تونس تحتفل بعيد الشغل العالمي وسط آمال عمالية بإصلاحات تشريعية جذرية    دوري ابطال اوروبا.. التعادل يحسم مباراة مجنونة بين البرسا وانتر    شهر مارس 2025 يُصنف ثاني الأشد حرارة منذ سنة 1950    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    الاتحاد يتلقى دعوة للمفاوضات    تُوّج بالبطولة عدد 37 في تاريخه: الترجي بطل تونس في كرة اليد    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    قضية مقتل منجية المناعي: إيداع ابن المحامية وطليقها والطرف الثالث السجن    رحل رائد المسرح التجريبي: وداعا أنور الشعافي    القيروان: مهرجان ربيع الفنون الدولي.. ندوة صحفية لتسليط الضوء على برنامج الدورة 27    الحرائق تزحف بسرعة على الكيان المحتل و تقترب من تل أبيب    منير بن صالحة حول جريمة قتل المحامية بمنوبة: الملف كبير ومعقد والمطلوب من عائلة الضحية يرزنو ويتجنبو التصريحات الجزافية    الليلة: سحب مع أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 15 و28 درجة    عاجل/ الإفراج عن 714 سجينا    عاجل/ جريمة قتل المحامية منجية المناعي: تفاصيل جديدة وصادمة تُكشف لأول مرة    ترامب: نأمل أن نتوصل إلى اتفاق مع الصين    عاجل/ حرائق القدس: الاحتلال يعلن حالة الطوارئ    الدورة 39 من معرض الكتاب: تدعيم النقل في اتجاه قصر المعارض بالكرم    قريبا.. إطلاق البوابة الموحدة للخدمات الإدارية    وزير الإقتصاد يكشف عن عراقيل تُعيق الإستثمار في تونس.. #خبر_عاجل    المنستير: إجماع خلال ورشة تكوينية على أهمية دور الذكاء الاصطناعي في تطوير قطاع الصناعات التقليدية وديمومته    عاجل-الهند : حريق هائل في فندق يودي بحياة 14 شخصا    الكاف... اليوم افتتاح فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان سيكا جاز    السبت القادم بقصر المعارض بالكرم: ندوة حوارية حول دور وكالة تونس إفريقيا للأنباء في نشر ثقافة الكتاب    عاجل/ سوريا: اشتباكات داخلية وغارات اسرائيلية وموجة نزوح..    وفاة فنانة سورية رغم انتصارها على مرض السرطان    بمناسبة عيد الإضحى: وصول شحنة أغنام من رومانيا إلى الجزائر    أبرز مباريات اليوم الإربعاء.    عملية تحيّل كبيرة في منوبة: سلب 500 ألف دينار عبر السحر والشعوذة    تفاديا لتسجيل حالات ضياع: وزير الشؤون الدينية يُطمئن الحجيج.. #خبر_عاجل    الجلسة العامة للشركة التونسية للبنك: المسيّرون يقترحون عدم توزيع حقوق المساهمين    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي واستثمارات جديدة في القطاع    نقابة الفنانين تكرّم لطيفة العرفاوي تقديرًا لمسيرتها الفنية    زيارات وهمية وتعليمات زائفة: إيقاف شخص انتحل صفة مدير ديوان رئاسة الحكومة    إيكونوميست": زيلينسكي توسل إلى ترامب أن لا ينسحب من عملية التسوية الأوكرانية    رئيس الوزراء الباكستاني يحذر الهند ويحث الأمم المتحدة على التدخل    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    ابراهيم النّفزاوي: 'الإستقرار الحالي في قطاع الدواجن تام لكنّه مبطّن'    القيّمون والقيّمون العامّون يحتجون لهذه الأسباب    بطولة إفريقيا للمصارعة – تونس تحصد 9 ميداليات في اليوم الأول منها ذهبيتان    تامر حسني يكشف الوجه الآخر ل ''التيك توك''    معرض تكريمي للرسام والنحات، جابر المحجوب، بدار الفنون بالبلفيدير    أمطار بكميات ضعيفة اليوم بهذه المناطق..    علم النفس: خلال المآزق.. 