نقابة الصحفيين تندد بحملة تحريض ضد زهير الجيس بعد استضافته لسهام بن سدرين    توزر: إمضاء اتفاقية بين ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية لتحسين إنتاجية وجودة المنتجات الحيوانية    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة في الخلفية النفسية التي تحكم السلوك المدمر للسلطة -رقصة الديك المذبوح

إن تواتر الأخبار عبر وساءل الاعلام العالمية والمختلفة عن تمادي السلطة في تونس في التفنن في ابتكار وسائل مختلفة لتعنيف مواطنيها و إلحاق الأذى بهم والتأسيس لعلاقات تتصف بالعدوانية في معالجة قضايا الاختلاف السياسي والاجتماعي في تونس لمن الأمور التي تؤلمني جدا و تحيرني في آن و لا يعود ذلك فقط إلى أني كنت في يوم من الأيام ضحية من ضحايا عنف الدولة التونسية؛ وإنما كذلك بسبب الإصرار على هذا النهج في التواصل مع المواطنين و مختلف مكونات مجتمعنا المدني كالتهديد بالقتل وبغيره واعتماد أساليب الخداع والفخاخ بما لا يقيم وزنا لبشرية الإنسان و العنف أللفضي والاعتداء على الحرمات الجسدية للناس وعلى أرزاقهم و أعراضهم بالاغتصاب تارة وبترويج الأفلام البورنوغرافية المركبة طورا والنهب المبرمج لمقدرات الشعب ولن يكون هذا؛ والحالة تلك؛ آخر ما ستتفتق عليه عبقرية السيد زين العابدين بن علي و رفاق دربه.
وإذا اعتبرنا الإصرار على هذا الأسلوب الأمني وتعبيراته العدوانية؛ كخيار يترجم حالة من الاستبداد السياسي؛ فان الغرض منه ضمان تواصل السيطرة وإحكام الرقابة على الأفراد والجماعات وهو الهدف من كل سلوك عنيف مهما كان مصدره بين الدولة ومواطنيها أو بين المواطنين أنفسهم أحيانا بما يكرس مزيدا من ثقافة الاستبداد ويحد من ثقافة الاعتدال الموصوف بها المجتمع التونسي
وليس الغرض من مقالي هذا الخوض في تعبيرات العنف و أسبابها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية و نتائجها وأهداف الآمرين بها أو الممارسين لها و دوافعهم؛ فهذا يحتاج إلى دراسة من نوع آخر ليس مجالها الآن. إنما أريد تحليل الخلفية النفسية لهذا السلوك؛ اْوامرا للتنفيد الفوري من راس الدولة التونسية أو ممارسة ممنهجة تسخر لها الأموال والطاقات على ضوء بعض من مقولات علم النفس الحديث و أدوات تحليله النظرية.
والجواب عن السؤال الذي سأطرحه لا يعدو كونه محاولة بسيطة لاستكنا ه الدوافع النفسية الخفية لهكذا سلوك محاولا ربط تعبيرات السلوك العنيف والعدواني اْوامرا و ممارسة بأسبابه المتصلة بعمق ألذات البشرية باعتبار هذا الأسلوب في التواصل مع الآخرين يترجم في جانب منه عن بعض مكونات الشخصية الذهنية والنفسية والتاريخية للمعتدي في محيط ثقافي معين؛ كما يعبر عن مدى العجز عن التعاطي مع الإشكاليات و المستجدات بأسلوب مغاير لأسلوب الإرهاب والقمع؛ علني بهده المحاولة أساهم في تسليط الضوء عن بعض الآليات المتحكمة في السلوك الاستبدادي التسلطي لراس الدولة في حق مواطنيه من هذه الوجهة و بمعزل عن:
أ: الذهنية العسكرية التي تحكم سلوك الرجل ذات الطبيعة السلطوية التي لا تتحمل تعدد مراكز القرار.
