بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توني بلير : انه صدام حول حضارة ومعركة بين التقدم والرجوعية

هذا المقال له أهميته الخاصة بالنسبة لنا نحن العرب، فكاتبه هو توني بلير رئيس وزراء بريطانيا، كما انه يحمل رؤية شاملة قدمها لقضايانا العربية والإسلامية على صعيد فلسطين والعراق وأفغانستان وظاهرة الإرهاب وقضية الديمقراطية، ومنظومة القيم العربية والإسلامية في مقابل القيم الغربية. وهذه الرؤية تفسر السياسات البريطانية تجاهنا. يضاف إلى ذلك أن المقال منشور في مجلة فورين أفيرز (عدد يناير فبراير 2007)، وهي أهم دورية غربية تعنى بالكتابات والأبحاث والدراسات السياسية والاستراتيجية، فمن فوق صفحاتها قدم صامويل هنتنغتون نظريته حول «صراع الحضارات»، كما تعد نافذة لكبار مفكري الغرب وسياسييه.
ولكل هذه الأسباب مجتمعة ننشر المقال كاملاً، رغم ما فيه من صياغات وطروحات وأفكار نختلف مع كثير منها. ونأمل ان يستثير المقال أقلام المثقفين والمهتمين بقضايا أمتيهم العربية والإسلامية لمناقشته وتقديم رؤاهم وأفكارهم، في إطار فهم الآخر والتواصل معه وفق نهج إنساني وحضاري عام يقبل الآخر ويختلف معه على قاعدة التكافؤ والاحترام المتبادل. أثبتت استجابتنا لهجمات الحادي عشر من سبتمبر أنها أكثر خطورة مما بدت عليه في حينها. وسبب ذلك أنه كان بوسعنا اختيار الأمن ساحة للمعركة. لكننا لم نفعل ذلك.
لقد فضّلنا القيم. وقلنا إننا لم نكن نريد طالبان أخرى ولا صدام حسين آخر. قلنا إنه لا يمكن دحر مذهبية متعصبة بمحض سجن قادتها أو القضاء عليهم، بل علينا دحر أفكارهم. وفي رأيي أن ما نواجهه هو حرب فعلية، لكنها من نوع غير تقليدي تماماً، حرب لا يمكن كسبها بطريقة تقليدية، لن نكسب المعركة ضد التطرّف العالمي ما لم نكسبها على مستوى القيم، كما على مستوى القوة يمكن أن نكسبها فقط بإظهار أن قيمنا أقوى وأفضل وأكثر عدلاً من غيرها. وذلك يعني أيضاً أن نبيّن للعالم أننا عادلون ومنصفون في تطبيق تلك القيم.
ونحن لن ننال دعماً حقيقياً للإجراءات القاسية التي قد تكون ضرورية للحفاظ على طريقتنا في الحياة ما لم نقم كذلك بالتصدي للفقر في العالم، وللتلوّث البيئي والظلم، وذلك بدرجة معادلة في القوة. إن جذور الموجة الحالية من الإرهاب والتطرف في العالم عميقة. فهي تغور بعيداً خلال عقود من التغريب والاستلاب والقهر السياسي في العالمين العربي والإسلامي. ومع ذلك فإن الإرهاب لا يمكن ولن يمكن تجنبه أبداً. مدى تقدمّية القرآن هي أكثر المسائل أهمية في نظري، وأنا أكتب بتواضع شديد بوصفي من أبناء دين آخر.
ولأني كذلك فإني أرى القرآن كتاب إصلاح، يعود باليهودية والمسيحية إلى أصولهما، كما حاول الإصلاحيون أن يفعلوا بالكنيسة المسيحية بعد ذلك بقرون. والقرآن شمولي. فهو يعلي من شأن العلم والمعرفة ويكره الخرافة. وهو عملي وأكثر تقدماً في زمانه في مواقفه تجاه الزواج والنساء وشؤون الحكم. وتحت رايته كان انتشار الدين وسيطرته مذهلة في البلاد المسيحية والوثنية سابقاً. وعلى امتداد القرون أقام الإسلام إمبراطورية وقاد العالم في مجال الاكتشافات والفنون والثقافة. وحاملوألوية التسامح في بواكير القرون الوسطى كانوا يوجدون في البلاد الإسلامية أكثر بكثير من وجودهم في بلاد مسيحية أخرى.
