بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف العمل من اجل التغيير في الخطاب الاسلامي بين ثقافة الانبطاح و ثقافة الاصلاح3


بسم الله الرحمان الرّحيم
كيف العمل من اجل التغيير في الخطاب الاسلامي بين ثقافة الانبطاح و ثقافة الاصلاح
كيف المحافظة على الحياة في ضلّ الهوية العربية الاسلامية ونعمة الحريات الشخصية
الحكمة تقتضي ترك عقلية تبسيط الأمور و استعجال النتائج و الاستخفاف بالآخر
لا تنمية اقتصادية و اجتماعية و ثقافية بدون ضمان الحقوقّ في الشغل وااتفكير والتعبيروالتنظّم
(الجزء الثالث)
"واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداءا فألّف بين قلوبكم" (آل عمران 103)
"قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله" (سورة يوسف 108)
باريس في 25 جوان 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس

والدعوة لاية عودة نريد: مريرة حقّا سنوات المنفى والأمرّ منها، أن أرى بعض رفاق الدرب الجميل يكتبون سطور المديح لعودة أصلها ومنتهاها، يحول المناضل مسكينا يستجدي مكرمة جلاده . ققط أريد أذكر الجميع بدون استثناء بان العودة ممكنة بحساب السياسة الآن وهنا، على أن تتوفر شروطها. ونحن قادرون على إنجازها بما نملك من خبرة ، ومن شبكة العلاقات الداخلية والخارجية التي راكمناها بسهر ليال وعمل دءوب.
ان العودة التي نريد أن نعمل لها معا هي عودة تكون ثمرة لمسار نضالي، يبدأ أولا وأساسا بخوض معركة استعادة جوازات سفرنا، ليس عبر الاستجداء وإنما من خلال ديناميكية نضالية عنوانها حقوقيا ونهايتها سياسية.
ندعو الجميع إلى حوار هادئ ومسئول، ليس حول حق العودة الذي لا يناقش فيه ذو عقل سليم، ولكن حول كيفية إنجاز مسار العودة. فالعودة ليست لحظة في ذاتها بل مسار كامل لا بد له من تدبير وتخطيط واستجماع لشروط إنجازه . إن العودة التي ندعو لها تحت عنوان "الحق في العودة لمن يريد ان يعود" والدعوة الى بلورة خطة عملية وميدانية واضحةالمعالم والاهداف لانجاز ما عليه عزمنا العودة ببعدها السياسي والنضالي.
وهذه الفكرة أصبحت اليوم أليفة كل دار، تنتقل انسيابا بين القارات، وتجمع حولها نساءها ورجالها العازمون على عودة من بوابة الشرف، وعلى إيقاع التخطيط الوازن والحكيم، دون تسرع يرميها في مجهول المغامرة.
العودة أيها الصابرون على دفع الثمن، والصامدون أمام غواية عودة العطل، سنعمل لها حتى لا تستثني أحدا وكل من عمل من أجل وطن يسع الجميع، كل هؤلاء يمكنهم أن يعودوا متى شائوا.
يجب أعداد ظروف العودة في ظروف كريمة ، فأما أن يفتح الطريق للجميع، وإلا سنبقى إلى أن يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق أو نلتحق بمن سبقنا غير مبدلين. أيها الأحبة إياكم أن تسترقوا عودتكم بل أجعلوها علنية واضحة ناصعة شريفة في مستوى شرف تضحياتكم وصمودكم الذي حيّر أصدقائكم قبل خصومكم.
الا انّ الناظر إلى تونس بعيون المواقع الإلكترونية للمعارضة التونسية لا تترائى له سوى النقائص المضخّمة و أخبار الإعتقالات و المحاكمات التي تعطي صورة قاتمة عن بلد يرنوا في الحقيقة أكثر فأكثر للإشعاع و نحن نأمل في المساهمة في تغيير هده الصورة القاتمة.
