قال الله تعالى: «وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ»، البقرة 283، وقال أيضا:»وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ».140 البقرة وقال أيضا: «....وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ». المائدة 106 وأورد غير واحد من أهل العلم أنّهم اتّفقوا على ذمّ السّكوت على المنكر وعدم إنكاره. ففي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية يقول رحمه الله تعالى: قال الله تعالى: «فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا». ولوى لسانه: أخبر بالكذب، وأعرض: سكت وكتم الحقّ، والسّاكت عن الحقّ شيطان أخرس. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: «وأيّ دين وأيّ خير فيمن يرى محارم الله تنتهك وحدوده تضاع ودينه يترك! وسنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرغب عنها! وهو بارد القلب ساكت اللّسان، شيطان أخرس، كما أنّ من تكلّم بالباطل شيطان ناطق». فإذا تقرّر أنّ كتم الشّهادة حرام بل من أعظم الظّلم، وأنّها تفسد القلب، وأنّه اتّباع للهوى، وأنّ الكاتم للحقّ شيطان، فإنّه في ظلّ ما تشهده تونس منذ مدّة من معركة شرسة وصراع مرير بين الهيئة العلميّة بجامع الزّيتونة التي يترأّسها الشّيخ حسين العبيدي، فإنّي أدلي بشهادة حقّ أبرئ بها ذمّتي أمام الله تعالى. أنا خَمِيس بن علي الماجري، أُشهد الله وملائكته وجميع الخلق أنّي منذ أن تأسّست إدارة التّعليم الزّيتوني الأصلي سنة 1988 في عهد المخلوع بن علي، وأنا بصفتي قياديّا لحركة النّهضة وقتها كنت أحضر لقاءات واجتماعات هيئة التّدريس ممثّلا للحركة وكُنت أغطّي كلّ نشاطات التّعليم والهيئة في كلّ أعداد جريدة الفجر النّاطقة باسم حركة النّهضة منذ افتتاحيّتها، وكانت الهيئة منذ تأسيسها حرّة ومستقلّة لا تتدخّل فيها السّلطة حتّى شهدنا المعركة المريرة التي دارت بينهما انتهت بتدخّل الشّرطة والميليشيا فأغلقت مقرّ الهيئة وسجنت الطّلبة والطّالبات لمّا احتجّوا على الدّولة التي حاصرت مشائخ الزّيتونة في بيوتهم يوم مفتتح السّنة الدّراسيّة الثّالثة سنة 1990. وكان الشّيخ حسين العبيدي البقيّة الباقية من أعضاء تلك الهيئة والتي كان أوّل من ترأسها الشّيخ عمر العدّاسي رحمه الله تعالى ثمّ الشّيخ محمّد الشّاذلي النّيفر رحمه الله تعالى لمّا توفي الأوّل، وكان فيها أيضا مشائخي: محمّد الأخوة وعبد العزيز الزّغلامي ومحمّد البجاوي وعبد المكّاوي رحمهم الله تعالى وعثمان الحويمدي شفاه الله تعالى وكان أصغرهم حسين العبيدي حفظه الله تعالى. وأشهد الله تعالى أنّ الشّيخ حسين العبيدي هو من بقيّة العقد الفريد الذي خدم الدّين طيلة حكم الحرب على الإسلام في عهد المخلوعَين: بورقيبة وبن علي. كما أشهد أنّ تلك الهيئة كانت تسيّر أمورها دون تدخّل من الدّولة. وفي خضمّ صراع المشائخ مع السّلطة النّوفمبريّة، كانت حركة النّهضة وقتها تساند الهيئة ورجالها وتدعم استقلالها واستقلال تسيير المساجد عن الحكومة. فلماذا انقلبت حركة النّهضة عن موقفها القديم، فأيّ الموقفين أصحّ حين كانت في المعارضة أم في الحكم؟ « ما لكم كيف تحكمون» إنّ استقلال المساجد وحرّيّة الزّيتونة وحياد الدّولة مكسب تاريخي حضاري لتونس، و لم تشهد السّيطرة عليهما إلاّ في عهد المخلوعَين، وإنّ مستقبل الإسلام والحرّيّة والعدالة لا تتحدّد إلاّ بأن تنزع السّلطة يدها عن بيوت الله تعالى: « وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع الله أحدا»، فهل بدأنا نكتشف خيوط وخفايا التّدخّل الغربيّ الذي لا يريد للزّيتونة أن تستعيد دورها العلمي الحضاري ولا يريد كذلك للصّحوة الإسلاميّة في تونس أن تهتدي بنور العلم وتتشبّع به حتّى لا تقع فريسة الجهل و التّشدّد والميوعة والمغامرات. إنّ هذه الحرب القذرة التي شنّها حكّام التّرويكا على استقلاليّة الزّيتونة و بيوت الله لا يقصد من ورائها إلاّ القضاء على العلم والأئمّة ومصادر السّلف حتّى يبقى المفكّرون المطوّعون للدّين على عيون السّيّد الأمريكي وأهدافه أحرارا لا يزعجهم ولا يشغب عليهم أحد. فالسّؤال المطروح الآن: أين هي مصداقية من في الحكم اليوم؟ أهذه هي الخلافة السّادسة التي وُعد بها التّونسيّون؟ أبشنّ الحرب على مشائخ العلم وعدت أحزاب التّرويكا الشّعب التّونسي في حملاتها الانتخابيّة؟ إذا كان المجتمع المدني الحقيقيّ هو الذي تنبعث مؤسّساته من قلب الحراك المجتمعي المستقلّ عن الدّولة، فإنّنا نقول: 1 إنّ المساجد بيوت الله عزّ وجلّ ليست هي أهون من مؤسسات المجتمع المدني كالنّقابات التي تسيّر نفسها بنفسها. فلماذا تترك الحكومة المجتمع كلّه يعبّر عن نفسه إلاّ بيوت الله تعالى؟ سبحان الله: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ»، حلال على العلمانيّين وحرام على مشائخ العلم؟ سبحانك هذا ظلم عظيم. 2 لا للمسّ من هيبة الزّيتونة و لا للهيمنة على المساجد وتدجينها إدارة وتعيينا للأئمّة وتوجيها لها، قال تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» النّور 36. 3 إنّ هيمنة الدّولة على بيوت الله مرفوضة وعزل الأئمّة الأكفّاء جريمة والتّنصيب بدعة. وإنّ أهل العلم والورع الذين يشهد لهم النّاس لا يصحّ أن يسترخصوا من الحكم أن يقوموا بتعليم النّاس، قال أهل العلم: « فأمّا جلوس العلماء والفقهاء في الجوامع والمساجد والتّصدّي للتّدريس والفتوى، فعلى كلّ واحد منهم زاجر من نفسه أن لا يتصدّى لما ليس له بأهل .».. الآداب الشّرعيّة 3/389 فهل إشعال هذه الفتنة يقصد منها التّهيئة لإغلاق التّعليم الزّيتوني الأصلي كما أغلقه الجنرال بن علي سنة 1990 لأنّ الهيئة استعصت على الذّوبان والانكسار أمام جبّة الحكم الجديد الذي كبّل نفسه بالنّزول على شروط البنك الرّبويّ الغربيّ؟ قال تعالى: « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمّنْ مّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىَ فِي خَرَابِهَآ أُوْلََئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَآ إِلاّ خَآئِفِينَ لّهُمْ فِي الدّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ». البقرة 114 يا حكّام تونس توبوا إلى الله تعالى جميعا واتّقوا يوما ترجعون فيه إلى الله، فها أنتم سكنتم في مساكن الظّالمين، ولقد أقسمتم على المصحف، وأنا ذكّرتكم بما فيه ، فهل من مستجيب؟ «سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى». قال تعالى: «وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ(44) سورة غافر. خَميس بن علي الماجري (21 رمضان 1433 9 أوت 2012)