ولكن بحلول القرن العشرين، وبعد أن طغت على أوروبا الغربية آثار عصر النهضة والإصلاح والاستنارة، غدا العالم الإسلامي قلقاً وغير مطمئن وفي موقع الدفاع عن النفس. وقد قامت بعض البلاد الإسلامية، مثل تركيا، بحركة قوية باتجاه العلمانية. بينما وجدت بلاد أخرى نفسها واقعة تحت الاستعمار، والقومية الوليدة، والاضطهاد السياسي، والتطرف الديني، وبدأ المسلمون ينظرون إلى الحالة المزرية للبلاد الإسلامية على أنها من أعراض الحالة المزرية للإسلام. فانقلب المتطرفون السياسيون إلى متطرفين دينيين والعكس بالعكس.
وقد حاول أصحاب السلة معالجة التطرف الإسلامي باستيعاب بعض قادته وشيء من أفكاره. وكانت النتيجة كارثية في جميع الأحوال تقريباً، وقد وضع التطرف الديني موضع الاحترام وتم إخماد التطرف السياسي، وهكذا بدا للكثيرين أن الأمرين معاً يمثلان الحاجة إلى التغيير، وبدأ الناس يرون أن السبيل لاستعادة الثقة والاستقرار للإسلام يتم عبر الجمع بين التطرف الإسلامي والسياسات الشعبية وغدا العدو هو «الغرب» والزعماء الإسلاميون المتعاونون معه.
وربما بدأ هذا التطرف بمصاحبة مبدأ وفكر ديني. ومع بروز الإخوان المسلمين، وبدعم من الوهابيين المتطرفين، ولد مذهب فكري وانتشر من خلال بعض المدارس في الشرق الأوسط وآسيا ومنه إلى العالم أجمع. في الحادي عشر من سبتمبر قتل ثلاثة آلاف شخص. لكن هذا الإرهاب لم يبدأ في شوارع نيويورك. فقد سبق أن قتل أكثر من ذلك بكثير، ليس من محض أعمال إرهابية ضد المصالح الغربية وحسب، بل من تمرّد سياسي واضطرابات حول العالم. وتوجد سجلات أولئك الضحايا في التاريخ القريب لكثير من الأقطار: الهند إندونيسيا كينيا باكستان روسيا العربية السعودية اليمن، وكثير غيرها. وقد قتل أكثر من مئة ألف في الجزائر وحدها.
وفي الشيشان وكشمير كانت الأسباب السياسية التي يمكن حلها قد غدت مستعصية على الحل تحت ضغط الإرهاب. وفي هذه الأيام، في 30 أو 40 دولة يخطط الإرهابيون لعمليات لها بعض الصلة بهذا المذهب الديني. ومع أن التنظيمات الفاعلة من الإرهابيين قليلة العدد نسبياً، إلا أنها تستغل شرائح واسعة جداً في العالمين العربي والإسلامي.
لم تكن هذه الأعمال الإرهابية حوادث منعزلة. فقد كانت جزءاً من حركة متنامية حركة ترى أن المسلمين قد حادوا عن مذهبهم الصحيح، وقد سيطرت عليهم الثقافة الغربية، وخضعوا لحكم خائن من جانب مسلمين متواطئين في هذه السيطرة (على النقيض من أولئك الذين كانوا يرون أن السبيل إلى استعادة لا الإيمان القويم وحده بل ثقة المسلم واحترام الذات كذلك يكون بتحدي الغرب وجميع ما يمثله).
ان الصراع ضد الإرهاب في مدريد أو لندن أو باريس هو الصراع نفسه ضد الأفعال الإرهابية لحزب الله في لبنان، أو إرهاب الجهاد الإسلامي الفلسطيني في المناطق الفلسطينية أو إرهاب الجماعات الرافضة في العراق. إن قتل الأبرياء في بيسلان هو جزء من المذهبية نفسها التي تزهق أرواحا بريئة في ليبيا أو العربية السعودية أو اليمن. وعندما تقدم إيران الدعم لمثل هذا الإرهاب تغدو شريكاً في المعركة نفسها، وفي القلب منها تلك المذهبية نفسها. قد تأتي الاستراتيجية السياسية أحياناً بعد ترو، وأحياناً بشكل غريزي، وفي هذه الحركة ربما كانت الاستراتيجية فعلاً غريزياً.
