لم يأت الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بجديد حينما قدم نفسه كصديق لإسرائيل مجددا دعمه لها ولكن كيف سيكون حال الرئيس الفرنسي وهو يخطب أمام جمع غفير وفي ضيافة "المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بفرنسا"(الكريف)؟ بالتأكيد سيقدم الإضافة خصوصا أن هذا المجلس شبيه جدا ب"إيباك" الأمريكية وهي أقوى منظمة يهودية داعمة لإسرائيل. الرئيس الفرنسي في هذا السياق يذكرنا بالذي سئل إن كان يعرف العلم فأجاب "نعم وأزيد فيه" وهو لم يجد من التعبير عن ولهه وعشقه لإسرائيل أفضل من التهجم على الآخرين وإعلان عدائه لهم إذ انتقد بشدة الرئيس الإيراني نجاد -دون أن يسميه- لأنه يأمل في زوال إسرائيل من الخريطة بينما يدرك ساركوزي أن الكيان الإسرائيلي دائما مظلوم والأعداء العرب والمسلمون يتربصون به من كل جانب لذلك لا يفوت هذا الكيان الفرصة في الدفاع عن نفسه بالقتل والتدمير ويرفض الانسحاب من أراضي ثلاثة شعوب. لقد بلغ ساركوزي ذروة الذوبان في عشقه لإسرائيل في ترجمة للسياسة الفرنسية الجديدة تجاه الشرق الأوسط وهي السياسة التي عوض بها حفيد "ديغول " السياسة الفرنسية العربية مؤكدا أنه لن يتقابل أو حتى يصافح أناسا يرفضون الاعتراف بإسرائيل. إذن ساركوزي واضح فهو لن يصافح كل من لا يعترف بإسرائيل وبالتالي سيجد الكثير في الضفة الجنوبية للمتوسط ممّن لا يعترف بإسرائيل الكيان الاستعماري المغتصب لفلسطين ولأراض عربية أخرى بل سيجد ساركوزي أيضا من سيرفض مصافحته لأنه لم يترك مسافة بين كونه رئيسا لفرنسا وتصرفه كمواطن إسرائيلي يبلي البلاء الحسن في الدفاع عن كل مكونات السياسة الإسرائيلية. ولا شك أن الرئيس الفرنسي حر في مشاعره وأحاسيسه ولكن لا يجب أن تعني عداء بصورة آلية لعدو صديقه لأن ذاكرة الشعوب وخصوصا الشعب الفلسطيني لن تنسى كيف كان شيراك يتصرف بكل واقعية مع إسرائيل وانتقد أمنها يوم حاول التأثير على زيارته إلى الأراضي الفلسطينية. وعلى أية حال لا يرجى خير من رئيس يفشل في السيطرة على عواطفه أمام "الكريف" شأنه في ذلك شأن الرئيس الأمريكي الذي يستمد شرعيته ليس من صناديق الاقتراع بل من توصيات ومطالب "إيباك". فهل يمكن اعتبار ساركوزي إنتاجا للثورة الفرنسية ومبادئها الإنسانية الخالدة وهل يمكن أن يكون بمواقفه الموغلة في التّأييد لإسرائيل عينة مما يشعر به الشعب الفرنسي ويعتقده في قرارة نفسه؟ رحم الله ميتران الذي رد على سؤال حول شأن دولي حينما كان زعيما للحزب الاشتراكي الفرنسي ثم بعد فوزه كان رده مخالفا... وعندما استغرب الصحافي الأمر كان ميتران واضحا في قوله: لقد أجبت في المرة الأولى بصفتي زعيما للحزب الاشتراكي أما في المرة الثانية فبصفتي رئيسا لفرنسا.