مدخل: ماذا بعد تسريح السجناء مؤخرا خارج إطار العفو التشريعي العام الذي مازالت تنادي به العديد من منظمات المجتمع المدني، والذين قضى معظمهم ما يقارب العقدين من الزمن داخل السجون التونسية. حيث لم تتوفر لهم داخلها أدنى الشروط الصحية التي نصت عليها المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء والتي اعتمدت وأعلنت بقرار الجمعية العامة 45/111المؤرخ في14 كانون الأول 1990 انظر المواد المتعلقة بالمبادئ الأساسية لمعاملة السجناء من المادة الثامنة إلى المادة العاشرة: 8- ينبغي تهيئة الظروف التي تمكن السجناء من الاضطلاع بعمل مفيد مأجور ييسر إعادة انخراطهم في سوق العمل في بلدهم ويتيح لهم أن يساهموا في التكفل بأسرهم وبأنفسهم مالياً. 9- ينبغي أن توفر للسجناء سبل الحصول على الخدمات الصحية المتوفرة في البلد دون تمييز على أساس وضعهم القانوني. 10- ينبغي العمل، بمشاركة ومعاونة المجتمع المحلي والمؤسسات الاجتماعية ومع إيلاء الاعتبار الواجب لصالح الضحايا، على تهيئة الظروف المؤاتية لإعادة إدماج السجناء المطلق سراحهم في المجتمع في ظل أحسن الظروف الممكنة. نحاول من خلال هذا المقال أن نسلط الضوء على موضوع لا نريده أن ينتهي بنفس الطريقة التي أنهيت بها ملفات السجناء المسرحين سابقا في صمت إعلامي غير مفهوم، ونضع بين أيدي القراء هذه المحاولة التي تريد ان تؤطر الموضوع ضمن سياقين مترابطين، قانوني وإعلامي، يسيران بالاتجاه الذي يخدم قضية سجنائنا المسرحين مؤخرا في تونس . 1 الاطار القانوني لقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 5 كما نص الدستور التونسي في مادته الخامسة أيضا على جملة من المبادئ المتعلقة بعدم تعريض أي إنسان إلى التعذيب أو العقوبات والمعاملات القاسية والوحشية ولا يجوز الحط من كرامته كما تكلم الدستور التونسي عن الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور كينونة وشمولا وتكاملا وترابطا .كما أشار أيضا في نفس المادة إلى أن الدولة التونسية تعمل من اجل الكرامة الإنسانية وتنمية شخصيتها . الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 5 لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة. الدستور التونسي المادة 5 تضمن الجمهورية التونسية الحريات الأساسية وحقوق الإنسان في كونيتها وشموليتها وتكاملها وترابطها تقوم الجمهورية التونسية على مبادئ دولة القانون والتعددية وتعمل من اجل كرامة الإنسان وتنمية شخصيته . العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية اعتمد و عرض للتوقيع و التصديق و الانضمام بقرار الجمعية العامة 2200 ( ألف ) المؤرخ في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1966 تاريخ بدء النفاذ: 23 آذار / مارس 1976، طبقا للمادة 49 الديباجة : لقد ورد في ديباجة العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والاقتصادية ما نصه : "إن الدول الأطراف في هذا العهد، إذ ترى أن الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم ، و من حقوق متساوية و ثابتة ، يشكل ، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأممالمتحدة، أساس الحرية و العدل و السلام في العالم . و إذ تقر بان هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه ، و إذ تدرك إن السبيل الوحيد لتحقيق المثل الأعلى المتمثل ، وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، في أن يكون البشر أحرارا ، و متمتعين بالحرية المدنية و السياسية و متحررين من الخوف و الفاقة ، هو سبيل تهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية و السياسية ، و كذلك بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية . و إذ تضع في اعتبارها ما على الدول ، بمقتضى ميثاق الأممالمتحدة ، من التزام بتعزيز الاحترام و المراعاة العالميين لحقوق الإنسان و حرياته." الجزء الثاني المادة 2 1- تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيها ، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها ، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الدين ، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي ، أو الأصل القومي أو الاجتماعي ، أو الثروة ، أو النسب ، أو غير ذلك من الأسباب. 2- تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد ، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية لقائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد ، بأن تتخذ ، طبقا لإجراءاتها الدستورية و لأحكام هذا العهد ، ما يكون ضروريا لهذا الأعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية . 3- تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد : ( أ ) بان تكفل توفر سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد ، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية . (ب) بان تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة ، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني ، و بان تنمى إمكانيات التظلم القضائي . (ج) بان تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصلحة المتظلمين .