بعد عرض وقراءة لوائح المؤتمر الأربع المتعلقة بالشؤون الداخلية، والعامّة والمهنية والوضع العربي والدولي إلى غاية الساعات الأولى من ليلة أول أمس تركز نشاط المؤتمر كامل يوم أمس على الاستماع لتدخلات المؤتمرين وتوصياتهم العامة أو تلك التي تتّصل بما جاء في اللّوائح، أمّا بخصوص مسار المؤتمر والتحالفات فقد زادت الأمور غموضا بعد أن أصبح التوصّل إلى قائمة وفاقية صعب المنال، وقد أضفى هذا الوضع الغامض في جانب الوفاق بين الأطراف النقابيّة على المؤتمر كثيرا من التكتّم ممّا جعل الحوار والمداخلات مشحونة وموجهة، تقاطعها بين الحين والآخر صيحات الشعارات لحمل بعض المتدخّلين على السكوت والتعبير عن الاختلاف معهم في ما يذهبون إليه من مقترحات أو توصيات... غير أنّه وعلى الرّغم من هذا الجوّ الساخن بقي الحوار قائما بين الكتل النقابيّة على فرضية ما ستؤول إليه الأمور بالنسبة لما تبقى من المؤتمر باعتبار عنصر التّشاور مازال قائما وفرضيات الحلول الوسطى من أجل الوفاق - ولئن ضعفت - فإنها تبقى واردة. تميّزت اللائحة الداخلية بعمق في تطوير مسار العمل النقابي وتركيز البعد الديموقراطي والنضالي بعيدا عن الإسفاف والتهرّب من مشاغل العمال اليومية وقد دعت هذه اللائحة إلى تكريس جملة من المبادئ في العمل النقابي لعل من أهمها استقطاب مختلف أصناف الأجراء ومزيد إحكام التصرّف في أموال المنظمة وجاء في اللائحة العامة التأكيد على أهمية الإعلان الوطني حول التشغيل، وتجاوز مظاهر العقود الهشّة في الشغل والعمل الوقتي والعقود والمناولة وغيرها من المسائل التي تؤدّي إلى هشاشة الشغل. وجاء في اللائحة المهنية العمل على إرساء قاعدة الانتداب كأساس في مجال التشغيل وتشريك الاتحاد في صياغة سياسات إعادة إدماج العمال المسرحين والعمل على بعث صندوق لمعاضدة المسرحين من العمال وإعادة إدماجهم والحدّ من بطالة أصحاب الشهائد ومراجعة السياسة الجبائية والإسراع ببعث الصندوق الوطني للتأمين على المرض والارتقاء بالقدرة الشرائية للعمال والأجراء ومراجعة المنح العائلية والترفيع فيها تماشيا مع أهدافها. النّقاش داخل المؤتمر أخذ وجهات تجمع بين التوصيات والملاحظات والنّقد ولم يتقيّد الا في القليل منه بما جاء في اللوائح، ولعلّ المتتبع لهذه النقاشات يلاحظ أنّها تركّزت بالأساس على المشاغل الوطنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقلّ أن جاءت تدخلات ذات بعد عربي أو دولي بخصوص قضايا في هذا المستوى، لكن هذا لا يعني غياب تدخّلات تعلّقت بالشأن العربي والدولي حيث كان صدّام حسين ونصرالله، وأولمرت وغيرهم من الوجوه ذات العلاقة بالوضع العربي حاضرة في المؤتمر، لكن الذي يشدّ الانتباه أنّ هذه القضايا كانت فردية ولم يطرح حولها إجماع، بل كثيرا ما كانت تقع مقاطعة تدخلات أصحابها بالصياح والتصفير باعتبارها من القضايا التي لا تهم الشأن النقابي مباشرة وليست حديث الساعة على حدّ يعتبر العديد من النقابيين الذين اعتبرها خارجة عن المؤتمر ويمكنها أن تطرح في مناسبات أخرى، وذلك على الرّغم من مواقف الاتحاد المبدئية من الصراع العربي الإسرائيلي ومن خلال العراق وممّا يجري في لبنان. في الشأن النقابي والسياسي عديد المتدخّلين من مؤتمري الاتحاد كانت تدخلاتهم سياسية نقابية، حيث أشاروا إلى ضرورة دعم المسار الديموقراطي وتعميقه وتطوير آداء منظمات المجتمع المدني وأكدوا أنه لا بدّ على الاتحاد أن يساهم بشكل فاعل في مزيد تكريس الديموقراطية في البلاد وأن يكون في طليعة المدافعين عن هذا المسار. ودعا العديد من هؤلاء المتدخلين إلى ضرورة مزيد دمقرطة الحياة النقابية داخل الاتحاد باعتبار أنه لا يمكن لمنظمة أن تكون فاعلة في البلاد ما لم تكن حصنا للتعامل الديموقراطي ومنبعا له. الضمان الاجتماعي واحتل قطاع الضمان الاجتماعي حيّزا هامّا من نقاشات المؤتمرين حيث تحدّث البعض من النوّاب في المؤتمر على وضعية الصناديق الاجتماعية وعلى برنامج التأمين على المرض وعلى الخدمات الاجتماعية بكل أنواعها داعين الاتحاد إلى ضرورة فتح هذا الملف والحوار مع السلطة. وأكدوا أنّ الحوار الاجتماعي لا يجب أن يكون مربوطا بمواعيد الزيادة في الأجور إنّما يأخذ طابعا أشمل وأوسع ويجب أن تتطور منظومة الحوار بما يجعلها أكثر عمقا وأشمل علاوة على تواصل نشاط لجان خاصة بها على مدار أيام السنة وأشاروا في هذا الجانب إلى «منح الأطفال» المجمّدة منذ سنوات وإلى الوضع الصحي والمؤسسات الصحية وغيرها من الجوانب ذات البعد الاجتماعي والصحّي.