فهذه حركة ذات مذهبية فكرية، ونظرة عالمية، ومعتقدات راسخة، وتصميم متعصب. وهي تشبه في كثير من الوجوه الشيوعية الثورية في أيامها الأولى. فهي حركة لا تحتاج دائماً إلى تشكيلات أو مراكز أمر ولا حتى اتصالات محددة واضحة. أنها حركة تعلم ما تفكر به. وفي أواخر تسعينات القرن الماضي اتضحت خطة الحركة. فلو أنها كانت تحارب في حدود الإسلام لتعرضت إلى رفض تعصبها من جانب مسلمين آخرين، لديهم من الحكمة ورجاحة العقل ما لدى غيرهم من الناس. فمعركة حول الإسلام تضع مسلماً ضد مسلم. لذلك أدرك المتطرفون ان عليهم خلق معركة مختلفة تماماً: معركة المسلمين ضد الغرب.
وهذا ما فعلته هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أنا لا أزال مذهولاً بعدد الناس الذين يرون، في الواقع، أن وجود الإرهاب اليوم سببه غزو أفغانستان والعراق، ويبدو أن هؤلاء قد نسوا تماماً ان هجمات الحادي عشر من سبتمبر سبقت تاريخ هذا الغزو.
إن الغرب لم يهاجم هذه الحركة بل إن الهجوم وقع على الغرب. طبيعة الصراع بالنسبة لهذه المذهبية نحن الأعداء، لكن «نحن» لسنا الغرب. و«نحن» لا نقل إسلاماً أو مسيحية أو يهودية أو هندوسية عن غيرنا. «نحن» أولئك الذين يؤمنون بالتسامح الديني والانفتاح على الآخرين، بالديمقراطية والحرية، وبحقوق الإنسان التي تشرف عليها محاكم علمانية. ليس هذا صداماً بين حضارات: إنه صدام حول حضارة.
إنها المعركة العريقة بين التقدم والرجوعية بين أولئك الذين يتقبلون العالم الحديث وأولئك الذين يرفضون وجوده بين التفاؤل والأمل من جهة، وبين التشاؤم والخوف من جهة أخرى. وفي أي صراع يكون التحدي الأول إدراكا دقيقا لطبيعة موضوع الصراع، وهنا أمامنا طريق طويل. ومن غير المعقول بالنسبة إليَّ أن أجد هذا القدر من الآراء الغربية يبدو عليها القبول بأن بروز هذا الإرهاب العالمي سببه خطأ من جانبنا.
فأولا، هذا الإرهاب هو على مستوى العالم حقاً. فهو لا يتوجه نحو الولايات المتحدة وحلفائها وحسب بل إلى شعوب لا يمكن أن يظن انها من شركاء الغرب. ثم إن الصراعات في العراق وأفغانستان هي بوضوح ليست حول تحرر تلك البلاد من الاحتلال الأميركي. وهدف المتطرفين هو منع تلك الأقطار من أن تصبح ديمقراطية لا من «الأسلوب الغربي» في الديمقراطيات بل أي نوع من الديمقراطية. إنهم المتطرفون، لا نحن الذين يذبحون الأبرياء ويفعلونها عامدين. وهم السبب الوحيد لاستمرار وجود قواتنا في العراق وأفغانستان.
ومن المرفوض كذلك القول بأن الإرهاب الإسلامي هو نتيجة الفقر. فهو بالطبع يستخدم قضية الفقر تبريراً لأفعاله. لكن متعصبي الإرهاب ليسوا من أبطال التطور الاقتصادي بحال. ثم إن هدف الإرهابيين ليس تشجيع إقامة دولة فلسطين إلى جانب إسرائيل، بل منع حدوث ذلك. فهم يقاتلون لا من أجل قيام دولة فلسطينية، بل من أجل محو دولة إسرائيلية من الوجود.
يقيم الإرهابيون مذهبهم على تطرّف ديني لا أي تطرّف ديني، بل على صيغة إسلامية محددة. ولا يرغب الإرهابيون أن تدخل البلاد الإسلامية عصر الحداثة بل هم يأملون ان يروا قوس التطرف الذي يمتد الان عبر المنطقة يجرف الخطوات المتعثرة الوليدة التي يريد الإسلام الحديث أن يخطوها نحو المستقبل.