و لعلّ أخطرهذه الأطروحات بعض أطراف المعارضة التي تعتبر أنّه لاوجود " للسياسة" في تونس وتدعوا إلى انتفاضة شعبية تأتي على الاخضر واليابس بعنوان " مقاومة شعبية و مدنية" وهذا التمشي يتناقض مع مفهوم السياسة ذاتها اذ انّ السياسة هي " فنّ إدارة الصراع" و" فنّ الممكن" كما أنه تمشي خطير لأنه قد يدفع بالبلاد نحو فتنة داخلية و يشجّع على العنف و يهدد السلم الإجتماعي للبلد.
إنّ تونس التي نحبّ ان تكون , هي تونس المتضامنة, المتراحمة, المتكاتفة بين أبنائها من أجل مجابهة التحديات المستقبلية صفا واحدا لأن الجميع ماضون و سيبقى الوطن. و تونس المناضلة التي تصارع تحديات العولمة وتشقّ طريقها بثبات نحو مزيد من الرقيّ و الحرية في ضل الثبات على الهوية العربية الاسلامية التي من اجلها ضحّى اجدادنا.
الشهيد عبد الرؤوف العريبي:هذه عيّنة لأحد شهداء الحرية في تونس اذ لا يتّسع المكان للحديث عن جميعهم... اذ ان سيرة الشهيد عبد الرؤوف العريبي يمكن أن تكون موضوعا لكتاب ... لم يكن الرجل صاحب سيرة عادية التحق بالصف الإسلامي عندما نما عوده وإنما كان من الذين ساهموا مع الكثيرين في تأسيس الصحوة الإسلامية بعدما قطع التغريب في بلادنا بقيادة النخبة العلمانية شوطا كبيرا.
ولد سنة 1954الشهيد في ضاحية باردو بتونس العاصمة والتحق بالمدرسة الابتدائية فالثانوية بمعهد خزندار ثم بكلية الشريعة في منتصف السبعينات (75-76).
وقد كانت الجامعة الزيتونية التونسية قبل الاستقلال قلعة للنضال ضد المستعمر وساهمت في حركة التحررالوطني وحولتها البورقيبية إلى مركز لتخريج العلمانيين والماركسيين لتدريس الدين، من أواخر الستينات.
فبعد مؤتمرالاتحاد العام لطلبة تونس بقربة سنة 1971 وسيطرة الدستوريين على اتحاد طلبة تونس ...اتجه اغلب طلاب كلية الشريعة للانخراط في الحزب الاشتراكي الدستوري وكانت قيادة الحزب المتمثلة في محمد الصياح تقوم بزيارات سنوية لهذه الكلية .
في هذا المناخ بدا عبد الرؤوف مع ثلة من إخوانه الطلبة في الدعوة إلى الإسلام وتأسيس نواتات العمل الإسلامي والتصدي للدستوريين والماركسيين معا.
واستطاعت هذه المجموعة الناشطة التصدي للشعب الدستورية ومشاريعها من مثل التصدي لمشروع وزير التربية آنذاك الذي كان يرمي إلى منع الطلبة غير المتفرغين من مواصلة تعليمهم بالكلية والذي تبنته الشعبة الدستورية والتصدي لزيارة مدير الحزب الصياح وهو الذي كان رئيس قائمة الحزب الشيوعي التونسي في الانتخابات والخمسينات وقد ساهمت هذه المجموعة المؤمنة في تناقص عدد المشتركين في الحزب، وتمكّنوا من فرض الآذان والصلاة والدروس.
فقد حضرالمرحوم عبد الرؤوف العريبي المؤتمر التأسيسي للجماعة الإسلامية في صيف 1979 وانتخب عضوا في مجلس الشورى. وفي سنة 1981 حينما قرر بورقيبة شن حملة ضد الإسلاميين الذين قدموا مطلبا للعمل القانوني تحت إطار حزب حركة الاتجاه الإسلامي ، كان المرحوم عبد الرؤوف من جملة العناصر القيادية التي نشطت أجهزة الأمن في البحث عنها مما اضطره للتخفي ومغادرة البلاد مع أهله بعد محاكمته غيابيا أمام المحكمة الابتدائية في سبتمبر 1981 بثماني سنوات سجنا .
