الإعدام السياسي الذي نُفذ في حق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هو إعدام يعبر في تجليه الاستراتيجي عن مدى حجم التخبط الذي تمر به منظومة صناعة واتخاذ القرار السياسي في البيت الأبيض ، فقبل أيام معدودة من مؤتمر الكونغرس الجديد والذي يُنتظر أن يعلن فيه الرئيس بوش عن ما يسمى بالاستراتيجية الأمريكيةالجديدة في العراق ، أُعدم صدام حسين بشكل درامي فاجأ كل من تابع عن كتب تفاعلات المشهد السياسي العراقي . فالمتصور التحليلي الذي كان يرصع أجندة محللي السياسة قبل تنفيذ ذلك الإعدام كان مبنيا ً على فرضية إمكانية حدوث تحول اضطراري ونسبي في الاستراتيجية المتخبطة التي تتبناها إدارة بوش تجاه العراق منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، فكما هو معلوم إن البيت الأبيض في تعامله مع الملف العراقي منذ تلك الأحداث اعتمد في الأساس على استراتيجية ارتجالية تتسم بسيطرة توجهات المُقدس الفكري الذي يتبناه المحافظين الجدد على معظم سلوكيات صانع ومتخذ القرار السياسي الأمريكي ، وهذا المُقدس وفق الدراسات البحثية المختصة يوظف بشكل سلبي ومتطرف أفكار فلسفية عدة من بينها أفكار الفيلسوف الألماني شتراوس وذلك من خلال آلية عملية بات من الواضح أنها تسير في اتجاه إغراق العالم في مستنقع فوضوي غايته الرئيسة تأسيس مناخ دولي متردي يخدم مصالح النخبة اليمينية المهيمنة على زمام مجريات العملية السياسية في إدارة بوش الابن . وإذا ما أخذنا في الاعتبار الهجوم الحاد الذي شنهُ مؤخرا ً على السياسة الأمريكية في العراق المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما الذي يُعد أحد أبرز المحافظين الجدد في كتابه الموسوم ب (أمريكا على مفترق الطرق) ، وأخذنا أيضا ً في الاعتبار المخاوف التي تنتاب معظم مؤيدي مفهوم التوسع الكوني الأمريكي من جراء الفشل الذريع الذي مُنيت به سياسة بوش في العراق لأدركنا بأن الإعدام السياسي للرئيس الراحل صدام حسين كان بمثابة الخطوة الحاسمة التي نقلت تلك السياسة من مرحلة الموت الكلينكي البطيء إلى مرحلة التحرير الرسمي السريع لشهادة وفاتها . فمن المتوقع أن يترتب على ذلك الإعدام متغيرات ومعطيات كارثية عدة ربما أن أهمها في المدى القريب ما يلي : أولا ً :- تقويض جهود المصالح الوطنية وارتفاع معدلات الجرائم الإرهابية التي ترتكبها الميليشيات الممولة بشكل أو بآخر من الشركات الأمنية الخاصة التي تعمل بالعراق أو من دول الجوار الجغرافي وبالأخص إيران وسوريا وكذلك السعودية التي تتأهب منذ فترة ليست بالوجيزة للتدخل بشكل علني وصريح في الشأن العراقي وذلك بحجة حماية السنة العراقيين . ثانيا ً :- المزيد من تجليات احتقان الشارع العربي تجاه سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية في المنطقة ، والمزيد أيضا ً من معدلات تفريخ الأعداء الجدد لأمريكا ، سيما وأن الرافد الرئيس لذلك سيكون القرار الأمريكي القاضي باتخاذ عيد الأضحى موعدا ً لإعدام صدام حسين وهو قرار كما نعلم استفزَ مشاعر العرب والمُسلمين بل وأدانته أطراف رسمية عدة في مقدمتها المملكة العربية السعودية ومنظمة المؤتمر الإسلامي . ثالثا ً :- المحاكمة غير القانونية التي تعرض لها أٍسير الحرب صدام حسين تعزز من السديم الذي يلف مستقبل الديمقراطية في العراق ، فمن غير المنطقي أن تبدأ خطوات التحول الديمقراطي عبر ذلك النمط من المحاكمات الذي يقر العديد من المختصين بشؤون القانون الدولي عدم شرعيته ومخالفته لكل اللوائح والمعاهدات الدولية المتعارف عليها . رابعا ً :- فشل عملية الدمقرطة في العراق سينعكس بالمزيد من السلب على المخيال السياسي العربي الذي بدأ أمام مشهد نزيف الدم العراقي والتناحر الطائفي المفتعل قانعا ً بالمأثور السلبي القائل (سلطانٌ غشوم ولافتنة تدوم) . وبمناسبة الحديث عن المأثور الآنف ذكره سيكون من المفيد الإشارة إلى أن سياسة المحافظين الجدد التي اعتمدت تجاه مسألة إحلال الديمقراطية في الشرق الأوسط المنظور الروزفلتي الذي تراوح ظرفيا ً بين السياق البراغماتي المرن والسياق المتشدد غير المرن قد فقد مصداقيته أمام مشهد تطويق ومحاصرة حكومة حماس المنتخبة شرعيا ً وزاد بالتالي من منطقية وحكمة الاستخلاصات النظرية القائلة بأنه لن يكون من صالح الولاياتالمتحدةالأمريكية إقامة تعددية سياسية مثمرة في مجتمعات لن تتريث في إيصال أشد أعدائها إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع . ختاما ً ... فإن صدام حسين طاغية العراق الذي أُعدم سياسيا ً في أول أيام عيد الأضحى المبارك قد تحول بفعل حماقة وسذاجة صانع ومتخذ القرار السياسي الأمريكي إلى بطل قومي شجاع ورمز لمقاومة المطامع الصهيو- أميركية في المنطقة العربية ، كما أنه أصبح أبرز شهداء عصر الفوضى الخلاّقه الذي يحاول قطيع المحافظين الجدد فرض واقعه المزري على المجتمع الدولي برمته ، وذلك من خلال استراتيجية كونياليه رعناء لن تُخلف إلاّ المزيد من الخراب والدمار والانتهاك الصارخ للخصوصيات الثقافية والسياسية . *كاتب وباحث في القضايا السياسية من ليبيا