متى ستخرج حكومات وشعوب المنطقة العربية من هذا النفق المظلم الذي تعيشه معظم الأقطار العربية. متى يدرك الناس والقوى الفاعلة في هذه المجتمعات أن حالة الاحتراب والتمترس الطائفي والديني، واستخدام السلاح لتصفية الاجتهادات السياسية، وتوتير الأجواء السياسية وحالة الاحتقان السياسي، هي عوامل أساسية تمنع التنمية وتعيق التقدم. حالة الاحتراب والنزاعات الطائفية والتطرف بكل أشكاله، تتم في ظل ظروف انتشار البطالة والفقر في العديد من هذه البلدان، وفي ظل أزمة خانقة في الخدمات الصحية والاجتماعية وتردي حالة التعليم وغياب الحريات، وانتشار الإحباط وغياب الأمل بالمستقبل، لدى ملايين الشباب العرب الذين يصحون وينامون على حالة من التوتر والاحتراب والكراهية. أليس هناك ما يمكن أن تتوافق عليه الجماعات والطوائف والأحزاب والاجتهادات السياسية والاجتماعية من برنامج حد أدنى يوفر حالة من السلم الاجتماعي ويوقف حالة التوتر واستخدام السلاح، ونزول الناس إلى الشوارع في مظاهرات، ومظاهرات مضادة، ويوقف حفلة التخوين والتكفير للخصوم، ويحول اهتمامات الناس إلى ما ينفعهم، ويشغلهم في العمل والإنتاج والتفكير وممارسة الرياضة والاستمتاع بالحياة بدلاً من حالة التوتر والاحتراب ! كيف لا ينجح الظلم والاضطهاد الذي يعانيه الفلسطينيون في توحيدهم على برنامج حد أدنى يحفظ شيئاً من الحقوق، ويساعد على إعادة الأرض المحتلة، وينقذ ملايين الفلسطينيين من الضياع والبطالة والفقر والاحتلال، وهل يمكن أن يؤدي هذا التناحر بين فتح وحماس إلى شيء سوى مزيد من الإذلال والفقر والمعاناة. كيف يسمح اللبنانيون بالتضحية بوطن جميل بهذه الطريقة التي سيدفع الجميع ثمنها. وأي ظلم لأنفسهم ولوطنهم أن يستقبلوا الأعياد بهذه الروح المتوترة المتشائمة، وبأطروحات الطائفية وعصبيات العصور الغابرة ! ما الذي يفعله العراقيون بأنفسهم في ظل الطرح الطائفي والقتل بدم بارد والسيارات المفخخة وتهجير الأبرياء من بيوتهم بالقوة، وأنانية القادة السياسيين والحزبيين الذين يتصرفون بدم بارد في مواجهة حالة الموت في بلد نفطي غني، يمكنه لو استثمر إمكانياته أن تظهر الإبداعات العراقية المكبوتة، وتعود الكفاءات الوطنية المشردة، ويعود للعراق رونقه. الحالات الفلسطينية واللبنانية والعراقية هي حالات صارخة لحالة التأزم لكن هناك عددا من المجتمعات العربية الأخرى التي تعيش الحالة نفسها وإن لم تكن بهذه الحدية والوضوح! لكنها في النهاية مجتمعات قلقة متوترة ! قلبي على جيل عربي جديد يكبر وسط حالة العنف والدمار والتوتر والأطروحات الطائفية، وخوفي أن تنتقل عقلية الاحتراب والكراهية لهذا الجيل الجديد ! وعندها سيكون الطوفان.. ولا شيء غيره !