كانت قوات الرئيس الفلسطيني محمود عباس تتمتع بتفوق عددي مريح على منافسيها الاسلاميين المعزولين كما حصلت على تعهدات بتلقي أموال غربية فضلاً عن التدريب العسكري ونالت تأييد القوى العربية. غير أنها هزمت في قطاع غزة على يد حركة المقاومة الاسلامية "حماس" وهي هزيمة هزت المنطقة وألقت بشكوك على المبدأ الغربي الذي يقوم على التنمية المحلية في مواجهة ما يعتبر انتشاراً ملحوظاً لنفوذ القوى المناهضة للغرب. وساق المسؤولون الذين أصابتهم الصدمة من حركة فتح التي يتزعمها عباس الى جانب مستشاريهم الاجانب مبررات تكتيكية عديدة للهزيمة في الاقتتال الذي استمر ستة ايام بشوارع غزة من بينها الامتناع عن تسليم العتاد وغياب القادة وتجاهل المعلومات. غير أن كثيرا من الخبراء يعتقدون أن الحملة المؤيدة لفتح شابها أيضا تضخيم للتوقعات الخاصة بالحركة التي كانت يوما ما حركة وطنية مهيمنة وتواجه حاليا عدم يقين سياسي كما أنها فقدت بعد سنوات من محادثات السلام الفاشلة الوضوح الفكري الكامل الذي تتمتع به حماس. وقال محمد دحلان مستشار عباس للامن القومي "لا يمكنك محاربة قوة دينية بسلطة عسكرية...حماس لها هدف. الاجهزة الامنية لم تدافع حتى عن نفسها". وفي الوقت الذي استفادت فيه حماس من الاموال الايرانية والتهريب المكثف للاسلحة وشبكة لتصنيع الاسلحة كانت فتح تعتمد على المساعدات الاميركية التي عادة ما تصل ببطء شديد للغاية. ومنعت اسرائيل وجماعات الضغط الاميركية المؤيدة عدة شحنات من الاسلحة وتحويلات مالية حيث أشار هؤلاء الى مخاوف من أن الاسلحة والتقنية قد تستخدم ضد اسرائيليين. كما شكا قادة عسكريون من فتح من أن الكثيرين من أفضل رجال الحركة كان يتم اعدادهم كحراس شخصيين للشخصيات المهمة في الوقت الذي كانت فيه حماس تهيئ جنودا من أجل المعركة. وربما كانت هناك أيضا رسائل مختلطة من عباس الذي حاول منع وقوع المعركة مع حماس من خلال اشراكها في الحكومة الائتلافية مع فتح في مارس/اذار في خطوة أغضبت اسرائيل وواشنطن. وقال مساعد لعباس يتولى مهام أمنية "أبلغناهم (دائرة عباس) بأن حماس تعد لانقلاب.. لكن فتح لم تتوقعه. كانت تؤمن بحسن نوايا حماس". وعاب بريت ستيفنس الصحفي بجريدة وول ستريت جورنال والذي يكتب بانتظام عن الشرق الاوسط على ادارة الرئيس جورج بوش عدم اصرارها على أن ينزع عباس بشكل استباقي سلاح حماس. وقال "ارتكبت الولاياتالمتحدة خطأ فادحا بتصديقها عباس عندما قال ان بامكانه تهدئة حماس من خلال المفاوضات". واضاف "لو كانت الولاياتالمتحدة قدمت الطلب (باتخاذ اجراءات ضد حماس) بينما كانت تستعد.. لكان عباس أحسن صنعا". ورغم أن حماس نفت السعي للسيطرة على قطاع غزة وقالت انها كانت فقط ترد على تهديد من جانب فتح الا أن الصدام ربما كان حتميا بالنظر الى وجهات نظرهم المتباعدة. ففتح تتحدث عن السلام مع اسرائيل بينما تقول حماس انها لن تقبل مطلقا بالتعايش مع اسرائيل. وقال المحلل المتقاعد بالمخابرات الاسرائيلية ماتي شتاينبرج ان الروح المعنوية لفتح ضعفت بسبب فقدان "الافق السياسي" مع اسرائيل التي انسحبت من قطاع غزة في عام 2005 بينما تعهدت بالاحتفاظ بأجزاء من الضفة الغربيةالمحتلة بموجب اي اتفاق للسلام. واضاف شتاينبرج "لا تملك فتح منطقا استراتيجيا..لا تملك شيئا تقاتل من أجله". واضاف أن اسرائيل وبالتبعية الولاياتالمتحدة "ينبغي أن تعلما أن تأييد المعسكرات الفلسطينية المعتدلة ليس مثل الشراكة". غير أن معين رباني الخبير بالمجموعة الدولية لمعالجة الازمات حذر من النظر الى غزة بوصفها ساحة للافكار العالمية المتصارعة. وقال رباني ان الاقتتال في غزة يمكن أن ينظر اليه على السواء على أنه مسألة تسوية دموية للخصومات بين "لاعبين محليين" وكحملة منسقة للسيطرة على الارض. واعتبر أن الامر لم يكن بخصوص ما اذا كان ينبغي للفلسطينيين السعي لحل مع اسرائيل يقوم على دولتين أو نبذ هذا النموذج والبحث عن اخر مختلف. واضاف أنه لا فرق يذكر بين فتح وحماس بالنظر الى مواقفهم. ومهما تكن الحقيقة الا أن غزة ينظر اليها في الشرق الاوسط على أنها المكان الذي توج فيه النهج الاسلامي نجاحا غير مسبوق في انتخابات حرة بالتفوق العسكري. ورغم أن من المرجح أن تزداد عزلة قطاع غزة الفقير والصغير الا أن ذلك ليس كافيا للسياسيين الغربيين. وقال روبرت باير وهو ضابط سابق بالمخابرات المركزية الاميركية كان على صلة بتمرد كردي لم يدم طويلا دعمته الولاياتالمتحدة في العراق خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين "انه درس تحذيري". واضاف "سيكون لسقوط غزة عواقب تنتشر في عمان والقاهرة وبيروت".