ب: منطق الدولة الاستبدادية المرتبطة بلعبة المصالح و انهيار القيم.
ج: أدوات التحليل السياسي.
و أني ازعم أني بذلك افتح بابا طريفا و جديدا على هذه الصفحات في تحليل هذا السلوك التسلطي من هذا المنحى الذي لم نتعود على رؤية الكثير منه كلما تعلق الأمر بنقد الدولة و سياساتها.
أما السؤال فهو كالآتي.. ما الذي يجعل رجلا كابن علي يصعد من وتيرة إصدار أوامره ليلا و نهارا لأجهزته الأمنية لممارسة العنف بمختلف تعبيراته ولا شيء غير العنف في حق كل مخالف أو مطالب بحق في ظرف عالمي تدفع فيه القوى العظمى الدول العربية لدمقرطة الحياة السياسية في بلدانها كأنجع سبيل للحد من ظاهرة ما يسمى بالإرهاب و في ظرف تتالى فيه بكثافة غير معهودة الضغوطات الداخلية سياسية كانت أم اقتصادية و اجتماعية مدعومة بصيحات صادرة عن هيأت إنسانية وجمعيات داخلية و دولية و بعض الحكومات الغربية؟
قد يبدو السؤال سؤالا عاديا بالنظر إلى ما ألفناه من أجوبة طرحت بخصوص هدا السؤل عبر وسائل الإعلام! أما والغرض هو تناول المسالة من وجهة نفسية حديثة فاني أبدا بالحديث عن بعض أسباب هذا السلوك الخطير اْوامرا وممارسة متصلة بالخصوص بشخص من يأمر بممارستها ويحمي القائمين عليها و يغدق العطايا عليهم لأتحدث فيما بعد عن بعض العلامات المرضية لهذا السلوك المدمر لأصل في النهاية إلى سؤال مرعب ألا وهو هل أن السلطة في البلاد بيد مريض نفسي؟!!
Un Psychopathe
ْاعتبر الأمر با لعنف أو ممارسته باستمرار على مستوى الفرد أو ممنهجا على مستوى الدول أو أصحاب النفوذ تعبير
من وجهة نظر علم النفس؛ عن حالة شلل في التفكير تتعطل و تنحسر في أثنائه الكلمة باعتبارها حاملا للفكر و وسيلة إنسانية طبيعية حضارية للتخاطب مع أبناء ادم بالخصوص لتترك المجال لأشكال العنف المختلفة في العلاقة بالآخرين
و حالة العجز هده لها أسباب متنوعة وكثيرة أبرزها إعاقة النمو النفسي الطبيعي لدى الطفل إذا أسيئت معاملته عبر العنف بمختلف تعبيراته كوسيلة غالبة في تربية الأبناء مسنودة بثقافة اجتماعية تبرر هدا النهج أو عبر اعتداءات من نوع آخر كحالات الاغتصاب والحرب والعنف بين الأزواج والتربية شديدة الصرامة والإهمال أو كاْن يكون الأب سكيرا الخ..دون أن يعني ذلك تحولا حتميا.لجميع من تلقوا سوء المعاملة هذا إلى نهج عنيف في علاقاتهم مع الآخرين.
ان هذه التربية تشل القدرة على رصد الأحاسيس والتعبير عنها بالكلام بوضوح واتخاذ المواقف التي تعكس الموافقة على ذلك الشيء من عدمها بما يتيح للآخر؛ المخاطب؛ إمكانية التفهم و المبادلة في إطار حوار بناء يعبر عن كونهما ينتميان إلى فصيلة البشر بكل إبعادها
إن غياب القدرة على ترجمة الأحاسيس بكلمات؛ إذا تراكم؛ يسبب احتقانا و يصبح العنف والتشنج ورد الفعل؛ بموجب هذه الحالة؛ المتنفس الوحيد و المرضي للتعبير عن الأحاسيس أو المواقف وهي حالة يمكن اْن تصاحب المعني بها إلى القبر إذا لم يتخذ أسباب العلاج! و قد تبلغ درجة العنف لدى هؤلاء حد تدمير الآخرين إذا توفرت لهم القدرة على ذلك.
