سيدني عمل إرهابي    عاجل : دولة افريقية تسحب ''سيرو'' للسعال    خطير/ حجز 70 صفيحة "زطلة" لدى مسافر تونسي بميناء حلق الوادي..    آخر زلات بايدن: أشاد بدولة غير موجودة لدعمها أوكرانيا    الكيان الصهيوني : الرد على طهران لن يعرض دول المنطقة الى الخطر    قيس سعيد: لابد من دعوة عدد من السفراء الأجانب لحثّ دولهم على عدم التدخل في شؤوننا    الامارات: سحب ركامية وأمطار غزيرة مرفوقة بنزول البرد    عاجل: قيس سعيد: آن الأوان لمحاكمة عدد من المتآمرين على أمن الدولة محاكمة عادلة    حركة المسافرين تزيد بنسبة 6،2 بالمائة عبر المطارات التونسية خلال الثلاثي الأوّل من 2024    جندوبة: الاتحاد الجهوي للفلاحة يدين قرارات قطع مياه الري ويطالب رئيس الجمهورية بالتدخل    زغوان: تكثيف التدخلات الميدانية لمقاومة الحشرة القرمزية والاصابة لا تتجاوز 1 بالمائة من المساحة الجملية (المندوب الجهوي للفلاحة)    البطولة الافريقية للاندية البطلة للكرة الطائرة - فوز مولدية بوسالم على النصر الليبي 3-2    معرض تونس الدولي للكتاب 2024: القائمة القصيرة للأعمال الأدبية المرشحة للفوز بجوائز الدورة    دار الثقافة بمساكن تحتضن الدورة الأولى لمهرجان مساكن لفيلم التراث من 19 الى 21 افريل    البطولة الوطنية لكرة السلة(مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة التاسعة    معرض تونس الدولي للكتاب.. 25 دولة تسجل مشاركتها و 314 جناح عرض    وزير الدفاع يستقبل رئيس اللجنة العسكرية للناتو    منظمة الأعراف تُراسل رئيس الجمهورية بخصوص مخابز هذه الجهة    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    أكثر من 129 ألف مترشحا لبكالوريا 2024 يشرعون في اجتياز اختبارات التربية البدينة " الباك سبور"    الدورة السادسة لملتقى "معا" للفن المعاصر بالحمامات يستضيف 35 فنانا تشكيليا من 21 بلدا    أنس جابر تبقى في المركز التاسع في التصنيف العالمي لرابطة محترفات التنس    نصائح للمساعدة في تقليل وقت الشاشة عند الأطفال    المؤتمر الدولي "حديث الروح" : تونس منارة للحب والسلام والتشافي    ايطاليا ضيف شرف معرض تونس الدولي للكتاب 2024    تألق المندوبية الجهوية للتربية صفاقس1 في الملتقى الاقليمي للموسيقى    تونس: التدخين وراء إصابة 90 بالمائة من مرضى سرطان الرئة    مفاهيمها ومراحلها وأسبابها وأنواعها ومدّتها وخصائصها: التقلّبات والدورات الاقتصادية    أولا وأخيرا... الضحك الباكي    تونس تحتضن الدورة 4 للمؤتمر الأفريقي لأمراض الروماتيزم عند الأطفال    فتوى جديدة تثير الجدل..    الزرع والثمار والفواكه من فضل الله .. الفلاحة والزراعة في القرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مداخلات تتباري في احالة العلامة الكبير الي مستودع السياسة!
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 07 - 2007

بحضور أكثر من سبعين باحثا من مصر والوطن العربي والعالم أطلقت الادارة العامة للشعب واللجان بالمجلس الأعلي للثقافة الندوة الدولية المنعقدة بمناسبة المئوية السادسة علي رحيل العلامة ابن خلدون ، وهي الندوة التي ينظمها المجلس الأعلي للثقافة وتحمل عنوان وحدة المعرفة ، وقد جرت وقائع الافتتاح بمركز الهناجر للفنون بينما دامت الجلسات العلمية علي مدار ثلاثة أيام، وقد ساهم في الاعداد للندوة الدولية عن ابن خلدون دار الكتب والوثائق القومية والهيئة العامة لقصور الثقافة، وقد مثلت المشاركات عددا من الدول العربية والأوروبية مثل لبنان، الأردن، تونس، المغرب، الجزائر، سورية، اسبانيا، فرنسا، روسيا، كوسوفا، وكان من أبرز المشاركين: محمد دكروب، علي أومليل، فاروق جرار، ابراهيم شبوح، عمار الطالبي، محمد المصباحي، منيرة شابوتو الرمادي، فصيح بدرخان، رضوان السيد، كيرا باييف، جورج لايبكا، فتحي المسكين، فاطمير بؤليتشي، سامية الساعاتي، محمود أمين العالم، حكمت أبو زيد، وعدد آخر من الباحثين.
