كثيرًا ما نشعر نحن الفلسطينيون بالغصة والغضب من الطريقة التي تتناول بها بعض وسائل الإعلام العربية الشأن الفلسطيني، ما بين ادعاء الحيادية المفرطة تجاه الصراع المستعر بيننا وبين الإسرائيليين، وانتهاج العنصرية السياسية والانحياز بيننا نحن أنفسنا في شأننا الداخلي، فضلاً عن السعي المخجل خلف الإثارة الإعلامية كهدف أساس، ولو على حساب الموضوعية والمهنية، أو على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية، عبر إفساح المجال، وعلى أوسع نطاق، لكثير من الأصوات المؤججة للخلاف الداخلي، وطمس أصوات العقلاء الذين يضعون الأمور في نصابها انطلاقًا من رؤية وطنية جامعة، تتجاوز النظرات الحزبية المقيتة، التي ما فتئت تصب الزيت على نار خلافاتنا عبر وسائل الإعلام المختلفة، وبالذات عبر بعض الفضائيات العربية ذات الحضور الواسع لدى المتلقي العربي والفلسطيني، مثل قناة الجزيرة القطرية وغيرها. ولأن توازن العلاقة بين مرسل المعلومات ومستقبلها في العملية الإعلامية محسوم حتمًا لصالح مرسل المعلومات في الغالبية الساحقة من هذه العملية الإعلامية، ولأن أوضاعنا نحن الفلسطينيين بالذات لا تحتمل مزيدًا من التأجيج أو التحريض الأسود، المباشر منه أو غير المباشر، فإن خطورة غياب الموضوعية، وانعدام الحيادية في العملية الإعلامية، تبرز بشكل كبير كأحد أخطر السلبيات في تأثير وسائل الإعلام المختلفة في خلق الرأي العام لدينا، وتوجيهه بطريقة معينة، بحيث يصبح مبرمجًا ومتأثرًا ومنفعلاً بما يقدم له من وجبات إعلامية، حيث تحولت بعض وسائل الإعلام إلى أداة تهدف إلى توجيه الناس دون سماع رأيهم، مما حول كثيرًا من هذه الوسائل الإعلامية، والفضائية منها على وجه التحديد، إلى مجرد أبواق دعاية، تركز جل همها على ربط المتلقي الفلسطيني بتيارها السياسي والفكري، ومحاولة السيطرة على تفكيره واهتمامه في اتجاه مرسوم سلفًا، لتحقيق مصلحة طرف ما، خارجي أو داخلي، عبر رسالة إعلامية مشوهة، تعتمد الكذب الطازج في أحيان كثيرة، وتجتزأ الحقائق بهدف طمسها أو تشويهها في أحيان أخرى. هنا في فلسطين، تبرز قناة الجزيرة كواحدة من أهم القنوات الفضائية العربية، وأكثرها تأثيرًا، وأكثرها في ذات الوقت إثارة للجدل، الذي قد يصل في بعض الأحيان حد الغضب، بسبب سياستها الإعلامية التي يصنفها كثيرون عندنا في إطار الإعلام الموجه بطريقة سلبية، حتى إن البعض هنا يتهمها بإعلان الحرب على إسرائيل في العلن، والترويج لها وللتطبيع العربي معها في الخفاء، أو بطريقة غير مباشرة، من خلال دس ما يوافقها في ثنايا ما ينتقدها، حتى شبهها البعض -والعهدة عليهم- بمن يدس السم في العسل، وبأنها ليست أكثر من قناة غربية ولكن بلسان عربي، شأنها في ذلك شأن إذاعات البي بي سي الشهيرة، ويدللون على ذلك بمئات دقائق البث، المباشر والمسجل، التي أفردتها القناة لعشرات المتحدثين الإسرائيليين، الذين يعرضون بضاعتهم الفاسدة عبرها على ملايين المشاهدين العرب، رغم أنوف كل الضحايا الفلسطينيين واللبنانيين، الذين تتضاعف آلامهم كلما طالعوا وجه أحد أولئك المتحدثين الإسرائيليين، الذين طالما تبجحوا وأظهروا شماتتهم بتضحياتهم، على الهواء مباشرة، وعبر فضائية عربية، هذا في الوقت الذي يمتنع فيه الإعلام الإسرائيلي عن منح المتحدثين العرب عامة، والفلسطينيين خاصة، أية مساحة تذكر لعرض رؤيتهم عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، هذا مع التسليم بالطبع أن ثمة من يعتبرها -مع كل ذلك- ثورة في الإعلام العربي المتحرر!!. آخرون هنا يتهمون الجزيرة بالمساهمة في تأجيج الخلافات الفلسطينية الداخلية، عبر انحيازها -من وجهة نظرهم- لطرف على حساب طرف آخر، والمساهمة في ترويج رأي على حساب بقية الآراء، رغم أن القناة قد رفعت منذ انطلاقتها شعار (الرأي والرأي الآخر)، ويدللون على ذلك بالعديد من البرامج الحوارية، التي يستضاف فيها متحدثون من حركة المقاومة الإسلامية حماس، وآخرون من حركة فتح، حيث يحظى متحدثو حماس -حسب هؤلاء- بكل الوقت الكافي لعرض وجهات نظرهم، بينما يحرم الآخرون من ذلك، فضلاً عن قيام الجزيرة ببث مباشر لوقائع الخلافات الفلسطينية المسلحة، وهو ما يسيء إلى صورة الشعب الفلسطيني، سواء في ذهن المتلقي العربي، أو على الصعيد الدولي عامة، ما يراه كثير من الفلسطينيين إضرارًا شديدًا بالمصالح الوطنية العليا. بسبب ذلك وغيره، فإن البعض يرى أيضًا أن قناة الجزيرة، كواحدة من أكثر القنوات العربية حضورًا في فلسطين، تهتم بما يمكن تسميته (الإثارة الإعلامية الساخنة) أكثر من اهتمامها بالموضوعية والحيادية والنزاهة المهنية، رغم أن جميع مراسليها في فلسطين، من المشهود لهم بكل ذلك، ولذلك نراها تخصص المساحة الأكبر من بثها الفلسطيني لمواضيع وأصوات خاصة، تحمل قدرًا كبيرًا من هذه الإثارة، التي كثيرًا ما تؤثر سلبًا على المتلقي العربي عامة، والفلسطيني على وجه الخصوص، بينما تمتنع عن عرض قضايا أكثر أهمية، أو إفساح المجال لأصوات أكثر موضوعية ووحدوية واعتدالاً، وكأنها بذلك تساهم في إذكاء نار الاستقطاب السلبي التي يعانيها المشهد الفلسطيني، والتي وصلت في أحيان كثيرة إلى حد الاقتتال المسلح. لسنا بالطبع ضد (الجزيرة)، ولكننا نتحدث بما يتحدث به الناس، أو كثيرون منهم، أولئك المعنيون مباشرة بالأمر، والمتأثرون مباشرة بأية سلبيات أو إيجابيات تقع، مع كل الأمنيات للإعلام العربي بمزيد من الصعود في سلم الموضوعية والنزاهة والتأثير الإيجابي المبدع.