يريدون للعالم الإسلامي أن يتراجع إلى سيطرة حكومة دينية شبه إقطاعية. وعلى الرغم من هذا كله، مما أجده على تمام الوضوح، يصغي الكثير من الأقطار الغربية إلى دعاوى المتطرفين ويصدقونها. «ولكي نعترف بالفضل لأصحابه، فإن المتطرفين يستخدمون أساليبنا الإعلامية بذكاء يحسدهم عليه كثير من الأحزاب السياسية».
فهم ينظرون إلى المذابح في العراق ويقولون إنها سبب يستدعي خروجنا. فكل عمل دموي يشير بشكل ما إلى مسؤوليتنا عما جرى لا إلى الطبيعة الشريرة لأولئك الذين تسببوا فيه ويعتقد كثيرون أن ما جرى في العراق عام 2003 كان خطأ إلى حد أنهم يعاندون في قبول ما هو صواب بشكل واضح الآن.
ويعتقد بعض الناس أن الهجمات الإرهابية يتسبب فيها بشكل كامل اضطهاد الغرب للمسلمين. كما يعتقد بعضهم بشكل جاد أننا لو خرجنا من العراق وأفغانستان فإن الهجمات سوف تتوقف، بينما ينظر آخرون، بشكل شديد الخبث، إلى إسرائيل ويعتقدون أننا ندفع ثمناً باهظاً في دعمها ويتعاطفون مع أولئك الذين يدينونها. ولو أدركنا حقيقة هذا الصراع نكون في الأقل قد خطونا الخطوات الأولى على طريق كسبه. لكن القسم الأكبر من الآراء في الغرب تقع على بعد شديد من هذه النقطة إلى اليوم. من الواجب مجابهة هذه المذهبية في كل مكان.
إذ لا يمكن دحر الإرهاب الإسلامي حتى نتصدى لا إلى طرق المتطرفين وحسب، بل إلى أفكارهم كذلك. وأنا لا أعني الاقتصار على إخبارهم أن العمل الإرهابي خطأ وحسب. بل أنا أقصد إخبارهم أن موقفهم تجاه الولايات المتحدة منافٍ للعقل، وأن مفهومهم للحاكمية يعود إلى ما قبل عصر الإقطاع، وأن مواقفهم تجاه النساء والأديان الأخرى مواقف رجوعية. كما يجب أن نرفض لا محض أعمالهم البربرية بل كذلك شعورهم الزائف بالشكوى ضد الغرب، ومحاولتهم إقناعنا بأن الآخرين وليس هم أنفسهم سبب ما يقومون به من عنف.
وفي عصر العولمة، تكون نتيجة هذا الصدام بين التطرف والتقدم هي التي تقرر مستقبلنا. ونحن لا نستطيع الخروج من هذا الصراع مثلما لا نستطيع الخروج من المناخ المتغيّر من حولنا أن الإحجام عن الفاعل وإلقاء المسؤولية على الولايات المتحدة وحدها، أو تضليل أنفسنا بالقول إن هذا الإرهاب سلسلة من أحداث فردية متفرقة لا حركة عالمية لهو أمر بالغ الخطأ في أساسه. جبهتان لهذا السبب من الخطأ تجاهل مغزى الانتخابات في العراق وأفغانستان. والحقيقة أن الناس يريدون الديمقراطية لو تيسر لهم ذلك. ففي اللحظة التي خرج فيها الأفغان للتصويت لانتخابات للمرة الأولى في حياتهم انفجرت أسطورة أن الديمقراطية مفهوم غربي.
وفي العراق كذلك، على الرغم من العنف والتهديد، خرج الشعب للتصويت، لا بالعدد القليل، بل بأعداد هي من الكثرة بحيث تخجل منها كثير من ديمقراطيات الغرب. والذي تظهره هذه الأصوات أن الشعب لا يرغب في الديكتاتورية، لا الدينية ولا العلمانية. وعندما يتجرأ أعوان صدام أو الملا عمر على الترشح للانتخابات فإنهم لا يحصلون على كثير من الأصوات. إن المسلمين في العراق وأفغانستان قد قالوها بصراحة: إن الديمقراطية من حقنا بقدر ما هي من حقكم. وفي تقبّل الديمقراطية، يبين هؤلاء أنهم كذلك يريدون مجتمعاً يستطيع فيه الناس من شتى الثقافات والأديان العيش معاً بسلام. هذا الصراع هو صراعنا.