وقد دارت الندوة حول تسعة محاور أساسية هي: المداخل الي ابن خلدون، ابن خلدون الانسان، والمثقف، مصادر ابن خلدون موضوعا للابداع، ماذا يبقي من ابن خلدون، وقد استغرقت الندوة سبع عشرة جلسة علي مدار ثلاثة أيام، ناقشت عددا من البحوث والأوراق المقدمة بينها الحكمة الخلدونية وحدودها وهي ورقة لناصيف نصار، وموقف ابن خلدون من علم الكلام وهي ورقة قدمها صابر أبازيد، وقدمت استاذة الفلسفة الاسلامية زينب الخضيري ورقة تحت عنوان الدين والسياسة من التاريخ الي المعاش، وقدم مصطفي لبيب ورقة بعنوان أثر ابن خلدون في بعث الفكر الفلسفي الحديث. وقدم أبو يعرب المرزوقي ورقة بعنوان شروط ثورة ابن خلدون المعرفية والقيمية، وقدم محمد نصر مهنا ورقة بعنوان منهجية البحث العلمي لدي ابن خلدون، كما قدم الدكتور حسن حنفي ورقة تحت عنوان من أسباب الانهيار الي شروط النهضة قراءة معاصرة لابن خلدون.
وعلي هامش الندوة أصدر المجلس الأعلي للثقافة طبعة خاصة من كتاب علم الاجتماع الخلدوني للدكتور حسن الساعاتي، ويعد المشروع لاصدار ترجمة لكتاب المؤرخة آنا وولف الذي سيصدر بعنوان كم تبعد القاهرة وهو كتاب يتناول الرؤية الأوروبية للمشرق العربي في زمن ابن خلدون وقد ترجم الكتاب الدكتور قاسم عبده قاسم استاذ تاريخ العصور الوسطي، كما أصدر المجلس كتاب الدكتور عبدالرحمن بدوي مؤلفات عبدالرحمن بن خلدون وهو الذي سنقدم هنا أهم ما احتواه بمناسبة انعقاد الندوة، التي أتت بمناسبة عام ابن خلدون في العديد من دول العالم، وتجدر الاشارة الي أن العلامة ابن خلدون قضي الشطر الأخير من حياته في القاهرة وعاصر دولة المماليك وغزوة تيمورلنك للشام، وقد تولي العديد من المناصب في مصر وعلي رأسها وظيفته كقاض للقضاة، وقد توفي في مصر ودفن بها في رمضان عام 1406م.
المؤلفات الصغري ولوحة الحياة
يضم الكتاب الصادر بمناسبة الندوة عن مؤلفات ابن خلدون للدكتور عبدالرحمن بدوي ويبدأ بسيرة حياته والحكام الذين عاصرهم ثم فصلا لمؤلفاته الصغري، وكتاب العبر الذي تضمن مقدمته الشهيرة، وكذلك الكشف عن المخطوطات التي ارتبطت بها، ثم ترجمات المقدمة والعبر، والنشرات النقدية والطبعات، وآخر مؤلفاته وأول من نقل عنه، ثم عددا من النصوص في أخبار حياته وآراء المعاصرين فيه، ثم المدارس التي درس فيها ابن خلدون.
وقد ولد عبدالرحمن بن خلدون في أول رمضان في 27 ايار (مايو) عام 1332م الموافق 732هجرية في مدينة تونس، درس القرآن واللغة العربية والحديث، وفي عام 749 حدث وباء الطاعون فهلك أبواه وكذلك بعض أساتذته فعكف علي القراءة ثلاث سنين.
