في تشملجة أعلى هضبة في اسطنبول لا تخطئ العين أبدا العدد الكبير من العائلات ذات السمات الإسلامية، اللحية والجلباب والحجاب والنقاب. صحيح أنك هنا في القسم الآسيوي من إسطنبول، لكن يمكن رؤية اسطنبول بكل أطرافهما من قمة هذه الهضبة. لا تخطئ العين أيضا شبابا وشابات وعددا لابأس به ممن يمكن وصفهم بالوجه العلماني لتركيا: نساء غير محجبات وشبان يرتدون الثياب العصرية. الجلسة هادئة جدا والموسيقى الصوفية والرسوم العثمانية تخيم على المكان، صور زهور الخلافة العثمانية والسلطان محمد الفاتح الذي أخضع القسطنطينية لسيطرة آل عثمان تطل على رواد المقاهي والمطاعم في هذه المنطقة التي أخصعها رجب طيب إردوغان لسلطة بلدية اسطنبول. وتشملجة ليست المكان الوحيد. فهي نموذج لما فعله رجب طيب إردوغان في أماكن عديدة اسطنبول، وهي مثال للجائزة التي قال كثير ممن التقيت بهم قبل وأثناء وبعد الانتخابات إنهم ينتظرونها من رجب طيب إردوغان. صحيح يمكن لخصوم إردوغان أن ينتقدوه لمنعه الخمور في هذا المكان...اضرب مثالا بصديق الإنجليزي لي الذي أبدى لنا في ميدان تقسيم استياء واضحا من هذا المنع على أساس أنه دليل على أجندة إردوغان الإسلامية الخفية. لكن نصف الناخبين في تركيا تقريبا يرون غير ذلك والنصف اخر ليس كله يصدق ما يقوله صديقنا الإنجليزي وكثيرون آخرون ممن صوتوا لصالح أحزاب العلمانية الأتاتوركية كالشعب الجمهوري والحركة القومية. كانت هناك أنباء عن تحالف كل الأحزاب العلمانية ضد العدالة والتنمية، وإردوغان شبه هذا التحالف بسلة من ..مزجه لن يخرج بيضة واحدة سليمة. توني بلير التركي التغيير الذي أحدثه إردوغان في تشملجة وغيرها من مناطق تركيا أحدث مثله في السياسة التركية، تماما كما فعل توني بلير في بريطانيا، اي محاولة تلبية رغبات الأغلبية. زهرة الخلافة العثمانية انتشرت في الحدائق وعلى الجدران في تركيا إردوغان بذلك تربع اردوغان في وسط السياسة التركية وأزاح الآخرين مرة لأقصى اليمين كحزب السعادة الإسلامي وحزب الحركة القومية المتطرف واخرى نحو اقصى اليسار والغلو في القومية كحزب الشعب الجمهوري والحزب الشيوعي وغيرهما. النموذج البريطاني تحديدا محل اهتمام كبير من إردوغان، فقد كان قد قال غير مرة إن حزبه وتركيا يريدان علمانية بريطانية وليست فرنسية. حزب كل تركيا ليس هذا فقط. فتاريخه كإسلامي وكعمدة لاسطنبول حافل بالانجازات تصاحبه سمعة في نظافة اليد. قال لي سائق تاكسي بسيط، إنه مطمئن طالما أردوغان في الحكم. أما البقية في رأيه فصفحتهم ليست ناصعة البياض. المستقبل في تركيا يبدو في الوسطية، فالمغالاة في العلمانية هزمت أحزابهما والحرض على المظاهر الإسلامية أزاح نجم الدين أربكان أبي الأسلاميين في تركيا من سماء السياسة التركية. في صحيفة صباح الليبرالية قرأت مقالا بعنوان "حزب كل تركيا" يتحدث كاتبه عن حزب العدالة والتنمية الاكثر شعبية في تركيا. فإردوغان زعيم الحزب فتحه لكل التيارات من إسلاميين قدامى وشيوعيين بل وقوميين، تماما كما فعل مع هضبة تشملجة...أعلى هضبة في اسطنبول.