و من جهة أخرى؛ فان هدا الصنف من الناس تعوزهم القدرة؛ بعد ارتكاب الجرم؛ على الاعتراف حقيقة بما يصدر عنهم من تدمير للآخر لأنه ليست لهم القدرة على رؤية سلوكهم هذا ولا مدى ما يسببه من أذى؛ فهم يصدرون في ذلك عن رغبة دفينة قد لا تكون واعية أحيانا لما قد يكونون تعرضوا له أطفالا.
ورغم أني لا اعرف شيئا يذكر عن حياة بن علي و لا عن طفولته إلا أنني لا أستطيع أن افهم هذه الطاقة التدميرية في حق مواطنيه بغير هذا الفهم بعيدا عن أي فهم آخر كما سبق و أن ذكرت!
فقد يكون الرجل تعرض في طفولته إلى سوء المعاملة واجتمع حوله من هم على شاكلته ليعينوه على ما هو فيه ولكن ليس؛ في نظري؛ ما يبرر هذا السلوك إذ ليس كل من تعرض للجلد؛ على فرضية حدوث دلك لبن علي و رفاق دربه؛ أن يصبح جلادا!!!
إن الالتجاء إلى الأساليب العنيفة والممنهجة في مواجهة التحديات و الصعوبات والرأي المختلف والإصرار عليها لا يعدو كونه حالة مرضية تحتاج حتما إلى علاج في المصحات النفسية المتخصصة و لا تحتاج إلى وضع أصحابها في السجون، إن الطاقة التدميرية لدى المصابين بهده الحالة المرضية لمن حولهم تنمو إذا امتلكوا سلطة ما وتبلغ أوجها إذا أحسوا بخوف شديد لسبب من الأسباب وقد يصل الأمر ببعضهم إلى تدمير ذواتهم في نهاية المطاف كما حدث للنازي اْدولف هتلراْو للد كتاتور جوزيف ستالين
الخوف الشديد لدى هذه الفئة من المرضى قد يكون بسبب النقد الموجه لما يصدر عنهم من أعمال وحينئذ تحدث الطامة
الكبرى و يكون الرد عنيفا بحسب الوسائل المتاحة لديهم وما مصير المناضل الكبير الاستاد محمد عبو؛ عجل الله فرجه؛ عنا ببعيد وغيره كثير وعلى راْسهم المناضل الصحفي المحترم سليم بوخذير.
ذلك أن النقد بالنسبة لهؤلاء سرعان ما يتحول إلى مسالة شخصية فيها استنقاص لهم ولا علاقة له في مخيلتهم المريضة بمصلحة البلاد أو بمفهوم الوطنية؛ فهم يعيشونه بألم شديد لأنه يذكرهم بالصورة السلبية عن ذواتهم طيلة سنوات الطفولة والشباب و يجعلهم في مواجهة مباشرة مع عذاب الشعور بالفشل الذي طالما رافقهم و لا يزال فيما مضى من طفولتهم و شبا بهم.
أضف إلى كل ذلك؛ ما يمكن تسميته بحالة ذوبان الموضوع في ألذات لدى هذه الفئة من الناس و العجز الظاهر عن التمييز بينهما وانعدام القدرة على إدراك المسافة الفاصلة بينهما فضلا عن الحفاظ عليها؛ فيصبح أي نقد موجه لما يصدر عنه؛ و اعني به دائما صاحبنا؛ نقدا لشخصه بل للدولة بل للبلاد بأكملها كيف لا وهو الذي؛ بحكم هذه المخيلة المرضية؛ أصبح هو الدولة بل هو تونس بأكملها و يتحول النقد مسا من كرامته و كرامتها و سمعته و سمعتها؛ وهو ما سأتناوله كذلك في باب لعب دور الضحية.
