كنا لزمن قريب نعتقد أو هكذا نحسب أنّ جلبي العراق هوعنوان الخيانة و التواطئ مع المستعمر في الوطن العربي. كيف لا وهو الذي سبب بالإشراك مع الملالي في أكبر نكبة للأمة العربية و تدمير دولة من اعرق دول الوطن العربي. و كنا نعتقد كذلك أن هذه الحالة فريدة من نوعها لم تتجاوز حدود العراق المحتل. لكن مع الأسف جلبي هذا تحول الى ظاهرة تكمن في كثير من المعارضات أو المعارضين داخل أوطاننا. أقول هذا الكلام لما بدأنا نرى و نسمع أو نتصفح على صفحات الشبكة العنكبوتية بعض من هؤلاء الذين أجهدوا نفسهم في شخصنة قضايا الأمة حتى تجاوزوا الحدود المعقولة. فبعد "الشيخ" الهادي بريك الذي دعا فرنسا "الام الحنون" التدخل لتخليصنا من بن علي بعد ما عجز "الشيخ" على القيام بهذا الدور بعد خطة فرض الحريات باحداث فراغ دستوري في البلاد حيث دون على صحيفة الجراة عدد 28 لسنة 1997 ما يلي ان فرنسا التي استعمرتنا بالامس خليق بها اليوم ان تساهم بقوة في نسج ذلك الوفاق القادر وحده على توطيد اركان الاستقرار الحقيقي حفاظا على مصداقية"الاخاء و الحرية و المساواة" و على مكانتها الاوروبية و الدولية و مصالحها في الساحل الجنوبي للتوسط و في دنيا العروبة و الاسلام عامة ثم جاء دور السيد عبد الحميد العدّاسي ليقسم لنا باغلض الأيمان أن "صانع التغيير" في تونس وهو الرئيس الحالي الجنرال زين العابدين بن علي أنه أظلم و أخطر من الاستعمار الفرنسي . هذا الأخير علمنا الرفض فالمقاومة و "الرجولة" و الأول علمنا الذلة و المهانة و جردنا من الرجولة, مثلما حبر حرفيا على نشرية تونس نيوز 14.05.2007.فوالله الذي لا إله غيره: لقد أساء صاحب التغيير إلى التونسيين أكثر بكثير ممّا أساء الاستعمار الفرنسي إليهم، ذلك أنّ هذا الأخير قد علّمهم الرّفض والمقاومة وأنّ ذاك الأوّل (وهو في الترتيب الأخير) قد أجرهم بجيوشه الطاغية على الخنوع والخوف وفقدان الحصانة الأخلاقية وغيرها من المكاره . كلام خطير جدًا بأن يتمنى أيام الاستعمار التي لم يعشها السّيد العدّاسي و لم يكتوي بنارها. لم نقرأ في التاريخ عن استعمار أو بالأحرى احتلال شيد مدارسًا للمقاومة أو شجع على عزة من احتل بل العكس هو الثابت. فقد روى لي و الدي أن جدي رحمه الله خرج ذات يوم لقضاء بعض لوازم البيت من السوق فلم يرجع إلاّ بعد 15 يوما و السبب هو كان محبوس كل هذه المدة لأنه لم يؤد التحيّة للضابط الفرنسي عند لقائه في الشارع مع أنه مدني لا علاقة له بالإنضباط العسكري, لان الاحتلال الفرنسي كان يفرض تحية جنوده على التونسيين عامة إمعانا لهم في الإذلال و الاستخفاف بهم. لا أدري إن كان السيد العدّاسي قد قرأ تاريخ تونس يومًا ابان الاحتلال ليكتشف فظاعة الاستعمار و عدم إنسانيته. لا أخاله قد قرأ كيف كان المعمرون يقتلون التونسيين من الفلاحين و يدفنونهم في الأراضي التي اغتصبوها اعتقادًا منهم بأن رفاة العرب تزيد في إنتاجهم.