من يحاول منع أولئك الذين يريدون الديمقراطية؟ في العراق، هم خليط من الجهاديين الأجانب، صداميون سابقون، متمردون، رافضون، وفي أفغانستان هم خليط من بارونات المخدرات، اتباع طالبان والقاعدة. ودعواهم ان الديمقراطية مفهوم غربي يراد فرضه على ثقافة إسلامية لا ترغب فيه. ويتكرر الحديث عن نظرية المؤامرة، من كونها مقصد الغرب في الاستيلاء على نفط العراق إلى خطط الغرب للسيطرة الامبريالية. وهناك حتى في الغرب من يوافق على ذلك. لماذا نجد هذه العناصر الرجوعية تحارب بهذه القوة؟
لأنها تدرك أهمية النصر أو الخسارة. كان ذلك واضحا لهم منذ البداية. وبالطبع حدثت هناك بعض الأخطاء والتجاوزات غير المقبولة على حقوق الإنسان من جانبنا، ولكن هنا كذلك أوضح شكل من أشكال الصراع بين الديمقراطية والعنف. من المؤكد انه يمكن النقاش حول أن تصفية البعث قد جرت بسرعة شديدة، وانتشرت دون ترو، وبخاصة في صفوف القوات المسلحة. ولكن من السهل ان ننسى ان الخطر الحقيقي عام 2003 كان في احتمال حدوث أزمة إنسانية، مما تم تجاوزه، وان الضغط في ذلك الوقت كان الإسراع في تصفية البعث.
لكن المشكلة الأساس منذ مقتل موظفي الأمم المتحدة في أغسطس 2003 فصاعدا، هي ببساطة: الأمن. فقد حاولت العناصر الرجوعية تعطيل إعادة الاعمار والديمقراطية بالعنف، فقد شكلت مصادر الطاقة والكهرباء مشكلة، لا بسبب تقصير من جانب العراقيين أو قوات التحالف بل بسبب أعمال التخريب. فقد أصبح الناس يخافون عصابات الإرهاب والإجرام، وقد أطلق صدام سراحهم من السجن بشكل عامد، قبيل سقوط حكمه.
لم تكن هذه أعمالا عرضية، فقد كانت ولا تزال جزءا من خطة استراتيجية، وعندما فشلت تلك الاستراتيجية في إخراج قوى التحالف من العراق قبل الأوان، وعندما فشلت في عرقلة الانتخابات، انقلب المتطرفون إلى العنف الطائفي والقتل وأبرز الأمثلة على ذلك التدمير الوحشي الكافر للمقام الشيعي في سامراء.
يدرك المتطرفون أنهم لو نجحوا في العراق أو أفغانستان أو لبنان او أي بلد آخر يرغب في سلوك الطريق الديمقراطي فإن الأمل في مستقبل ديمقراطي للعالم العربي والإسلامي سوف يتلقى ضربة مميتة محتملة. وكذلك لو استطاعت تلك البلاد ان تنقلب إلى الديمقراطية والتقدم، فإن ذلك سيشكل صفعة قوية ضد كل من دعاة المتطرفين بخصوص الغرب، وضد نظام قيمهم جميعاً. وفي كل من هذه الحالات يكون وجود قوات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وكثير من الدول الأخرى هو لمساعدة قوات الأمن المحلية في تطورها، لدعم العملية الديمقراطية، ولتوفير حصن ضد الإرهاب الذي يهدد تلك العملية.
وفي كل من هذه الحالات يكون وجود سلطة الأمم المتحدة في المكان المناسب. ان الجدل حول الحكمة في القرارات الأولى، وبخاصة حول العراق، سيبقى مستمراً سيقول المعارضون ان العراق لم يكن يشكل خطراً، وانه لم تكن هناك أسلحة دمار شامل، وان تجارة المخدرات في أفغانستان مستمرة، وان حربين اقليميتين، وأربعة عشر قراراً من الأمم المتحدة، والتقرير الختامي لهيئة مراقبة العراق تبين ذلك بوضوح، وأريد ان اذكر الناس اننا في أعقاب حرب العراق استطعنا القيام بانجازات كبرى في التعامل مع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ليس أقلها العلاقة الجديدة مع ليبيا وإغلاق شبكة الخان للأسلحة النووية.