وفي عام 755 هجرية سافر الي مدينة فاس وانتظم في درس العلم لدي السلطان أبي عنان، وكان دائم اللقاء بالوافدين الي فاس من أهل العلم، وبعد ذلك بثلاثة أعوام اتهم ابن خلدون بالتآمر مع الأمير محمد حاكم بجابة لاسترجاع الملك من السلطان أبي عنان وسُجن في العام ذاته، وبعد وفاة السلطان أطلقه الوزير الجديد الذي قام علي شؤون الدولة الحسن بن عمر.
وفي عام 765 كلفه السلطان أبو عبدالله بالسفر الي ملك قشتالة لاتمام الصلح بينه وبين ملوك المغرب، ويقول هو نفسه عن الزيارة ان يدرو الملك عاملني من الكرامة بما لا مزيد عليه وأظهر الاغتباط بمكاني، وعلم أولية سلفنا بأشبيلية، وأثني عليّ عنده طبيبه ابراهيم بن زرزر اليهودي، المقدم في الطب والنجامة، فطلب الطاغية مني حينئذ المقام عنده، وأن يرد عليّ تراث سلفي بأشبيلية، فتفاديت من ذلك بما قبله ، غير أن الوشاة أوقعوا بينه وبين لسان الدين بن الخطيب الذي ظن أن ابن خلدون سيحل محله عند السلطان.
وبين بجاية وتلمسان وفاس والأندلس ترحل ابن خلدون الي أن استقر بفاس منذ عام 776هجرية وانقطع لتحصيل العلم غير أنه قُبض عليه من السلطان أبو العباس أحمد أبن أبي سالم ثم أطلقه فتوجه الي الأندلس ومنها مرة أخري الي فاس وتلمسان، وفي عام 779 أتم بن خلدون المقدمة في خمسة أشهر، وفي عام 780 حال اقامته في تونس أوقع به محمد بن عرفة شيخ الفقهاء بسبب التفاف طلاب العلم حوله، غير أنه استطاع اكمال كتابة العبر فأكمل أخبار البربر، وكتب حول تاريخ ما قبل الاسلام، وفي عام 784 وصل ابن خلدون الي الاسكندرية قادما من تونس واتصل بالسلطان الظاهر برقوق وكان قد التف حوله طلاب العلم، وتولي بعد ذلك التدريس بمدرسة القمحية جوار جامع عمرو بن العاص، ثم تولي منصب قاضي قضاة المالكية ويقول ابن خلدون عن ذلك: قمت بما دفع اليّ من ذلك المقام المحمود، ووفيت جهدي بما أمنني عليه من أحكام الله، لا تأخذني في الحق لومة، ولا يردعني عنه جاه ولا سطوة، مسويا في ذلك بين الخصمين، آخذا بحق الضعيف من الحكمين، معرضا عن الشفاعات والوسائل من الجانبين!!
ثم تولي المنصب ذاته للمرة الثانية عام 801 هجرية وسافر للحج وزار بيت المقدس، ثم طلب أهله من تونس غير أنهم ماتوا غرقا في الطريق، فاعتكف وطلب الزهد والتأليف والقراءة، وتوفي ابن خلدون في الخامس والعشرين من رمضان عام 808هجرية ودفن في مقبرة الصوفية خارج باب النصر بالقاهرة.
المقدمة من الأعمال الكبري في الفكر الانساني علي مر العصور
من المؤلفات التي تركها ابن خلدون والتي يطلق عليها عبدالرحمن بدوي المؤلفات الصغريِ يشير الي كتابه لباب المحصل في أصول الدين، ويشير بدوي الي أن هذا الكتاب لم يبق منه غير مخطوطة وحيدة، لكنها ثمينة جدا وتغني عن غيرها، ذلك أنها بخط المؤلف نفسه وهذه المخطوطة محفوظة بمكتبة الأسكوريال بالقرب من مدريد، كذلك لخص ابن خلدون العديد من الكتب لابن رشد وألف كتب تقييد المنطق، كتابا في الحساب، شرح رجز في أصول الفقه للسان الدين بن الخطيب، وشرح البردة، وشفاء السائل لتهذيب المسائل، هذا بالاضافة الي المقدمة التي يقول عنها بدوي أنها من الأعمال الكبري للفكر الانساني علي مر العصور لأنها في رأيه تضع الأسس الأولي لعلم جديد هو علم العمران الذي هو مزيج من علم السياسة وفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع بالمعني الحديث، وينتقد بدوي من أخذوا علي ابن خلدون قصور المنهج التاريخي لأنهم تعاملوا مع المقدمة باعتبارها بحثا منظما في النقد التاريخي، فانتظروا أن يجدوا فيه ما ينتظرون، بينما حسب بدوي لم يرد ابن خلدون الا أن يشير اشارة عامة الي أوهام أو مغالطة المؤرخين وأن يدعو من وراء ذلك علي اقامة منهج تاريخي أو نقد للتاريخ.
