أمس الاربعاء 3 أيار (مايو)، احتفل العالم ونحن العرب معه كوننا نؤمن أننا جزء منه بالعيد العالمي لحرية الصحافة. وليس بغريب عنا أن نساهم في هذا الاحتفال بما أوتينا من مظاهر صحافية علي حد القول الشعبي المأثور اني معاكم لا تنسوني العرب وحرية الصحافة، عنوانان لا يلتقيان اجماليا وأن وجدت هنا أو هناك بعض الواحات التي تناضل ضد التصحر الذي لا تفرضه العولمة والأمبريالية والغرب فقط بل كذلك وخاصة أنظمة تخاف من نسمة قد تأتيها من حيث لا تدري. فتحكم الحصار خوفا علي المواطن من أن يصيبه داء خيانة الوطن وفيروس الاستقواء بالأجنبي وجرثومة التطاول علي رمز البلاد . أتذكر وفي بعض الأحيان قد لا تنفع الذكري الصحافيين مثلنا نحن، بعض الطلبة العرب، وقد وطأت أقدامنا في نهاية الستينات الأرض الباريسية أننا تعجبنا من وجود لوحات مرورية تشير الي أن قصر الاليزيه حيث يسكن رئيس الجمهورية موجود في هذا الاتجاه ووزارة الداخلية في الاتجاه الآخر وما الي ذلك من انارة المواطن حول الهيئات المكلفة بادارة شؤونه. ما تعجبنا منه أكثر هو تلك اللوحة التي لو تتبعناها لقادتنا الي الاذاعة والتلفزة الفرنسية... كنا نقول لبعضنا جهرا، وقد ابتعدنا عن دائرة أسكت ، سكر ، ضم ، حاسب وغيرها مما تفننت الشعوب العربية في نسيجه لمجابهة الحزب الوحيد الحاكم في أمر الناس، كنا نقول أنه من اليسر القيام بانقلاب في هذا البلد بمساعدة اللوحات المرورية... ولم تسقط الجمهورية الخامسة ولا أحد قام بانقلاب حتي في قلب أحداث ثورة 68 الطلابية التي ذهبت بالجنرال ديغول فبقيت الجمهورية ومعها التلفزيون... سنين بعد ذلك بكثير وأنا في احدي البلدان العربية وقد تطورت شبكة الانترنيت والهاتف الخلوي، علمت أن بعض أحزاب المعارضة طلبت من مريديها الالتقاء أمام مقر التلفزيون للتظاهر سلميا والمطالبة بحرية الصحافة والتعبير... لم تكن هناك لوحات مرورية تدل علي موقع التلفزة ولم يصل اليها من لهم نية التظاهر لا لسبب الا لأن كل الحي وما قرب من الحي وما قرب مما قرب من الحي الذي يوجد به التلفزيون قد حوصروا كما في يوم حشر من طرف أناس معروفين بخوذاتهم وهراواتهم وبآخرين قد تخالهم من أبناء أعمام من تحدثت اليهم منذ حين في فندق أنت تقيم به... الله مبدل الأحوال... الاعلام عندنا له من الأهمية بمكان حتي أن نية التظاهر أمامه ممنوعة منعا لا يقدر علي وصفه الا المحروم. ما بالك بالصحافيين الذين تطاولوا علي السلطة ؟ بلد عربي شهد هذه السنة 120 قضية قدمت ضد صحافيين ومدراء منابر اعلامية. وان لم يذهب الأمر حد الموت، فالسجن هو أضعف الأحكام... صورة كاريكاتورية للفنان الجزائري ديلام علي أولي صفحات صحيفة ليبرتي تقول بمناسبة اطلاق سراح العديد من المساجين السياسيين المتهمين في عمليات ارهابية تبين موقع الصحافة لدي ساستنا. يقول الرسم علي لسان اثنين من الحراس: حاسب ألا يندس معهم صحافيون وفي خلف الصورة رسم لسجن سركاجي وتتدفق من بابه الضيق مئات اللحي... هل نسي القارئ العربي ما حدث لقصير وتويني وشدياق، صحافيون لا خطيئة لهم الا أنهم صحافيون... عنت في خاطري هذه الذكري أمام جهاز التلفزة وهو يبث محاضرة لوزير الاعلام اللبناني غازي العريضي علي قناة الجزيرة مباشر (نايل سات) التي تعرف نفسها بأنها خدمة اخبارية تنقل الأحداث لحظة وقوعها وذلك بمناسبة انعقاد الملتقي الاعلامي الثالث بالقاهرة وفي جلسة عن مقومات الخطاب الاعلامي العربي تحت شعار رؤية متطورة . الوزير اللبناني المشهود له بلباقة لسانه وبلاغة خطابه وخروجه في عديد المرات عن النسق الوزاري العربي العام، يجلس بجانبه يوسف الجاسم الذي عرف كيف يطور النقاش الذي تلي المحاضرة. بعجالة ودون الدخول في التفاصيل لأن الموضوع طال طحنه والنقاش الذي تلي المحاضرة أثراه، قال الوزير أن الاعلام العربي في مجمله هو صورة الرئيس/صورة الحاكم والخبر هو خبر الرئيس/خبر الحاكم وبالتالي، فالمواطن يكتشف كما المسؤول الحقائق الذي تخص الوطن في الوسائل الخارجية وأن اعلام الدول لا ولن يستطيع منافسة الاعلام الخاص... قال الوزير مما قاله أننا في اجتماعات وزراء الاعلام العرب توصلنا الي تشخيص الداء ولم نتمكن من تشخيص الحل من ذلك طالب بالغاء وزارات الاعلام العرب هناك من لف علي التسمية بتسمية تقدمها تفاعلية ديمقراطية هي وزارة الاتصال وفتح الباب بأكمله أمام المبادرات الخاصة التي، بحسب الوزير، هي الوحيدة الكفيلة ببلورة صورة صادقة عن حاجيات المواطن في هذا الباب، باب الاعلام. نحن نجيد الكذب سأل الصحافي النجم جورج قرداحي عمن هو المسؤول؟ أجاب الوزير بدون لف أو دوران: الأنظمة السياسية وحساسية الدول وحسابات الرؤساء مضيفا وهو أكثر من محق في هذا اذا كان الحاكم العربي خائفا، فلا يمكن له أن يقوم بشيء . سأله آخر عن امكانية الاستعانة بالآخر الأجنبي (ليس الاستقواء) في البحث عن الحل أجاب بأن جامعة الدول العربية وضعت خطة بمساعدة مؤسسات وشركات مختصة عربية وأجنبية، خطة لنشر صورة عن العرب لدي الآخر، صورة مغايرة عما هو موجود (والقارئ يعرف جيدا ما ينشر عن العرب في غالبية الصحف الأجنبية السيارة وما يبث عنهم في القنوات التجارية الأجنبية وغير ذلك حتي في مجلات ال كوميكس أو ال كارتون ). قال أن الحملة تطلبت 20 مليونا من الدولارات ووافقت عليها كل الدول الأعضاء في الجامعة ولم نوفر الحد الأدني لمباشرتها... (تذكرت رسما كاريكاتوريا في السبعينيات للراحل صلاح جاهين بالأهرام في موضوع الحملات التحسيسية الأجنبية عن عالمنا العربي وبه امرأة غربية لابسة ميني جيب وتشير باصبعها الي خارطة العالم العربي مقلوبة وهي تقول: ها هو العالم العربي ). ما فشلنا فيه بالأمس، هل سنحققه اليوم بنفس الاسلوب وبذات السياسة؟ وفي موضوع العام والخاص وأن هذا الأخير غايته تجارية صرفة يروج للفكر الخرافي والعرافين والأرواح ويدغدغ مشاعر القارئ السفلية، قال أن الاعلام العربي بحاجة الي ميثاق شرف عربي حقيقي يحدد الثوابت في فلسطين والعراق والاقتصاد... يجب أن يتحرك المجتمع المدني والجمعيات المهنية و اتحاد الصحافيين العرب أما مسألة الثوابت العربية التي غنجتنا لسنين طويلة، يقول عنها وزير الاعلام اللبناني: ان حددناها فلا نضع لها هيكلا أو اطارا تتحرك ضمنه جميع الدول العربية. بكل صراحة لا ثوابت عربية جامعة ولا أتحدث عن التاريخ والجغرافيا ولكن السياسة. مثال: هل هناك موقف عربي ثابت من الصراع الفلسطيني/الاسرائيلي؟ هل ثمة ثوابت سياسية تجمع الرؤساء العرب في هذا الموضوع؟ نأتي ونجتمع ونخرج بعناوين عامة. وحتي ما نتفق عليه، نخرج عنه وحتي في الأوقات العسيرة حيث الاجماع العربي، نتجاوز سياسة المواساة، ساعات نندد فيها بما يحدث وينتهي كل شيء... ويأتي صوت من خارج دائرة الاعلام، صوت المسرحي علي سالم (بغض النظر عما قاله في أحداث أخري) ليقول بلهجة صادقة تراءت لي بالأمس مع الاحتفال العربي بحرية الصحافة في اليوم العالمي للصحافة يقول: لما وزراء الاعلام العرب يجتمعوا ولم يفعلوا شيئا فيما اتفقوا، ذلك أنهم لم يتفقوا الا علينا... نحن نجيد الكذب علي أنفسنا ونعمل جهدنا لاقناع الآخر بأن كذبنا هو جاد... القارئ العربي لا يخاف الفوضي الاعلامية وليس للسلطات العربية الا حل واحد: اطلاق سراح الاعلام وغير الاعلام (من بقك لباب الحاكم). الامس كان العيد العالمي لحرية الاعلام واشتركت فيه كل الدول العربية معددة الانجازات والقرارات مسبحة باسم الحاكم بأمره ليس في الاعلام فحسب، بل حتي في نسمة الهواء التي تأتينا من ال ريموت كونترول . الدواء الوحيد ولا يوجد غيره والذي به يمكن الاتيان علي تخلف الاعلام العربي وجراثيم المقالات غير الممضاة المشهرة بأعراض الناس، وفيروس قداسة الحاكم بأمر صناديق الانتخابات المزورة ومرض أشباه الصحافيين المتفشي بين أعمدة صحفنا دواء واحد: الحرية وأخلاقيات المهنة. جملة مفيدة: هذه الهبة السماوية البترولية ستغني أكثر الأنظمة المعروفة بعدم احترامها لحقوق الانسان ، الصحافي الكندي كريستيان ريو في برنامج علي الأولي بقناة تي في خمسة الفرنسية. *ناقد واعلامي من تونس نقلا عن صحيفة القدس العربي