5 ردود فعل أساسية للسيطرة على زمام الأمور    بشراكة بين تونس و جمهورية كوريا: تدشين وحدة متخصصة للأطفال المصابين بالثلاسيميا في صفاقس    اغتال ضابطا بالحرس الثوري.. إيران تعدم جاسوسا كبيرا للموساد الإسرائيلي    نهائي البطولة الوطنية بين النجم و الترجي : التوقيت    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    في جلسة ماراتونية دامت أكثر من 15 ساعة... هذا ما تقرر في ملف التسفير    ديوكوفيتش ينسحب من بطولة إيطاليا المفتوحة للتنس    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    شحنة الدواء العراقي لعلاج السرطان تواصل إثارة الجدل في ليبيا    الميكروبات في ''ديارنا''... أماكن غير متوقعة وخطر غير مرئي    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    تونس والدنمارك تبحثان سبل تعزيز التعاون في الصحة والصناعات الدوائية    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ساركوزي وحدود التغيير في السياسة العربية لفرنسا
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008

فرنسا ليست إيطاليا، البلد الذي يمكن أن "تسقط "فيه حكومة جراء رهان خاسر في السياسة الخارجية.لهذا السبب لم تحظ السياسة الخارجية بموقع مهم في سلم أولويات المرشحين للانتخابات الفرنسية الأخيرة. و أصبح هذا الغياب النسبي لقضايا السياسة الخارجية عن النقاش في المعركة الانتخابية الفرنسية، و التشديد على القضايا الداخلية تقليدا راسخا منذ انتخابات العام 1965 الرئاسية. ويظل هؤلاء المرشّحون متكتمين حول السياسة الخارجية التي سيكون عليهم تطبيقها في حال جرى انتخابهم. فيكتفي معظمهم بالعموميّات المُزخرَفة ببعض المقتطفات ذات الرؤية الجيوستراتيجيّة.
غير أن الرئيس المنتخب نيكولا ساركوزي الذي يعتبر انقلابياً وفق كل المقاييس،وربما هو يعتقد فعلاً أن انقلابيته الاجتماعية في الداخل، ستطلق من جديد "العظمة الفرنسية" في الخارج بصورةٍ عامة، تجنب طيلة الحملة الانتخابية الخوض في تفاصيل السياسة الخارجية حول مسائلٍ كبيرة، على الأقلّ، تفرضها عليه المُستجدّات: العلاقات مع الولايات المتحدة، وأزمات في الشرق الأوسط، و لاسيما الصراع العربي – الاسرائيلي .
قبل أن يتسلم الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي مفاتيح قصر الإليزيه، من الرئيس جاك شيراك صباح 16 أيار الحالي،تتساءل الدوائر الرسمية العربية ، و معها النخب في العالم العربي عن ماهية السياسة الخارجية الفرنسية التي سينتهجها ساركوزي، وهل ستشهد انقلابا حقيقيا، لجهة تجسيد القطيعة مع السياسة الديغولية ؟
لاشك أن كلام ساركوزي المتكرر عن القطيعة مع الماضي يتضمن تغييراً أساسياً في السياسة الخارجية. رغم أن المراقبين متفقون على أن وصول ساركوزي لرئاسة دولة كبرى في أوروبا "يعوض" واشنطن خسارة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير الذي يترك الحكم خلال أسابيع، فإنه لا يمكن تحسس التغيير الذي ينتظر فرنسا إلا بعد فترة قصيرة من وضع آلية الحكم.
لقد قام ساركوزي بزيارة للولايات المتحدة الأميركية في 12 أيلول/ سبتمبر الماضي، حيث صرّح لكي يصبح أهلاً لالتقاط صورةٍ له إلى جانب السيّد بوش، بأنّ فرنسا ليست "معصومة عن اللّوم" في علاقتها بواشنطن. وهو أعلن، بعد لقائه الرئيس جورج بوش في أن فرنسا "يمكن أن تُنتقد" في علاقتها مع الولايات المتحدة. وفهم كثيرون في فرنسا أن هذا الانتقاد يطول خصوصاً معارضة شيراك للغزو الاميركي للعراق ولمعالجة واشنطن لمشكلات الاحتلال.
