إن المتابع للحالة التونسية من خلال بعض مواقع النات هذه الأيام يصاب بالغثيان لما يجده من خبط و خلط و هزان و نفضان في بعض المقالات المتعلقة بأداء الحركة الإسلامية في تونس فالكتابة أصبحت من أجل الكتابة و تسجيل الحضور دون مراعاة للغة ولا للذوق ولا للحياد و لست أدري بم أبدأ. هل أبدأ بإصلاح أخطاء اللغة و الرسم أم إصلاح آيات القرآن التي حشرها البعض دون تثبت و تدقيق. أم مراجعة الأحاديث غير المسندة. أم تقويم فساد الذوق اللغوي. أم تراني أغمض عيني عن كل ذلك لأرد على المغالطات التاريخية و المنهجية الواردة في بعض المقالات . إن الكتابة فن و ذوق و منهجية فمن لا يرى في نفسه تلك الملكة و تلك القدرة لماذا يتجنى على ذوق الناس. و من كانت له ذاكرة ضعيفة أو قصر نظر لماذا يتجنى على التاريخ القريب و صانعوه لا يزالون أحياء يمكن أخذ شهادتهم. إن ما يؤلمني أكثر من التجني على اللغة و الذوق هو التجني على التاريخ و تنصيب بعض الناس أنفسهم حكاما على الناس و الأحداث دون بذل الجهد لمعرفة الحقيقة . لذلك سأذكر ببعض المبادئ العامة التي لا بد من مراعاتها عند الحديث عن أزمة الحركة الإسلامية و السلطة و تقييم أحداث مابعد انتخابات 2 أفريل 89 إن تقييم تجربة ضخمة لا يكون بمقالات منعزلة و متفرقة على النات بل لا بد من توفر أرضية يجتمع فيها أصحاب الآراء المتناقضة و التقييمات المختلفة داخل الجسم الواحد لإتاحة الفرصة للدفاع و الهجوم و هذه الأرضية لا يمكن توفرها و جزء من القيادات والقواعد المسؤولة عن المرحلة لا يزال مسجونا و جزء مهجر و منفي و جزء مسرح من السجن و موضوع تحت رقابة أمنية صارمة . لا بد من اجتماع القيادة و القاعدة في قاعة كبرى بالعاصمة أو على الأقل في كل منطقة حيث يقع تقييم الأخطاء وتحديد المسؤوليات عنها ثم رسم خطة مستقبلية لإعادة بعث النشاط من جديد على ضوء نتائج التقييمات و هذا يستدعي جهدا و صبرا إذ الأشغال قد تتواصل أياما و أسابيع لتمكين كل الفاعلين داخل الحركة من إبداء آرائهم و الدفاع عن أنفسهم من التهم التي ألقيت جزافا على البعض من خلال تصريحات و تلميحات على النات. فيا من تستعجلون التقييم و المحاسبة هل بالإمكان إنجاز ذلك بوطننا اليوم ؟ إن مجرد اجتماع لبعض القيادات المسرحة من أجل صياغة رسالة مبادرة لرئيس الدولة قوبلت بالإستدعاءات و التحقيقات من طرف أمن الدولة ليس في فحوى المبادرة و لكن في جريمة اجتماع غير مرخص فيه لبعض القيادات الباحثة عن حل و مخرج من الأزمة فكيف تراهم يقابلون اجتماع الآلاف للتقييم ؟ عندما بارحت السجن بعد 12 سنة من الإعتقال صادف أن التقيت أحد الإخوة ممن جمعتني به بعض سنوات السجن في السوق الأسبوعية ثم مر بنا أخ ثالث فتوقفنا لبعض الوقت نتجاذب أطراف الحديث فقدم علينا عناصر من أمن الدولة و جرونا لمنطقة الشرطة بالمدينة حيث حرروا ضدنا محضرفي اجتماع غير مرخص فيه و تجديد النشاط ضمن جمعية غير مرخص فيها و أحالوا المحاضر على وكيل الجمهورية الذي رفض الوقائع و أمر بإطلاق سراحنا ففعلوا بعد أن وقعنا على التزام بحلق اللحي و عدم الإجتماع ثانية. فهل في هذا الجو يمكن التقييم و المحاسبة أم تراكم تريدون العودة للعمل السري الذي يتنافى مع حقيقة العمل السياسي و الدعوي ؟ ثم إن عجبي ليزداد حين يتخلى بعض الناس و يتنازلوا عن محاسبة و معاقبة الجلادين و أمرائهم رغم أن جرائمهم واضحة و مما تنكره كل الشرائع و القوانين و المعاهدات و يسارعون للدعوة من أجل محاسبة و معاقبة بعض قياداتهم دون ثبوت التهم عليهم و دون إتاحة الفرصة للدفاع و التوضيح فهم حتى و إن أخطأوا في اجتهاداتهم فعن حسن نية و في إطار إرادة الخير للدين و الوطن و لا أحد يزايد على إخلاصهم لله أو و طنيتهم. من له غيرة فعلية على الإسلام في أرض الزيتونة و يريد النصح للحركة من باب الغيرة و إرادة الخير فليبذل الجهد من موقعه لنصرة هذه القضية و اقتراح الحلول العملية و الموضوعية و المعقولة التي تنظر للأمور بحياد و تبذل النصح الخالص دون سب واتهام فأنا عاجز عن فهم هذا المنطق الغريب عن الإسلام الحركي اليوم. المنطق المكرر حرفيا لمصطلحات السلطة. منطق التغرير الذي نسمعه من حين لآخر، كنا لزمن غير بعيد نسمع السلطة تقول أن الحركة غررت بالشباب و دفعت بهم نحو مغامرة و الآن أصبحنا نسمعه من داخل الصف فهل هي توبة و استقامة و بالتالي ندم على ما بذلنا في سبيل دين الله من أموال و أنفس و ثمرات وإقلاع عن النضال و التضحية ودفع الضريبة و عزم على عدم العودة من جديد للتضحية و البذل؟ . ثم ما معنى التغرير هل كنا قصّرا حتى يغرر بنا ؟ هل أننا أكرهنا على الخروج للدفاع عن و جودنا و المشاركة في سنة التدافع و الصراع بين الحق و الباطل ألم نبايع الله على الطاعة في المكره و المنشط ألسنا نعرف مسبقا هذا الطريق و أنه ليس محفوفا بالمناصب و المكاسب بل بالمكاره و التضحيات ؟ هل ما قدمناه من تضحيات في سبيل الدفاع عن وجودنا و حريتنا و مصلحة ديننا و طننا و شعبنا يضاهي معشار ما قدمه أفضل خلق الله محمد و أصحابه من دماء و آلام حتى يبلّغونا هذا الدين لننعم به الآن؟ بل هل ما قدمناه يقاس بما بذله الإسلاميون في مصر و المغرب و الجزائر و سوريا و الشيشان و الدول الإسلامية في العهد السفياتي البائد و في ألبانيا أنور خوجة من دماء و تضحيات هل حُمّلنا على الخشب و مشّطنا بأمشاط الحديد ما بين لحمنا و عظامنا أم نُشّرنا بالمناشير أم القينا بالأخدود ؟ إني لا أتمنى ذلك ولا أحسب أن قدر الإسلاميين أن يبقوا بين السجون و التعذيب طول حياتهم بل ليس قدرنا أن نخرج من محنة لندخل أخرى فنبقى ندور بين التكامل و التآكل ولا نتقدم . ولكن إذا نادانا ديننا للبذل و اضطررنا للتضحية بأعز ما نملك فلا مجال للمساومة و الحسابات والضن على ديننا ووطننا بالغالي و النفيس وإني أذكّر نفسي و إخوتي بقوله تعالى : " ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون". و قول الشاعر : لا عذر اليوم لمن أُنذر *** وليس أحدنا قد أُجبر وقوله: فطريقنا محفوفة بالشوك بالدم بالجراح و للحديث بقية إن شاء الله في حلقة قادمة نضع فيها مزيدا من النقاط على الحروف و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته 4 سبتمبر 2007