ويري بدوي أن الذين أنكروا عليه أنه فيلسوف للتاريخ انما تلمسوا وراء آرائه في تطور الدول فلسفة منظمة في التاريخ والزمان تقوم بدورها علي فلسفة في الوجود شأن كل فلسفة في الوجود شأن كل فلسفة حقة في التاريخ، بينما هو لم يقصد الي شيء من ذلك لأنه أراد استقراء الأحوال التاريخية الواقعية للدول التي عاصرها وشارك في أحداثها، ثم استشرف بفكره شواهد من التاريخ الاسلامي بخاصة وأحيانا شواهد من التاريخ العام تأييدا للقواعد العامة التي استخلصها مباشرة من الأحوال الواقعية.
ويري بدوي أن الذين استكثروا علي ابن خلدون أن يكون مؤسسا لعلم الاجتماع انما قاسوه بعلم الاجتماع كما رسخت قواعده في النصف الثاني من القرن الماضي وأوائل هذا القرن - يقصد القرن التاسع عشر والقرن العشرين - ويراه بدوي قياسا غير مقبول من الناحية التاريخية، لأنه يري تطور علم الاجتماع قد سار في اتجاه آخر غير الاتجاه الذي كان سيتخذه لو أنه بدأ من النقطة والأسس التي خلفها ابن خلدون، ويقول بدوي: ان القارئ يحار أحيانا في معرفة الباب الذي يندرج فيه هذا أو ذاك من المعاني الرئيسية في المقدمة، ويضرب مثلا بفكرة العصبية ويتساءل عما اذا كانت تمثل فكرة سياسية أم ظاهرة اجتماعية، كذلك ينطبق الأمر علي آرائه في الكسب والمعاش، وهل هي آراء اجتماعية أو اقتصادية، ويخلص بدوي الي أن المقدمة مزيد من فلسفة التاريخ وعلم السياسة وعلم الاجتماع، ويقول: ليس لنا أن نحكم عليها الا علي هذا الأساس وحده، ويشير بدوي الي ما أسماه أصالة المقدمة، ويري أن هذه الأصالة ظاهرة أولا في أنها أول كتاب عرض لأحوال الاجتماع البشري في الدولة ولاحظ ما يطرأ عليه من عوارض ذاتية، وانتهي الي أن المجتمع الانساني ممثلا في الدولة كائن عضوي مما يولد ثم ينمو ثم ينضج ثم يستهلك نفسه ثم يموت، ويشير بدوي الي أن ابن خلدون حدد لهذا الكائن العضوي عمرا هو في نظره يمتد الي أربعة أجيال، والجيل يستمر أربعين عاما، وقد ربط ابن خلدون بين الدولة والظروف المحيطة بها سواء كانت جغرافية أو اقليمية أو سياسية، لذلك قسم العالم الي أقاليم، فيما يمكن أن نسميه علم الجغرافيا البشرية.
ويقول بدوي ان أصالة المقدمة تتأتي كذلك من الفصول التي تضمنتها عن الدول وأحوال تطورها والملك والتغلب وأنواع الملك وكيف يسري اليه الانحلال، ويعترف بأنه وان لم يقم ببحث مقارن في النظم السياسة، وكاد يقصر بحثه علي الخلافة الاسلامية، الا أنه كان مطالعا لما كتبه أرسطو في السياسة وأفلاطون في الجمهورية، كذلك قرأ ابن رشد وعني بتلخيصاته لكتب أرسطو، كما يشير بدوي الي أن ابن خلدون يمتاز عن غيره من سائر المؤلفين في السياسة أن الآخرين بحثوا في أمور الدولة كما يجب أن تكون لهذا في الدولة كما هي واقع في التاريخ، لهذا يري بدوي أن بحث ابن خلدون كان أقرب الي العلم الوضعي بالمعني الحديث لهذا اللفظ وينقل بدوي عن ابن خلدون قوله: ان جميع الذين سبقوا كلهم حوّم علي الغرض ولم يصادفه ولا تحقق قصدهم ولا استوفت مسائلهم.