بيد أنه أدرك، بسرعةٍ كبيرة، ضخامة الخطأ الذي ارتكبه بظهوره العلنيّ إلى جانب رئيس الولايات المتحدة حيث بدا مؤيِّداً لسياساته. إذ سبقَ للولايات المتحدة أن ساهمت في هزيمة رئيس الحكومة الإسباني، السيّد خوسيه ماريا أزنار، في انتخابات آذار/ مارس 2004، وتسببت قريباً بالرحيل المُخزي للسيّد طوني بلير من المملكة المتّحدة. وكان لافتاً وصف المعلقين في الصحف الأميركية ساركوزي ب "صديق" الولايات المتحدة، فيما توقعت موسكو "تطوراً ديناميكياً" في العلاقات الفرنسية الأميركية.
"تعجرف": هذا المُصطَلَح المُستخدَم في جهتي المحيط الأطلسيّ، من قبل خصوم الموقف الفرنسي حينها من العراق، قد لفظَه أيضاً السيّد ساركوزي في العدد نفسه من صحيفة "المحافظين الجدد" في فرنسا: "إنني لا أريد فرنسا متعجرفة". غير أن ساركوزي اجتهد لاحقا لتصحيح صورته المؤيِّدة لأميركا، عن طريق مطالبة "أصدقائنا الأميركيّين" بترك فرنسا وأوروبا "لحرّيتهما"، والمُجاهرة أنّ "الصداقة لا تعني الخضوع" (خطابه في 28 شباط/فبراير 2007). علماً أن الرئيس الفرنسي المنتخب، أوضح أن هذه الصداقة المتينة لا تعني التبعية وغياب الاختلاف بالرأي.
من الصعب جدا تسمية الرئيس المنتخب" محافظا جديدا" على طريقة "المحافظين الجدد" الأميركيين،لأن اختلافات عديدة تفصله عنهم،و لأن فرنسا لا يمكن أن تنتج "صورة طبق الأصل" ل "المحافظين الجدد"، الذين ظهروا في الولايات المتحدة ، ووجدوا ضالتهم في الرئيس جورج بوش.
رغم أن فرنسا ليست الولايات المتحدة وساركوزي ليس بوش، فإن البعض يحاول أن يعيد نسخ التجربة الأمريكية. لقد تشكل تيار "المحافظين الجدد" في فرنسا من مجموعة من الكتاب الذين عرفوا في السبعينات بالفلاسفة الجدد، حينما التفوا من حول جان بول سارتر، بعد أن غير موقفه من القضية الفلسطينية، وأصبح أقرب الى إسرائيل. ومن هؤلاء على وجه الخصوص برنار هنري ليفي، آلان فنكلكروت، اندريه جلوكسمان، وانضم اليهم في السنوات اللاحقة صف من الصحافيين والخبراء في الشؤون السياسية مثل الكسندر ادلر، وجاك تانيرو، وبيار اندريه تاجييف الذي برز خلال السنوات الأخيرة على نحو فاقع، من خلال طروحاته الداعمة لاسرائيل على نحو استفزازي، وذلك من نمط "الفرنسيون المعادين للصهيونية اكثر تطرفا من الإسلاميين"، و"معاداة السامية ومناهضة الصهيونية في كفة واحدة". ومارس هؤلاء التضليل الإعلامي سنة ،2000 عبر عملية تلاعب ضخمة بالرأي العام الفرنسي، وقد نشر تاجييف وفنكلكروت سلسلة من المقالات، تتبنى الطرح الإسرائيلي القائل إن عرفات رفض في "كامب ديفيد"، عرض إسرائيل السخي بإقامة دولة فلسطينية على 97 في المائة من أراضي ال،67 وان توقيع "اتفاق أوسلو" ما هو إلا للتغطية على هدفه الفعلي، وهو عودة اللاجئين وتدمير إسرائيل.
استحق هؤلاء تسمية "الصهاينة الجدد" التي اطلقت عليهم في اكثر من مناسبة، وسماهم البعض الآخر "المبشرين الجمهوريين"، وينطبق ذلك أكثر ما ينطبق على فنكلكروت، الذي يعتبر الأبرز من بين هذه المجموعة. وقد زاد من بروزه في العامين الأخيرين قربه الفكري من ساركوزي، فهو وقف في خريف سنة 2005 ليؤيد موقفه من الأحداث التي شهدتها الضواحي الفرنسية، ويحمل المسؤولية عنها للشبان ذوي الاصول العربية والإفريقية وللإسلام. وقد كانت شرائح واسعة من الرأي العام في حينه قد استهجنت تصريحات ساركوزي، التي اشعلت النار حين وصف هؤلاء الشبان ب"الحثالات". واعتبر ساركوزي ان فنكلكروت "شرّف المثقف الفرنسي" بتصريحاته، وإذا كان البعض ينتقده فلأنه يقول أشياء صادقة.