(1) لا أظنه أيضا قد سمع بجرائم الاحتلال الفرنسي, الذي لم يُسئ إلى تونس حسب السيد العداسي أكثر ما أساء لها صانع التغيير, المرتكبة مع بني جلدته في الوطن القبلي سنة 52 التي بلغت حد الاغتصاب بالجملة و بقر بطون الحوامل و القتل العشوائي للمواطنين العزل . إن شخصنتك للقضية التونسية ياسيد العداسي واختزالها بينك و بين بن علي يدخل علينا الريبة و الشك في انك صاحب قضية وطنية تتعلق بالحريات و المساواة و القوانين العادلة و الدفاع عن الدين، فمشكلتك ليست مع النظام بقدر ما هي مع شخصية زميلك سابقا وأحد أمرائك أيام عطائك. معذرة انها لا تفهم الا على هذا الشكل او انك تتبادل الادوار معه. ألم تؤدي القسم العسكري ( اقسم بالله العظيم) بأن لا تعمل ضد النظام الذي تعمل تحت رايته و أنت على بينة تامة بسلبياته آنذاك؟ تماما مثل ما أقسم "غريمك الشخصي" أمام ولي نعمته بورقيبة بان يكون له وفيا و عليه حريصا؟(ربما ابر بيمينه عندما حرسه الى اخر يوم من حياته و لم يقتله كما يفعل الانقلابيون عادة) . ألم يكن لكما نفس الشعور سنة 87 و نفس الفكرة بالانقلاب على نظام مدني تعملان تحت رايته؟ فدبّر الجنرال ليوم 7 نوفمبر و خططت أنت ليوم 8 نوفمبر. فسبق الذي دبّر و فشل الذي خطط. لو كنت منصفا يا سيد العدّاسي- الا اذا مازلت في مهمة للجنرال - لاعترفت للرجل بالجميل لأنه في ذلك اليوم قد أنقذ حركة الاتجاه الإسلامي و قياداتها أكثر مما جاء لإنقاذ تونس. لقد أنقذكم من بورقيبة العجوز الخارف.فلو لم يُيسر الله لبن علي يوم 7 نوفمبر , لولغ بورقيبة كوحش كاسر من دمك و دماء إخوانك و قيادات الحركة و أنصارها دون رحمة و لا شفقة. ثم يكون بعد ذلك جرحًا في المجتمع التونسي لا يندمل و تعشش ثقافة الحقد و الكراهية التي تفتح الباب على مصراعيه للمجهول و أولهم هذا الذي تراه أقل سوء و إساءة و ألمًا و إيلاما من حكام بلدك وبني جلدتك مهما كان الاختلاف معهم. فإذا كان ظلم الاحتلال الفرنسي هو الذي صنع من التونسيين مقاومين أبطالا, و أوقد في صدورهم شعورهم بالعزة و الكرامة و طلب الشهادة في سبيل الوطن فاختاروا الخروج إلى الجبال لمقاومة الغاصب الظالم. فلم يجعل منك ظلم بن علي و استبداده وهو" الاشد و أكثر فضاعة" بطلا فتصمد في وجهه على أرض تونس لمقاومته بشتى الوسائل؟ لماذا آثرت الفرار "في سبيل الله" و رضيت لنفسك أن تعيش بقانون أهل الذمة في الغرب و تركت وراءك حوالي 9 ملايين تونسي يتعرّضون "للاضطهاد" و "المسخ في الدين" و "سلب الأرزاق"و "تجريدهم من الرجولة"؟ أم تراك عملت بمقولة جحا الشعبية "ابعد على رأسي و اضرب". أم ترى طابت نفسك لاكل الخبز بالجبن (بكسر الجيم) في الدنمارك بعد ما أفتى علماء المسلمين بمقاطعته بعد ما أساء حكام بلد من تعيش انت تحت ذمتهم لسيد الخلق (ص)؟ لم نقرأ لك كلاما مفاده أن هؤلاء أظلم من فرعون و قارون و أبو جهل و ابليس على وقاحتهم و الاستخفاف بمشاعر المسلمين جميعا؟ قال الفاروق عمر (ض) لا يعرف الاسلام من لم يعرف الجاهلية و انا اقول لك و لأمثالك - الا اذا كنت تتبادل الادوار مع الجنرال في اطار رد الجميل- لا يعرف قيمة الدولة الوطنية رغم سلبيات الحكام من لم يعش يوما تحت الاستعمار. (1) ... و لو أن أحد المسلمين يُقتل رميَا بالرصاص أو يموت متأثرا بمرضه في مكان ما فأنه يُدفن في المكان الذي قضى نحبه فيه. ذلك أن الفرنسيين يعتقدون أن جثمان المسلمين يلقح الأرض لمدة خمسين سنة مقبلة فينعمون "بخصوبتها". كتاب الحزب الحر الدستوري التونسي 1919-1934 ص. 39 ليوسف مناصرية