ما أن اختتمت فعاليات المهرجان المتوسطي للقيثارة في قاعة «الأكروبوليوم» المهيبة (كنيسة قديمة على ربوة قرطاج) في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس مساء الثلثاء الماضي، حتى انطلقت في مساء اليوم التالي في المسرح البلدي في قلب العاصمة فعاليات مهرجان الأغنية التونسية. وتنافس مطربون ومطربات من أجيال مختلفة طيلة الليالي الماضية في إطار مهرجان الأغنية، الذي بلغ هذا العام عشرين سنة، أملاً بالفوز بالجوائز، إلا أن غياب الكبار كان واضحاً وساهم في التقليل من قيمة الأعمال المشاركة. وعبّر الفنان مقداد السهيلي عضو لجنة انتقاء الأعمال المشاركة ل «الحياة» عن مفاجأته بتدني مستوى غالبية الأعمال المرشحة وقال: «صدمني هزال قسم كبير منها ما يدل على استخفاف بالمهرجان إلى درجة أن أحدهم اقتبس بداية الأغنية التي لحنها من محمد عبد الوهاب وخاتمتها من الفنان التونسي طاهر غرسة». على ذلك برزت مواهب جيدة في المهرجان المتوسطي للقيثارة الذي لم يتجاوز دورته الرابعة، إذ سطع نجم الفنان التونسي المقيم في مونتريال الياس الأندلسي الذي غنى خمس أغان من ألبومه الجديد «ماي برسابشن» (وجهة نظري) في عشرين دقيقة وهي «الرجل المهاجر» و «الستراس» و «الضمير» و «اذكري» و «ولادة»، فلاقى تجاوباً كبيراً من الجمهور. وكذلك النجم الفرنسي إيف دوتاي الذي دافع عن القيم الإنسانية مثل الطفولة والسلام والبيئة. كما نال عازف الجاز هشام حمريت والمغنية الشابة مريم عموص والعازف كريم كيلاني وعازفة الكمان اليابانية مانا كاتو إعجاب الحضور عندما قدموا أغاني بالفرنسية محورها الحب والشباب والعلاقة بالوطن تحت عنوان «رومانسيات قرطاج». إلا أن حضور دوتاي الذي جسد خبرة 35 سنة من الغناء كان طاغياً على سهرة الإختتام، خصوصاً بأغنيتيه الرائعتين «أمسك طفلاً من يده» و «كل أطفال العالم». وإذا كان المهرجان المتوسطي للقيثارة استقطب أساساً الجمهور الشبابي فإن مهرجان الأغنية التونسية استقطب الأكبر سناً خصوصاً النقاد والإعلاميين والمطربين الذين اعتذروا عن عدم المشاركة في المسابقة، لكنهم جاؤوا ربما من باب الفضول لمعرفة الوجوه الجديدة في الساحة الفنية. وعبر بعضهم عن شعور بالمرارة لتراجع الأغنية المحلية إلا أنه رفض الإدلاء بتصريحات. مع ذلك صدحت في أرجاء قاعة المسرح التي أنشئت في بواكير القرن الماضي أصوات ابتعدت عن الساحة الموسيقية في السنوات الأخيرة مثل منية بجاوي والشاذلي حاجي وزياد غرسة، واستقبل الجمهور أداءها بحرارة وحماسة. ومن الأسماء التي لا يمكن أن تُنسى سونيا مبارك مديرة المهرجان التي فازت بجائزته الأولى لدى انطلاقته في السنة 1987، وهي أدت في السهرة الأولى أغاني من قديمها. وكان متوقعاً أن تعود اللائي سطع نجمهن في الدورات السابقة بالجديد في هذه الدورة مثل هالة المالكي وإنصاف بالغالية، إلا أنهن غبن على رغم تألق أصواتهن. ما زال المهرجان مستمراً وسيتابع الجمهور الاستماع إلى 14 مطرباً ومطربة يؤدون أغنيات فردية جديدة و5 مجموعات موسيقية و7 معزوفات من ضمن 122 عملاً اختارت لجنة الانتقاء عدداً قليلاً منها.