هذا "المثقف الصادق" لطالما افتخر بأنه قاد ما اطلق عليه معارضة معارضي الحرب على العراق، وسبق له أن وقع على بيان يدين ما سماه "العنصرية التي تطال البيض"، وهو الذي يعتبر أن المثقف العربي لا يمكن أن يكون ديمقراطيا، إلا إذا تخلى نهائيا عن المطالبة بحق العودة للشعب الفلسطيني.
ومهما يكن من أمر،فإن ساركوزي هو أقرب إلى "رونالد ريغان" و"مارغريت تاتشر" في حماسه لأحداث "ثورة ليبرالية" تقود إلى تخفيض الضرائب عن الأغنياء والشركات الكبرى، وإطلاق قوى السوق اللبيرالي من عقالها، وتعديل قوانين العمل،و قلب النظام الاجتماعي الذي أسسته فرنسا منذ قرنين، والذي استند برمته إلى الدور الريادي للدولة في الاقتصاد والإدارة والمجتمع رأساً على عقب.
أماالعلاقة مع إسرائيل،فقد أشاع فوز نيكولا ساركوزي برئاسة فرنسا أجواء من الارتياح في إسرائيل على المستويين السياسي والإعلامي، بحيث أجمع المسؤولون الإسرائيليين في الحكومة والمعارضة، على وصفه ب"الصديق"، وهذا ما عكسته الصحف الإسرائيلية أيضاً التي اعتبرت أن وصول المرشح اليميني إلى الإليزيه "ثورة فرنسية"تصب في مصلحة الدولة العبرية.
رئيس الوزراء الصهيوني ايهود أولمرت، في رسالة تهنئة إلى الرئيس الفرنسي المنتخب، عن ثقته بأن العلاقات بين إسرائيل وفرنسا ستزداد متانة في عهد نيكولا ساركوزي، وأضاف "لدي قناعة بأن التعاون بيننا سيكون مثمرا وأننا سنتمكن معا من دفع النشاط الدبلوماسي والسلام في منطقتنا"، واصفا فرنسا بأنها واحدة من أهم الدول وأكثرها تأثيرا في أوروبا والعالم على السواء. وأشار بيان لرئاسة الوزراء الإسرائيلية إلى أنّ ساركوزي أبلغ أولمرت بأنه "صديق لإسرائيل ويمكن لإسرائيل دائما الاعتماد على صداقتي".
وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه التكهن بنوع التحول في "السياسة العربية" لفرنسا في عهد الرئيس الجديد نيكولا ساركوزي، فإن هذا الأخير حين كان وزيراَ للداخلية استدعى السفراء العرب في باريس ليقول لهم إنه صديق "إسرائيل"، ولم يتغيرموقفه. لكن تشابك المصالح العربية الفرنسية التي يجب أن تعبر عنها السياسة الخارجية الفرنسية، إضافة إلى استمرار ضغط القضية الفلسطينية على السياسات الأوروبية عامة، ولا سيما الفرنسية منها، حتى و إن تراجع التأييد الدولي لها كما كان في السابق، جراء اندفاع معظم البلدان العربية نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني و إقامة سلام معه، لا يزالان يمنعان انزلاقاً كبيرا نحو تقارب استراتيجي فرنسي مع إسرائيل.
الرئيس ساركوزي سيكون مثل سابقيه محكوماً بسقف التقليد الخاص للدبلوماسية الفرنسية، كما كان قبله فاليري جيسكار ديستان وفرانسوا ميتران، اللذان عرفا لحظة انتخابهما بالانتماء إلى الأطلسية ما بعد الديجولية وبالتأييد المفرط ل إسرائيل واللذان سرعان ما وجدا نفسيهما في إطار إرث ديجولي لم يحيدا عنه في سياساتهما الخارجية. ينبغي عدم المبالغة في قدرة الرئيس الفرنسي على صياغة سياسات خارجية وطنية بمفرده.
