ما تزال رؤية الحركات الإسلامية المعتدلة لقضية الديمقراطية تمثل إشكالية كبرى تطرح نفسها على الصعيد الداخلي بالدول العربية التي تشهد تناميا للقوى الإسلامية المعتدلة أو على الصعيد الخارجي خاصة في أوربا والولايات المتحدة. ورغم أن هذه القوى الإسلامية قد تمكنت من إثبات قدرتها التنظيمية وجدارتها الشعبية وإمكانية دخولها طرفا مباشرا في العملية السياسية، فإن الكثير منها لا يزال مطالبا بتقديم نموذج بديل يمكن تطبيقه واقعيا. وهو نموذج يجب أن يقوم على إرساء دولة ذات طابع مدني تساوي في الحقوق والواجبات بين كافة مواطنيها وتسمح بالتداول السلمي للسلطة. في هذا السياق يقدم الباحثون: ، و، وماريا أوتاوي بمركز كارنيجي للسلام الدولي دراسة تحت عنوان "الحركات الإسلامية والعملية الديمقراطية في العالم العربي: استكشاف المناطق الرمادية". وتنطلق الدراسة من حقيقة بروز الحركات الإسلامية كقوى سياسية فاعلة في الدول العربية، وأن هناك غموضا مستمرا لدى هذه الحركات أو ما يسمى بالمناطق الرمادية، وهو غموض لا يدعي كتاب الدراسة أنه مقصود لإخفاء حقائق أخرى، لكنهم يرون أن عدم الوضوح يرجع بالأساس إلى أن الإسلاميين أنفسهم يمرون بمرحلة تطور في إستراتيجياتهم وتفكيرهم ويعيشون جدلا داخليا حول الاتجاه والتوجهات الأنسب في المرحلة المقبلة. ويرى الباحثون أن الإسلاميين "المعتدلين" أصبحوا الأنشط في الدفاع عن الديمقراطية؛ لأنه بدونها لا يمكنهم تحقيق النجاح السياسي، لكن عليهم إزالة هذه المساحات الرمادية. ويمكن التعرض لهذه الدراسة بإيجاز من خلال المحورين التاليين.. التفاصيل تتابعونها في أجزاء :
فعلى مستوى الحكومات يوجد صراعات بين الحرس القديم الذي يرفض الإصلاح ويرغب في بقاء الوضع القائم على ما هو عليه، وفي المقابل يدعو الجيل الجديد إلى المزيد من الإصلاحات والمضي قدما نحو تحقيق الديمقراطية. وعلى مستوى الجماعات الإسلامية الآن يوجد تصادم فكري بين الحرس القديم والجيل الجديد الذي يطرح أفكارا وسياسات جديدة ومتطورة مغايرة للأيديولوجيات والأهداف السابقة لتلك الجماعات. وتختلف توازنات القوى بين الإصلاحيين والحرس القديم من جماعة إلى جماعة أخرى طبقا لمدى قوة الجناح الإصلاحي، فعلى سبيل المثال يعتبر الجناح الإصلاحي صاحب النفوذ الأقوى داخل كل من حزب الوسط في مصر وحزب العدالة والتنمية في المغرب، ولكن هناك حركات أخرى لم يفز فيها الإصلاحيون حتى الآن. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها الأوضاع الدولية وكذلك، وهو الأهم، حجم الديمقراطية والتعددية السياسية المتاحة داخل الأنظمة السياسية، فكلما زاد حجم المشاركة السياسية داخل النظام زادت فرص الإصلاحيين في النجاح والعكس صحيح. وقد أظهرت العديد من الدراسات أن تهميش الإصلاحيين داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر جاء نتيجة للقمع الذي تعرضت له الجماعة من قبل الحكومة.