استقر عبد الرؤوف طيلة هجرته ببلجيكا مع عائلته حيث لم تسعفه السلطات البلجيكية عق اللوء السياسي وبمجرد تطور الأوضاع التي أدت إلى الإفراج عن القيادة في أوت 1984 كان عبد الرؤوف من جملة العائدين والمشاركين بحماس في العمل الإسلامي حيث كان عضوا في المؤسسات القيادية ( مجلس الشورى ، مكتب العلاقات الخارجية، مكتب التربية والتكوين...)
ووجد المرحوم عبد الرؤوف نفسه من جديد مطاردا اثر الحملة التي شنها النظام البورقيبي في ربيع 1987 على كل المنتمين للتيار الإسلامي ، مما اضطره للتخفي وساهم في المسك التنظيمي والمحافظة على المكاسب في تلك اللحظات الرهيبة التي مرت بها البلاد ، وبعد مؤتمر 1988 كان عبد الرؤوف عضو في مجلس الشورى للحركة ، وبقي في موقعه ذالك مساهما بالرأي والعمل في دوائر متعددة إلى أن وقع إيقافه في بداية ماى 1991 عندما قرر النظام حملته الاستئصالية لحركة النهضة ولكل مكونات الصحوة الإسلامية كان عبد الرؤوف من جملة أعضاء مجلس الشورى العام الذين وقع الإعلان عنهم في بداية شهر جانفي 1991...
فقد ركز عليه التعذيب بشكل رهيب وهو صاحب العود الرقيق حتى سقط شهيدا رحمه الله...
لقد تعرضت منظمة العفو الدولية في تقريرها الصادر في أواخر سنة 1991 إلى ظروف وفاة عبد الرؤوف العريبي فقالت : " وقع إيقافه يوم 3 ماي 1991 ووضع في السر حتى تاريخ وفاته يوم 26 او 27 من نفس الشهر فقد أعلمت السلطات أقاربه بان مات اثر سقطة قلبية ولم تستطع عائلته تسلم جثته إلا فجر 28 ماي 1991 ووقع جبرها على دفنه مباشرة ، لم يتصل أقاربه بأي تقرير تشريح ولا اى شهادة طبية تحدد أسباب الوفاة.
أين هذا التذكير من مطالب اللحظة :قد يعتبر من يدعون دون جدوى إلى طي صفحة الماضي وفك الاشتباك والمصالحة الوطنية والابتعاد عن الخطاب المتشنج وغيرهم الا أن مثل هذا التذكير لايخدم مطالب اللحظة بل قد يكون المطلوب عند البعض الآخر هو تجاوز الماضي والتوجه نحو المستقبل .
إن أول شرط من شروط المصالحة هو رد المظالم ولايمكن لعاقل أو مراقب موضوعي أن يقول أن الذي تضرر من المواجهة التي خاضتها السلطة مع الاسلامين منذ بداية التسعينات.
بل أن الذي تضرر ودفع الضريبة غالية هم أبناء الشعب من الإسلاميين اذ كان ذنبهم الوحيد أنهم رفعوا مطلب الحريات وحاولوا فرضه نيابة عن المجتمع بالطرق السلمية.
أن بداية الحل للمشكلة تبدأ بإفراغ السجون ممن تبقي ممن يقبعون منذ قرابة العشريتين وإعلان العفو التشريعي العام والتحقيق في التجاوزات التي مارستها الأجهزة الأمنية ولايخفى أن العديد من عناصرها كان ومازال يقودها الحقد الإيديولوجي ومبدأ التصفية الجسدية للإسلاميين أكثر من حرصهم على تطبيق القانون على الجميع وهذا التحقيق ليس للانتقام وإنما تجلية الحقائق وردّ المظالم.