أما عن عقدة التملك فهي رافد من روافد الحالة الأولى أو هي الوجه الأخر لها حيث أن تعلق الشخص بالشيء يصبح تعلقا كارثيا مستميتا بفعل حالة الذوبان التي تحدثنا عنها والتي تجد جذورها في الإهمال العاطفي فترة الطفولة بما يسبب خللا في توازن العلاقة مع الآخرين فتصبح العلاقة تملكية في اتجاه واحد فوقي عمودي و إذا اقترنت هذه الحالة بسلطة تصبح العلاقة مع الآخر ذات طابع تملكي إكراهي وليست ذات طابع تبادلي طوعي فيصدق فيه حينئذ قوله تعالى على لسان فرعون ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد. 2
انعدام الثقة بالذات:
و من نتائج سوء معاملة الطفل بنماذجها المذكورة انفا انعدام الثقة بالذات في مختلف مراحل عمر الإنسان والحضور اللاواعي والمستمر للصورة السلبية عن الذات مما يسبب الخوف المستمر من كابوس الفشل وإرادة الانكماش على ألذات و عدم الرغبة في التواصل مع الغير وإما أن يترجم انعدام الثقة هدا بسلوك متهور وممارسات عنيفة مع الآخرين كأسلوب لا واع لإثبات الذات والوجود والتغطية على الشعور بالفشل الملازم للمريض. فالعنف الممنهج الذي يمارسه السيد بن علي و رفاق دربه و التخطيط لأنماط من السلوك العدواني في معالجة العلاقة بالمواطنين يعكس من منظور أدوات التحليل هذه:
الرغبة الدفينة و المنحرفة لإثبات وجودهم ووجود سلطتهم.
حالة عقدة النقص التي إذا اجتمعت مع سلطة ما تصبح مدمرة وإلا فبماذا نفهم محاولات القضاء التام على جانب كبير من النخبة التونسية الحرة والمفكرة و المبدعة؛ فأصبحت الثقافة في بلدي مريضة مرض الرجل نفسه؛ و ما مثال الدكتور العلامة المنصف بن سالم؛ عجل الله فرجه؛ عنا ببعيد وغيره كثير وليعذروني لعدم ذكرهم بالأسماء فمقامهم جميعا محفوظ في ذاكرتي. ا
أم هي؛ في النهاية؛ آخر رقصات الديك المذبوح الذي اشتد به الألم فأصر على تلويث أقصى ما يمكن أن يصل إليه المدى بالدماء قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة في محاولة أخيرة للإبقاء على الحياة و على السلطة؛ إذ كلما ازدادت صيحات الاستغاثة أمعن الرجل قي إصدار الأوامر بالاعتداء على مواطنيه و كلما اشتد الضغط عليه وعلى نظامه كلما تفاقمت الحالة المرضية وازدادت بروزا و تعقدا فازداد تدميره وتضاعف عدد الضحايا حتى إذا قاربت الأمور على الانفجار ولم يستطع مغادرة البلاد فجر نفسه؛ لان ميكانزمات الخوف المرضي التي حكمت سلوكه العد واني طيلة سنوات تبلغ حينئذ الحد الذي تجعل صاحبها يرى في الموت خلاصا من العقاب ومن العذاب! فلا تتصوروا إطلاقا أن أصحاب السلوك العدواني في راحة نفسية و بمعزل عن العذاب وان كانوا في موقع السلطة!
بل أني ازعم؛ واستنادا دائما إلى نظريات علم النفس الحديث؛ أن العذاب النفسي كحالة مرضية؛ ولا أتحدث عن عذاب الضمير؛ اصل كل سلوك عدواني عنيف؛ لان اْصل المشكل كما سبق وان بيناه هو خلل في النمو النفسي والطبيعي منذ البدء! اللهم جنبنا هكذا حياة و هكذا مصير. قال تعالى: إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله و تلك الأيام نداولها بين الناس.