وسوف أعيد إلى الأذهان ان طالبان هي التي كانت تدير تجارة المخدرات وتوفر الملاذ لمعسكرات تدريب القاعدة. ومهما تكن خلاصة هذا الجدل، ان كان ثمة من خلاصة، فالحقيقة الآن انه مهما تكن نواحي الصح والخطأ في طريقة وسبب إزالة نظامي صدام وطالبان، فإن هناك سبباً واضحاً صريحاً وطاغياً يدعو إلى دعم شعوب تلك البلاد في سعيها نحو الديمقراطية. فمنذ يونيو 2003 كان تواجد القوات متعددة الجنسيات في العراق بقرار من الأمم المتحدة وبتفويض من أول حكومة عراقية منتخبة. وفي أفغانستان كانت سلطة الأمم المتحدة حاضرة على الدوام.
والنقطة الحاسمة في جميع هذه التدخلات هي أنها لم تمكن لمحض تغيير الأنظمة بل من أجل تغيير أنظمة القيم التي تحكم البلاد المعنية. فلم يكن الشعار في الواقع «تغيير النظام» بل «تغيير القيم» من أجل هذا قلت إن ما جرى من تدخل بهذا الشكل قد يكون أكثر أهمية وخطراً مما بدا في حينه، والمفارقة المؤلمة أن المتطرفين لديهم شعور أكثر وضوحاً عما يمكن أن يضيع من كثير من الناس في الغرب. معركة لكسب القلوب والعقول هذه في النهاية معركة حول الحداثة، وقسم منها يمكن إدارته وكسبه في داخل الإسلام وحسب.
ولكن لنتذكر أن التطرف ليس صوت الإسلام الحقيقي. فملايين المسلمين في العالم أجمع يريدون ما يريده جميع الناس: أن يكونوا أحرارا وأن يكون الآخرون أحراراً. فهم يعدون التسامح فضيلة واحتراماً لدين الآخرين بوصفه جزءاً من ديانتهم الخاصة. هذه معركة قيم ومن أجل التقدم، لذا فهي معركة من الواجب كسبها. وإذا أردنا ضمان طريقنا في الحياة، فلا يوجد بديل سوى الكفاح من أجلها.
وذلك يعني الدفاع عن قيمنا، لا في بلادنا وحدها وحسب، بل في العالم أجمع. وعلينا أن نقيم تحالفاً عالمياً من أجل هذه القيم العالمية ويعمل من خلاله. والخمول سياسة قائمة بحد ذاتها، ولها نتائجها الخاصة، وهي ببساطة سياسة خاطئة. تقوم استراتيجية التطرف الإسلامي برمتها على شعور مفترض من الظلم الذي يفرق الناس عن بعضهم ويجب أن تكون استجابتنا على شكل مجموعة من القيم لها من القوة ما يجمع الناس مع بعضهم وهذا لا يتعلق بالأمن أو التحركات العسكرية وحسب.
إنه يتعلق بالقلوب والعقول، ببعث الأمل عند الناس، وإقناعهم وتبيان ما تمثله قيمنا في أحسن أحوالها. لماذا نحن لم نحقق نجاحاً إلى اليوم؟ لأننا لم نظهر ما يكفي من الشجاعة، والثبات، والإقدام في الكفاح من أجل القيم التي نؤمن بها. إن التعيير عن هذه الحال بهذه الكلمات هو التوكيد على ما ينتظر عمله. وإقناع الجماهير الغربية بطبيعة هذه المعركة فيه صعوبة غير قليلة. ولكن علينا أن ندعم قوى الحداثة والاعتدال والأكثرية في العالم الإسلامي لدحر مناهضيهم الرجوعيين. ويجب أن نبين أن قيمنا ليست غربية، ولا أميركية أو أنجلوسكسونية، بل هي قيم تشترك فيها الإنسانية، قيم عالمية يجب أن تكون من حق المواطن العالمي. نحن محاطون بأناس يكرهوننا فعلاً.
ولكن خلف أولئك ثمة آخرون أكثر بكثير ممن لا يكرهوننا ولكن يشككون في دوافعنا وحسن نوايانا وإنصافنا. هؤلاء أناس يمكن أن يدعموا قيمنا، لكنهم يعتقدون أننا أنفسنا إنما ندعمهم بشكل انتقائي.