وفي الواقع ، وبالرغم من الصلات التاريخية القوية التي تربط فرنسا بالعالم العربي ، والتي تضاربت خلالها المصالح الفرنسية مع مصالح الدول الكبرى المنافسة لها وبخاصة بريطانيا ، و الولايات المتحدة الأميركية ، إلا إن وجود إسرائيل في فلسطين المحتلة منذ 1948 ، صبغ العلاقات الفرنسية – العربية بصبغة جديدة ، وذلك في وقت كان النظام الإقليمي العربي يشهد بداية صعود بقيادة الزعيم عبد الناصر ، كما كان النظام الدولي آنذاك يشهد تطورات مهمة في ظل تصاعد المد الوطني التحرري في بداية مرحلة الحرب الباردة .
لقد وقعت فرنسا مع بريطانيا و الولايات المتحدة الأميركية على البيان الثلاثي في سنة 1950 ، الذي تلتزم الدول الثلاث بمقتضاه ، بحماية أمن ووجود إسرائيل . كما أرست الجمهورية الرابعة في عهد حكم الاشتراكيين ( غي موليه ) علاقات وطيدة وحيوية مع إسرائيل. فكانت فرنسا هي المصدر الأساسي للسلاح لإسرائيل ، كما ساعدت بقوة برنامج الأبحاث النووية الإسرائيلي ، حيث تم بناء أول مفاعل نووي "إسرائيلي في ديمونة في صحراء النقب بمساعدة فرنسية أساسية ، ووصل التحالف الفرنسي - الإسرائيلي إلى مداه بمؤامرة العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 ، التي كانت محصلة كبرى لعاملين رئيسيين : الأول مساعدة مصر عبد الناصر للثورة الجزائرية ، التي اصبحت تمثل مصدر توتر شديد في العلاقات الفرنسية – العربية . والثاني : العداء المشترك الفرنسي –الاسرائيلي حركة القومية العربية الصاعدة بزعامة عبد الناصر .
واستمرت السياسة الفرنسية ترجح كفة التقارب مع الكيان الصهيوني على كفة التقارب مع العالم العربي ، إلى إن جاءت الجمهورية الخامسة في العام 1958 بزعامة الجنرال ديغول ، التي جسدت قطيعة حقيقية مع سياسة فرنسا في الشرق الأدنى . ولما كانت الاستراتيجية الديغولية العالمية تعطي أهمية خاصة لوضع العالم الثالث ، وفي القلب منه العالم العربي ، فإنه من الطبيعي جداً أن تشهد العلاقات العربية – الفرنسية عدة تطورات ايجابية منذ 1958 ولغاية 1967 ، حيث أصبحت العلامة المسجلة للديغولية ، تسمى منذ حينئذ ب " السياسة العربية لفرنسا" - وهي مقولة تم نحتها من قبل ورثة الجنرال ديغول – وتعني نقطة الانقلاب في بداية الستينات ، للدبلوماسية الفرنسية الشرق أوسطية ، التي كانت منحازة لاسرائيل بشكل حصري .
ولقد أعطت الحرب العربية " الإسرائيلية " الرابعة في حزيران 1967 ، الفرصة التاريخية، لكي تفصح السياسة الديغولية عن وجهها الجديد في المنطقة العربية ، لجهة تأكيد هدف أساسي لسياسة ديغول ألا وهو استقلالية تفكيره وقراره وسياسته العملية ، التي كان يمارسها تجاه الولايات المتحدة الأميركية و إسرائيل على حد سواء ، وخدمة المصالح الفرنسية في المنطقة العربية ( التجارة + النفط ) . وقد تبلورت " السياسة العربية لفرنسا " التي قادها الجنرال ديغول على أرضية خدمة المصالح القومية الفرنسية كما يدركها هو ، والتخلص من قيود السياسات الداخلية لفرنسا المؤيدة لاسرائيل ، لجهة قيام فرنسا بدور مستقل في عملية البحث عن تسوية ، جنبا إلى جنب مع القوتين الأعظم الولايات المتحدة الأميركية و الاتحاد السوفيتي .