وبعد ذالك من حق القائمين على الحق الشخصي في مناخ من الأمن والعدل أن يعفو ويتركوا الأمر بمنطق الإيمان للعادل الذي لاتخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
أما أن نجعل الشرط الأول للمصالحة هو مزيد من تنازل الضحية على الحقوق إلى حد الولاء الكامل للسلطة بإعلان التوبة والتخلي عن الاهتمام بالشأن العام فذالك منطق لايقبله عاقل. إن الإسلاميين مطالبون بتقييم مسيرتهم تماما مثل كل التنظيمات الجادة هذا التقييم لابد ان يشمل الأفعال والأفكار والرجال.
وما أحوج الإسلاميين لأن يكونوا مثالا في تحمّل المسؤولية والصراحة والصدق والجرأة إذا كان القصد "إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت" "وما أبرّئ نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء".
ولكن هل أن شروط التقييم الحقيقي متوفرةفي الوضع الراهن و لقد أنجزت حركة النهضة تقييما داخليا في بداية التسعينات ونشرت جزء منه وقد لامس بعضا من الأفكار والأفعال ولكنه توقف عند تقييم الأشخاص بفعل المحنة التي كانت تحيط بالكثير من رجالات الحركة .
ومن حين لآخر تصدر كتابات لإسلاميين يتناولون فيه هذا الموضوع يحاولون فيه تقييم أداء القيادة السياسي . وآخر من يعمل على فتح هذا الباب هو الرئيس السابق الدكتور الصادق شورو الذي مازال يدفع ضريبة الحرية إلى اليوم الناس هذا.
إن التقييم الحقيقي والشامل هو الذي تنخرط فيه كل فعاليات الحركة الإسلامية والقوى الوطنية في مناخ من الحرية والشفافية في داخل البلاد. أما ما دونه فيبقى تقييما يتضمن أقدارا من الذاتية ويعبر عن وجهة نظر فئة أو مجموعة أو شخص ولذالك فالكثير من الأحداث التاريخية قد لا تبرز حقيقتها إلا بعد جيل أو جيلين.
من يرد المظالم:حينما تختلط الأوراق ولم يعد للمنطق أي معنى تبدأ الرهانات لرفع المظالم فهل يمكننا أن مراهن على القوى الدولية، او على النخبة اوعلى الشعب صاحب الشرعية. ولكن ها قد مرت قرابة سبعة عشر سنة على المواطن المسلم التونسي لم يكن له من طموح سوى أن تعيش بلاده في تناغم مع تاريخها وهويتها التي عبر عنها الفصل الأول من دستور البلاد.
والقضية التي رفعها أفراد عائلة المرحوم عبدالرؤوف العريبي لم تعرف طريقها الى العدالة وهولم يعرف عن هذا الرجل انه حمل سلاحا ولا اعتدى على احد. الأستاذ عبد الرؤوف العريبي الذي عرفته في مطلع الستعينات اذ كنا نلتقي اسبوعيا في بيت شيخنا محمد الصالح النيفر مساء كل سبت. فقد كان رحمه الله، فوق كونه أستاذا للشريعة و أصول الدين، مثال المناضل الصادق، الجامع بين مبدئية المواقف و سعة الثقافة و رهافة الحس و التفتح الفكري و التوق الدائم إلى التجديد.
عرف المرحوم المنافي الأوروبية و هو في العشرينات من عمره، وكان آخر لقاء لي به ليلة سفره من بروكسال الى الاراضي التونسية اذ كنت آنذاك غير مقتنع بشروط العودة اذ كنت ارىان العودة لا بد ان تكون جماعية او لا تكون الا بعد الاعتراف الرسمي بحركة الاتجاه الاسلامي. ولقد اثبت التاريخ ان النظام غير جاد في التعامل مع الملف الاسلامي ولا أظنه سوف يتغيّرقريبا.