ويؤكد بدوي مرة أخري أن أصالة بن خلدون تتبدي في ظاهرة تفرقته بين العمران البدوي والعمران الحضري، وفي دراسة كل نوع منها دراسة تعتمد علي فكرة البيئة وعلي تأثير الأحوال الاقتصادية في أبدان البشر وأخلاقهم، مما يفضي به علي وضع اثبات بخلاف الناس في كل نوع منها، كذلك يشير بدوي الي أصالة فكر ابن خلدون عبر دراسة عن عمر الحضارة حيث يري أن العمران كله من بداوة وحضارة وملك له عمر محسوس كما أن للشخص الواحد من أشخاص المكونات عُمرا محسوسا وينقل عن ابن خلدون قوله في ذلك فلنعلم ان الحضارة في العمران ايضا كذلك، لأنها غاية لا مزيد وراءها، وذلك أن الترف والنعمة اذا حصلا لأهل العمران دعاهم بطبعه الي مذاهب الحضارة والتخلق بعوائدها، والحضارة هي التفنن في الترف واستجادة أحواله والكلف بالصنائع التي تؤنق من أصنافه وسائر فنونه من الصنائع .
تضمن كتاب عبدالرحمن بدوي الي جانب ذلك عرضا للمخطوطات التي تناثرت من المقدمة وكذلك آخر مؤلفاته وأول من نقل عنه، ونصوصا في أخبار حياته وآراء المعاصرين فيه.
مؤتمر السجال السياسي
حول رجل دولة
بدا أن السجال الفكري حول ابن خلدون في معظم ندوات المؤتمر ينحو منحي سياسيا، وبدا ذلك جليا بداية من كلمات الافتتاح كما تبدي في كلمة الدكتور جابر عصفور وتعرضه لعلاقة ابن خلدون بتيمورلنك أثناء وجوده في دمشق، مع السلطان فرج بن برقوق، وهو أيضا ما اكتنف كلمة الطيب تزيني الذي أفاض في قدرة ابن خلدون علي استغلاله الثقافة في مآربه السياسية، ووصف عصره كله بأنه عصر أفول حضاري ولم ينجح ابن خلدون في فرض مشروعه عليه رغم أهميته، وكذلك يبدو البعد الذي تناول منه محمود أمين العالم مشروع ابن خلدون الذي حاول في البداية ربطه بالجذر الفلسفي لمفهوم الحركة الا أنه انتهي بقراءة سياسية اتهمت ابن خلدون بأنه رجل سياسة من طراز فريد، يجيد المراوغة اجادة كاملة.
وابن خلدون في اطار استعراضه حياتيا يبدو ضحية للدولة العربية الاسلامية الآفلة ابان القرن الخامس عشر الميلادي الثامن الهجري، فقد كان ضحية الفتن في كل الأقطار والأمصار التي حل عليها، فلم يلبث الاقامة بمكان حتي يدس له لدي السلاطين فيغادر مكانه، وقد انتهت حياته شديدة البؤس بعد غرق أهله في الطريق الي مصر من تونس، ومع ذلك استطاع أن ينجز واحدا من أهم المؤلفات في التاريخ الانساني حسبما يعبر عبدالرحمن بدوي.
وهذه السيرة كان أجدي بها أن يعيد المثقف العربي الذي جلس الي منصبه الخطابة الي هذا التاريخ المدمي في علاقة ابن خلدون بالسلاطين والملوك والأمراء، وليتأملوا كيف كان يدير منصبه كقاض لقضاة المالكية في مصر، ومآثره في هذا الموقع، والتاريخ يعيد نفسه وينتهي الي نفس الصيرورة، ففي الوقت الذي كانت تشرف فيه الحضارة الاسلامية علي الانهيار، كتب ابن خلدون أعظم كتاب في التاريخ البشري، انه الكتاب الذي تأسست عليه الدولة الحديثة في كل بقاع الأرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.