وأخيرا وليس آخرا اْختم بصفة أخرى من الصفات التشخيصية لمرضى السلوك المدمر والعدواني المتكرر وهما:
Le Dénie et la victimisation
إنكار الحقائق و لعب دور الضحية
أنهما من اْخطر علامات المرض النفسي حيث أن أصحاب هذه الحالة ينكرون على المختلفين معهم أي حق ولو كان بسيطا و يلقون الخطأ على خصومهم كاملا بل و يحملونهم المسؤولية كلها فيما يسلطونه عليهم فيما بعد من عقاب ويجدون لذالك مختلف الأعذار و التبريرات.
و قد يبلغ بهم الأمر إلى إنكار الحقائق الساطعة على الأرض؛ ويكذبون الكذبة ثم يصدقونها بل و يدافعون عنها و إلا فمالذي يجعل رجلا كابن علي يصر في كثير من خطبه على عدم وجود مساجين سياسيين في تونس؟!! أو مالذي يجعله يتغنى بالديقراطية المزدهرة في تونس؟!! ويمضي على معاهدات منع التعذيب التي تبقى مجرد حبر على ورق و ينفي وجودها بل ويعمد بكل الوسائل لإخفائها أليس الأمر بربكم يتعلق بحالة مرضية شاذة بحاجة إلى علاج فوري؟!
أما عن دور الضحية الذي أتقن لعبه في البداية فهو الوجه الآخر لمنطق العمى عن الحقائق أو إنكارها؛ فهي إضافة إلى كونها تعكس خللا في معايير تقييم الأحداث و الأشخاص و قلب الحقائق؛ تجعل صاحبها يعتبر المعارض مجرد عدو متربص متآمر لا علاقة لما يصدر عنه من آراء بمصلحة البلاد والعباد أو بالعمل الوطني وإلا فمالذي يجعل بن علي يتهم المعارضة بالاستقواء بالأجنبي لتقويض ملكه بعد إن وجهت له؛ بتوحد مختلف مشاربها حول مطالب واضحة؛ ضربة موجعة؟؟! فقلب بذلك الحقيقة و عكس التهمة.
فهو يعلم انه طالما استقوى بالامريكان والصهاينة على شعبه بالانخراط الطوعي في أجندتهما في مقاومة ما يسمى الإرهاب؛ وإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني الخافي منها أعظم من الظاهر؛ ولعب دور راس الأفعى في الترويج للسياسات الامريكية في شمال أفريقيا كاقناع ألقذافي بالتخلي عن تجارب التسلح والكشف عنها إلى آخر القائمة .
هذه وجهات نظر؛ وهناك وجهات نظر أخرى على صعيد فهم ميكانزمات السلوك العنيف و المدمر بمختلف تمظهراته و تعبيراته قد اْتناولها في المستقبل إذا سمحت الظروف بمشيئة الجبار؛ و اْحسب في الختام أن أوامر السيد بن علي المتهاطلة باتجاه وحيد هو العنف ثم العنف ثم العنف و لا شيء غير العنف يمكن أن تفهم هكذا فهم على ضوء علم النفس الحديث و أنا والله لم آت بشيء من عندي؛ انه حكم جانب من علم النفس الحديث على أصحاب السلوك العنيف بمختلف تجلياته فرديا كان أو ممنهجا من قبل الآمر به والمزكي له والحامي للقائمين عليه فسامح الله من ابتكر علم النفس هذا!!!
استاذ وسجين سياسي سابق
سويسرا في / 4/ 2006
*سجين المحبسين: سجين قصر قرطاج و سجين النفس المريضة والأمارة بالسوء
1 القلم آية 43 44
2 غافر آية 7 2
3 آل عمران آية 140


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.