هؤلاء الناس هم الذين يجب أن نقنعهم. إذ يجب أن يعلموا أن قضيتنا مسألة عدل وإنصاف مثلما هي مسألة أمن وازدهار. من أجل ذلك، تجابهنا حول عدد كبير من القضايا الحساسة، لا محض أسئلة صعبة وحسب، عن مصالحنا الوطنية وحدها، بل عن اختبارات حيوية بخصوص التزامنا بالقيم العالمية. إذا كنا نؤمن بالعدالة، فكيف نسمح بموت 30 ألف طفل يومياً في وقت يمكن فيه منع حدوث تلك الوفيات؟
إذا كنا نؤمن بمسؤوليتنا تجاه الأجيال التي سوف تأتي بعدنا، فكيف لنا أن نكون غير معنيين بتدهور أحوال الكرة الأرضية. كيف يمكن أن يكون لدينا نظام تجارة عالمي قائم على تجارة غير عادلة؟ كيف يمكن أن نجلب السلام إلى الشرق الأوسط من دون حل قضية فلسطين وإسرائيل؟ حيثما يعيش الناس في خوف من دون أمل في تقدم، علينا أن نقف إلى جانبهم سواء في ماينمار أو كوريا الشمالية، في السودان أو زيمبابوي.
وحيثما نجد أقطاراً تسير نحو الديمقراطية، علينا أن نقدم لهم يد العون. وهذا يتطلب بشكل عام سياسة خارجية فاعلة من الالتزام لا الانعزال. ولا يمكن بلوغ ذلك من دون تحالف قوي مع الولايات المتحدة وأوروبا أساساً، والتحالف الضروري لا ينتهي هنا بل يبدأ هنا. ولأكن صريحاً تماماً هنا أنا لا أتفق دائماً مع الولايات المتحدة. فأحياناً تكون الولايات المتحدة صديقاً صعباً، لكن الشعور بالعداء لأميركا في بعض أجزاء أوروبا هو نوع من الجنون عند النظر إلى المصالح طويلة الأمد للعالم الذي نؤمن به.
والخطر في العلاقة مع الولايات المتحدة اليوم لايمكن في أنها شديدة الارتباط بالعالم. بل الخطر في أنها قد تقطع جسورها وتنسحب. والعالم يريد الولايات المتحدة أن تكون مرتبطة به. العالم يريدها متواصلة معه. والحقيقة أنه لا يمكن حل أية مشكلة تنزل بنا أو يمكن مواجهتها من دون الولايات المتحدة. أبعد من الأمن والتحدي الآن ألا يكون جدول الأعمال مقتصراً على الأمن وحده. ثمة خطر حدوث انقسام في السياسة العالمية إلى «شديدة» و«خفيفة» بحيث تتفرغ المساعي الشديدة لملاحقة الإرهابيين بينما تركز المساعي الخفيفة على حملاتها ضد الفقر والظلم.
وهذا الانقسام خطر لأن اعتماد الواحد على الآخر لا يؤدي إلا إلى التواكل والجواب على الإرهاب هو التطبيق الشامل للقيم العالمية، والجواب على الفقر والظلم هو التطبيق نفسه. من أجل ذلك يكون الصراع في سبيل القيم العالمية مما لا يجب تطبيقه بشكل انتقائي بل بشكل يشمل جدول الأعمال العالمي جميعاً. نحن بحاجة إلى إعادة تفعيل عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين ويجب أن نعمل ذلك بأسلوب قوي وعميق ومغزى ذلك للقضية الأوسع التي تتعلق بالشرق الأوسط والمعركة في داخل الإسلام تمتد إلى أبعد من إصلاح أحوال الفلسطينيين.
وسوف تقدم التسوية برهاناً واضحا على أن المنطقة والعالم يمكن أن تتقبل الأديان والثقافات المختلفة، وذلك لن يقتصر على إسكات نداءات الإسلام الأكثر رجوعية، بل سوف تصيب مذهبيته الأساسية بمقتل. يجب أن نكافح مخاطر الفقر والمجاعة والمرض والاقتتال، وبخاصة في إفريقيا، ونزيد من مساعداتنا وفعاليتنا، وقبل رئاسة المملكة المتحدة لمجموعة الثماني الكبار، وهي القوى الصناعية الكبرى، عام 2005، لم تكن قضايا إفريقيا والتغير المناخي تحتل مرتبة عالية في جدول الأعمال السياسي في لندن، إن لم نقل على المستوى الدولي.
ولكنها تحتل مثل هذه المرتبة الآن، ويعود ذلك بشكل غير قليل إلى جهود ملايين البشر الذين دب فيهم النشاط بفعل حملة «اجعل الفقر في مطاوي النسيان وعش في عهد الثماني الكبار» التي قامت بدور متميز في تحريك المجتمع المدني. ولكن كون هذه القضايا تحتل رأس جدول الأعمال لا يعني أنها لا يمكن أن تنزلق إلى الأسفل من جديد. علينا أن نضمن عدم انزلاق تلك القضايا عن موقعها الأعلى. وعلينا الاستمرار بتحريك الموارد والإدارة لوضع التزامات 2005، موضع التنفيذ.