إن سمة تلك الفترة المتجسدة بالصدمة النفسية الإسرائيلية من السياسة الفرنسية – سواء كانت مصطنعة أم حقيقية – منذ عام 1967 ، قد خدمت سياسة الرفض الإسرائيلية لكل المبادرات والمساعي الحميدة الفرنسية خلال السنوات الأخيرة . وعلى النقيض من ذلك ، فإن الدول العربية تفرح عندما يصل الورثة السياسيون المفترضون للجنرال ديغول إلى السلطة في فرنسا . وهذا ما حصل عندما تولى جورج بومبيدو السلطة في قصر الأليزيه عام 1969 ، حيث وطد علاقات فرنسا مع العالم العربي ، ولاسيما مع المملكة العربية السعودية، والعراق ، وليبيا ، التي استولى فيها العقيد القذافي السلطة حديثاً . وقد شهدت العلاقات الفرنسية –الإسرائيلية توتراً شديداً ، بسبب بيع فرنسا 110 طائرة من نوع ميراج إلى طرابلس ، وكذلك تهريب خمس سفن حربية إلى " إسرائيل " من ميناء شيربورغ الفرنسي ، وانتهاج وزير خارجية فرنسا آنذاك ميشال جوبير سياسية متصادمة إلى حد ما مع السياسة الأميركية التي يديرها كيسنجر ، والتي بدأت تنفرد بعملية التسوية بعد حرب أكتوبر 1973 .
وعندما جاء اليسار الاشتراكي بزعامة الرئيس ميتران إلى السلطة في أيار 1981 ، ثارت التساؤلات والتوقعات حول مسار السياسة الخارجية الفرنسية بصفة عامة ، وفي المنطقة العربية بصفة خاصة . ذلك لأن ميتران كان معروفاً بصداقته الوطيدة مع إسرائيل وبانتقاداته الدائمة للسياسات الفرنسية المساندة للعرب فقط . وكان ميتران أحد وزراء الجمهورية الرابعة التي أرست نمطاً جيداً وحيوياً من العلاقات مع إسرائيل ، وكأحد أفراد الرعيل الأول من الاشتراكيين الفرنسيين الذين رأوا في إسرائيل " صديقة فرنسا وحليفتها " ، وكأحد أعضاء الاشتراكية الدولية التي جمعت بين الحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب العمل الإسرائيلي .
ومن أبرز سمات التغير في السياسة الفرنسية مع ميتران ما يلي : 1- مساندة اتفاقيات كامب ديفيد . 2- زيارة ميتران إلى إسرائيل .
3 - مشاركة فرنسا في القوة المتعددة الجنسيات بعد الاجتياح الإسرائيلي لبيروت ، بعد مذابح صبرا وشاتيلا . ولم تنج سياسة فرنسا من الاتهام ، فقد خسرت سفيرها في بيروت لويس دولامار ، وكان تفجير مقر قيادة القوات الفرنسية ( 58 قتيلاً ) – والأميركية في بيروت في تشرين الأول / أكتوبر سنة 1983 دليلاً على فشل هذه السياسة الفرنسية . وعلى الرغم من تحفظ ميتران في التعامل مع القيادة العراقية ، إلا أنه ساند بقوة النظام العراقي في حرب الخليج الأولى ضد إيران ، نظراً لموقف ميتران المتشدد من خطر تصدير الثورة الإسلامية الايرانية إلى العالم العربي ، وخطر العدوى الأصولية التي يمكن أن تمس فرنسا بالذات . وإبان أزمة الخليج الثانية ، كان ميتران الرئيس الوحيد من بين الرؤساء الغربيين ، الذي حاول – بدون جدوى – إقناع الرئيس صدام حسين بالانسحاب ، بعد غزو القوات العراقية للكويت .
وبعد نهاية حرب الخليج الثانية ، هيمنت الولايات المتحدة الأميركية بإطلاقية على النظام الدولي الجديد أحادي القطبية ، ووجدت السياسة الفرنسية نفسها آنذاك ، مهمشة في المنطقة ، فضلاً عن إقصائها في مؤتمر مدريد . ويقول شارل باسكوا وزير الداخلية الفرنسي السابق ، وأحد بارونات الديغولية في فرنسا ، بأن عودة فرنسا إلى القيادة المندمجة للحلف الأطلسي ، قد سجلت خضوع السياسة الخارجية الفرنسية للسياسة الأميركية .
كاتب تونسي
أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.