(انتهى) أين تقع حقوق السجناء المسرحين ضمن هذه النصوص سواء في المواثيق الدولية أو في الدستور التونسي وأين هي الضمانات التي حددها الدستور للمواطن التونسي كانسان في التمتع بالحريات الأساسية والحقوق كينونة وشمولا وتكاملا ..؟ و أي حظّ من قيمة الكرامة وتنمية الشخصية سيحصل عليه هؤلاء السجناء ؟! 2 الاطار الاعلامي لقد رسم المساجين المسرحون نهج الانعتاق وهم يلتقطون أنفاسهم بعد سنوات طويلة استنفذت فيها السلطة كل أنواع التعذيب والتنكيل والحقد الأعمى، الذي مارسته بوعي ضمن منهجية أرادت من خلالها إرهاب مخالفيها وقتل روح الصمود وإنهاء ما يؤمنون به من حق في التعبير والرأي. ها هي تجد نفسها اليوم أمام صمودهم عاجزة عن الاستمرار في خطتها ومقتنعة بان قتل الأفكار التي يؤمن بها أصحابها إيمانا راسخا لا يمكن الوصول إليها لإلغائها والقضاء عليها بالقوة والإكراه وأن لا جدوى من الاستمرار في ذلك النهج لأن إرادة الحياة أقوى من إرادة الموت .. وإرادة المظلوم أقوى من إرادة الظالم . إن حدث خروج السجناء ليس بالحدث العادي، ولا يمكن أن نقف حياله من الناحية الإعلامية بنفس موقف السلطة التي تريده حدثا هامشيا لا يحضى باهتمام وسائل الإعلام. فالمحنة التي طالت هؤلاء السجناء لسنوات طويلة هي مظلمة قاسية، تعرضت لها شريحة كبيرة من المجتمع التونسي لم يقم فيها الإعلام الممول بمال الشعب بدوره الأخلاقي، وهي عادته، ونحن لا ننتظر منه تقديم الجديد في هذا الاتجاه . فقد أرادت السلطة عبر فترات متباعدة أن تنهي هذه المأساة التي تورطت فيها بطريقتها الخاصة كعادتها دون أن تعترف للضحايا بحق بل وضعت نفسها موضع الضحية المتسامح النبيل خارج إطار العفو التشريعي العام الذي يعد الإطار القانوني المتكامل الذي يضمن للضحايا حقوقهم المادية والمعنوية . فهل يعقل أن يسرح السجناء ويغادرون السجون في حالات صحية متدهورة قضى بسببها العديد منهم نحبه داخل السجن وخارجه وألحقت بالآخرين نسب مئوية عالية من السقوط البدني والاضطرابات النفسية فعن أي كرامة ..وأي تنمية لشخصية السجين المعاق يكفلها له الدستور كما ورد في مادته الخامسة فهل من لفتة كريمة يا رجال الإعلام المخلصين.. ؟! للقيام بحملة تحسيسية تسخّر فيها أقلامكم لكشف حجم المعاناة وتلفت انتباه رجال القانون والصحافة في العالم إلى سجناء الرأي في تونس للمطالبة بالحقوق المدنية علها ترد لهؤلاء الضحايا شيئا من الحق ..وشيئا من الكرامة ..وشيئا من الاعتبار. لقد كانت السلطة الجزائرية شجاعة كما كانت نظيرتها المغربية واللتان توجهتا بإرادة سياسية واعية وخيار وطني غير محدود إلى اتخاذ قرارات رد الاعتبار لسجناء الرأي في بلديهما والتعويض لهم عن سنوات الحبس وهو موقف شجاع يسجل لهذين البلدين قيمة العمل السياسي الوطني الذي لا يستثنى فيه المعارض للسلطة في الرأي مهما بلغت معارضته من الحصول على حقوقه فان ضاعت في وقت فإنها لن تضيع إلى الأبد والاستدراك لما فات يمكن إصلاحه إن هؤلاء السجناء هم أبناء تونس باختلاف وتعدد انتمائهم السياسي، فالوطن يسع الجميع دون استثناء . لقد حاولت السلطة إلى الآن أن تجعل الأمر ضبابيا وهي تحاول إنهاء موضوع السجناء خارج إطار العفو التشريعي العام الذي نادت به العديد من المنظمات الحقوقية ودفعت بهم خارج السجن دون أي التزمات أخلاقية تجاههم وكي لا تنجح ضبابية الوضع في حجب الرؤيا عند البعض لحقيقة ما يجري من الناحية القانونية وما يهدف إليه الحق القانوني هنا من محاولة الحصول على الحقوق المدنية كتعويض مادي يعود بالفائدة للسجناء دون توظيف سياسي من الجهتين سواء كان سلباً أم إيجاباً لابد إذا من تحديد أداة القياس وأسس التقييم كشرط للتوصل إلى نتائج ملموسة لن يخرج فيها السجناء الطرف الخاسر والمتضرر لأنه الأضعف من الناحية القانونية فان جبر الضعف القانوني لهم يمكن تعويضه بالتحرك الإعلامي المستمر الذي يكشف حجم المعاناة الإنسانية التي تلفت نظر الرأي العام لحجم هذه المعاناة والبحث لهم عن تعويضات مادية ومعنوية وهنا تطرح فكرة استنهاض الهمم لهذا الموضوع الإنساني الذي نعول فيه على إرادة كل المخلصين من محامين وصحافيين وكتاب ومفكرين للقيام بدورهم الطلائعي أمام هذه المأساة بالاتجاه الذي يضمن حركية الملف ما بعد السجن في كلا المستويين الإنساني والقانوني فما ضاع حق وراءه طالب .. فلا نسقط في فخ السلطة التي تريد إنهاء ملف السجناء بإطلاق سراحهم دونما التفات إلى مخلفات سنوات السجن فيقع الصحفي والكاتب والمحامي والمفكر ضمن دائرة التوقف عند مرحلة الإفراج الذي نعده جهدا محترما غير انه يتطلب متابعة لاستكمال إحسان الدور في خدمة هذا الملف الذي لن يتوقف حتى يحصل السجناء على حقوقهم. المكتب الحقوقي والاعلامي لجمعية الزيتونة بسوسرا