وقد رأيت أن وجود التزام حقيقي نحو التقدم لدى الحكومات الإفريقية يجعل الشعوب الإفريقية على تمام القدرة على إنجاز المطلوب ولهذا السبب. وبغض النظر عما يبدو عليه الوضع من سوء أو على العوائق من صعوبة علينا أن نحتفظ بالتفاؤل وأن إحراز التقدم ممكن فعلاً. علينا البدء فوراً بمفاوضات حول التجارة. ومن الواضح أن التزامنا بمحاربة الفقر عالميا ودعمنا للتطوير هو موضع المخاطرة.
ولكن يقابل ذلك أيضا فكرة القيام بأعمال على مستويات متعددة لبلوغ الأهداف المشتركة. وإذا لم نستطع إدارة جولة معقولة حول التجارة، عندما يكون واضحا أن مصالحنا الوطنية على المدى البعيد، والمصالح الأوسع للعالم تطلب ذلك، فإن هذا سيكون إخفاقا بنتائج سلبية على مستويات شتى. سياسة حماية الزراعة الأوروبية تعود إلى عصر مضى، ويجب الفراغ منها الآن، لكن التغيير في أوروبا وحدها لا يفي بالغرض.
إذ يجب على الولايات المتحدة أن تنفتح كذلك، ومثل هذا يتوجب على اليابان. وفي تحسين الوصول إلى الأسواق غير الزراعية نتطلع في شؤون الريادة إلى البرازيل والهند، ويجب أن نتفق على سلة تنمية بالنسبة إلى البلاد الأشد فقرا، تشمل انفتاحاً كاملاً في السوق والمساعدة في التجارة. وأخيراً، يجب على العالم أجمع أن يركز على خطر التغير المناخي، فالأجيال القادمة لن تغفر لنا إذا لم نلتفت إلى التدهور والتلوث الذي يصيب كوكبنا الأرضي.
فنحن بحاجة إلى إطار عمل واضح منتظم، ذي نتائج محسوبة يشترك فيه جميع الأعضاء، يكون غرضه الأساسي السيطرة على الاحتباس الحراري ودرجة حرارة الكرة الأرضية، واعتقد أن الهدف الواضح وإطار العمل المتين يساعدان في تنشيط الثورة التقنية التي نحتاج.. من الضروري أن نوفر للتجارة الاستقرار الذي تحتاج لغرض الاستثمار في تقنية أنظف ولأجل تخفيف التلوث.
ترغب الولايات المتحدة في اقتصاد يقوم على مستوى واطئ من الكربون، وهي تستمر على نطاق واسع في التقنية النظيفة، كما ترغب أن تتقدم الصين والهند بشكل ملموس. إن العالم مستعد لبداية جديدة. وبوسع واشنطن المساعدة في بلوغ ذلك. خلال تسع سنوات في رئاسة الوزارة، لم أكن أقل مثالية ولا أكثر تشاؤماً، بل إنني أصبحت أكثر اقتناعا بأن التفريق بين سياسة خارجية تقوم على القيم وأخرى تقوم على المصالح هو تفريق خاطئ. إن العولمة تؤدي إلى الاعتماد المتبادل، وهذا يؤدي إلى ضرورة نظام قيم مشتركة يجعل مثل هذا الاعتماد فاعلا.
وهكذا تغدو المثالية سياسة واقعية. ولا يقدر شيء من ذلك على إزالة العوائق، والكبوات والتقلبات وضروب الزيف التي تصاحب اتخاذ القرار العملي في عالم صعب المراس، لكن ذلك التوجه يعني أن الأفضل في الروح الإنسانية الذي دفع تقدم الإنسانية إلى الأمام هو كذلك الأمل الأفضل لمستقبل العالم.
من أجل ذلك أقول إن هذا الصراع هو صراع حول القيم. قيمنا هي دليلنا فهي تمثل تقدم الإنسانية عبر العصور، وفي كل مرحلة كان علينا أن نكافح من أجلها وندافع عنها. وإذ يتقدم نحونا عصر جديد، فقد حان الوقت لنكافح من أجلها من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.