اختتمت مساء السبت فعاليات "ملتقى قرطاج للرقص" في دورته السادسة التي تمحورت حول الرقص الحضري وتحديدا رقص "الهيب هوب" لتظهر تعلق الجمهور التونسي الشاب بهذا التعبير الفني الذي يمثل ظاهرة اجتماعية. فقد اقبل الشباب على عروض المهرجان بكثافة وحماس صاخب ادى احيانا الى ازعاج المؤدين على الخشبة كما حصل في عرض "مي بي" (ربما) الفرنسي لماغي ماران الذي قدم في 28 نيسان/ابريل ليلة افتتاح الملتقى في العاصمة التونسية. بدأ رقص الهيب هوب في السبعينات في الولاياتالمتحدة في الشارع وفي اوساط السود المهمشين وسرعان ما تحول الى ظاهرة مجتمعية انتشرت في العالم في ضواحي المدن. وانتقل هذا النوع من الرقص الى فرنسا في الثمانينات. وبات اليوم يعم ضواحي المدن ويمارسه الكثير من ابناء المهاجرين العرب والافارقة الآتين من اوساط مهمشة هربا من الملل والبطالة ليعبروا عن انفسهم من خلال الرقص الذي تحول اليوم الى فن كامل اثبت حضوره على الخشبة وولد عددا من المصممين والفرق المعروفة. واقدم عدد من العاملين في مجال الرقص المعاصر مثل الاسبانية المقيمة في فرنسا بلانكا لي على اقتباس لغة وتعابير رقص الهيب هوب كما في عملها الاخير "مكادام" الذي يعني الشارع. هذا العمل كان حاضرا في ملتقى تونس ومثله عمل الفرنسي ريجيس اوباديا بعنوان "اربعة رجال". شاركت في ملتقى تونس فرق جزائرية وتونسية وراقصون من اصول افريقية ومغربية شكلوا فرقا في فرنسا ما زالت بعضها تعمل في الشارع حيث لم تحصل جميعها على اعتراف رسمي. ومن بين هؤلاء الجزائري-الفرنسي عبد القادر عاطو مع فرقته "اكرو راب" التي قدمت عرض "دوار" الذي يحكي عن السفر والمنفى. وقال عاطو لفرانس برس انه عمل للتصالح مع جذوره التي اعتقد لفترة طويلة انه اضاعها لكنه عاد ليجدها نائمة في داخله. وقدمت فرقة "اكرو راب" عملا آخر فرديا. ويبدو المهاجرون الجزائريون من انشط فرق الهيب هوب في فرنسا. فقد قدمت فرقة "بوكيمون كرو" للمصمم رياض فغاني عملا سياسيا بحتا بعنوان "هذه هي الحياة". فعلى خلفية الرقص وباستمرار يعبر شريط فيديو عارضا مشاهد من خراب العراق ولبنان وفلسطين وحياة الضواحي. ويقول رياض ان "وجودنا معا يجعلنا اقوى فنرقص لكي لا نكون مجرد مشاهدين لتاريخنا بل فاعلين فيه". وحازت هذه الفرقة لقب بطلة العالم في رقص "الهيب هوب" عام 2003 وبطلة اوروبا عام 2004. من الجزائر ايضا قدم ابو لقرع عرضين لفرقته "البركة" الاول منفرد بعنوان "عبور" انطلق فيه من حركات الهيب هوب الى حركات اكثر تطورا. كما قدم بولقرع عرضا مزدوجا "مارتري(ك)از" قدم في جزئه الاول رجلين كانهما توام يرقصان في مساحة تفصلهما ويحاولان ايجاد تواصل بينما قدم في جزئه الثاني وفي نفس المساحة ثماني نساء تمثل كل منهن وجها مختلفا من وجوه المراة. من الجزائروفرنسا ايضا قدمت فرقة "ميادة" التي يقودها سعيد شوقي عرض "باندورا" وهو العمل الاول لشوقي الآتي اساسا من فرقة "اكروراب". وقدم الجزائري احمد خميس الذي تعلم الرقص في تونس ثم في فرنسا عملا بعنوان "سفر من غبار". وبالنسبة للفرق التونسية المشاركة في الملتقى قدم عماد جمعة مؤسس اول فرقة رسمية للرقص في تونس عرض "رجلة" الذي يعبر عن توترات الشارع وعنفه ما بين الشباب. وقدم الشاب نجيب بن خلف الله في ثاني عمل من تصميمه رقص الهيب هوب داخل حمام رجال في عوالم التدليك والبخار الداخلية الحميمية. ويحمل العمل عنوان "محير سيكا" وهو اسم مقام موسيقي تونسي. اما فرقة "شطحة" للثنائي التونسي عيشة مبارك وحفيظ ضو والتي تنشط في فرنسا فقدمت "خدام حزام" وهي عبارة عن رقصة رباعية تستوحي عوالم وروح السوق الشعبي. وقدمت التونسية ناصرة بالعزة المقيمة في فرنسا عملا هو نوع من حوار مع اختها التوأم دليلة يختبر بالحركة دروب عالم داخلي حافل. وشكل الملتقى رصدا لتطور هذا الفن الذي يرفض مبدعوه ادخاله تحت عنوان الرقص المعاصر ويقولون انه يشكل تعبيرا اجتماعيا عن المهاجرين يخرجهم الى الوجود بصورة اخرى من صنعهم وليس من صنع وسائل الاعلام. وشارك نحو 30 عملا معظمها جديد في "ملتقى قرطاج السادس للرقص". وقدمت العروض مجانا على "المسرح البلدي" و"مسرح الفن الرابع" وقاعة "دار الفن". واشرفت على التنظيم جمعية "ناس الفن" التي تنظم ايضا مهرجانا للفيلم الوثائقي في تونس اقيمت الدورة الثانية منه الشهر الماضي.