و بعد عودته إلى أرض الوطن عانى المرحوم عبدالرؤوف العريبي من التضييق و حُرم من الشغل و من حقوقه المدنية، دون أن يفت ذلك في عضده أو يدفعه إلى التخلي عن اتزان أفكاره و اعتدال سلوكه.
لقد فُجعت بوفاته في تلك الظروف القاسية؛ و لا أزال أشعر أنني فقدت بغيابه أخا عزيزا، و أن البلاد قد خسرت بفقدانه و صحبه الذين توفوا في ظروف مشابهة نخبة من خيرة أبناء الوطن الحبيب وأخلص الكفاءات الوطنية. رحمهم الله جميعا ولقد كان الحدث قاسيا على جميع الذين عرفوا هذا الرجل وعاشروه... فلعل هذه التذكرة تساهم في التعريف بالمظلمة التي عاشتها عائلته وكل أبناء التيار الإسلامي وتذكرنا أيضا بواجب الدعاء لكل الذين قضوا نحبهم من اجل قضية الإسلام والحرية في بلادنا.
الا أن العودة السياسية هي التي تدفع الخصم إلى التفاوض، وقد يفاوض على استثناءها لسبب ما وعلينا أن ننتبه إلى ما هوممكن، ونستعد له. الرأي عندي وقد أخطأ لا عودة باستثناء فأما أن نطوي نهائيا صفحة مِؤلمة في تاريخ البلاد، وإلا فالمعركة متواصلة ولكل حدث حديث.
المحاسبة أوّلا:انه من الضروري تحديد المسؤولية اولا قبل ان نجدد العمل مع المغامرين الذين قادوا المواجهة من مواقع متقدمة جدا واوصلونا الى طريق مسدود لا زلنا ندفع ثمنه من غير نشارك معهم في صنع القرار وهؤلاء يعرفون انفسهم واللبيب بالاشارة يفهم.
لقد آلت حركة النهضة التونسية في مستوى الكثير من رسمييها حركة سياسية تحافظ اضطرارا وشكليا وبأسلوب تلفيقي ومفتعل على هويتها ، وتراوح بين خيارين سياسيين في داخلها.
الإشكال الأوّل البيان هو إشكال الحرية ، في حين أن الإشكال الثاني هو إشكال الهوية الحضارية ، بين أن نستمسك بهويتنا الحضارية الإسلامية وتتجدد في إطارها ، وبين أن تتحول إلى الهوية الغربية العلمانية بالتدرّج وتدخل هويتنا الأصلية إلى التراث الذي يمكن أن نحافظ عليه ونتزين ونتغنى ببعضه بأسلوب الانتقاء وحسب المقام والاقتضاء.
وهذا ما تقول به السلطة والغرب على السواء . و مثل هذا الخيار الذي لم ينجح الرئيس السابق في تحقيقه طول حياته هذا الخيار الغير الشعبي يفرض بالضرورة بالاكراه والقمع والاستعباد، مما يولد عن هذا الإشكال الأصل : الهوية، إشكال الحرية.
فالسؤال المطروح الآن هو هل يُضيّع الإشكال الأصل ويؤسس على المتولد ؟
وهنا نستنتج و نلاحظ منذ بداية التسعينات انزلاق حركة النهضة وكرسه بعض إخواننا في غيبة الكثير من مؤسيسيها و أعضائها ، من حركة بعثت من أجل الحفاظ على الهوية إلى إختزالها في حركة من أجل فرض الحرية وبالمضمون السياسي .
إن الأمر أصبح يقتضي بنا الآن قبل الغد العودة إلى أصولنا وجذورنا وإلى حقيقتنا، وإلى التذكير بها والاحتكام إليها.
إذ ان الحركة الإسلامية التي عرفت بالجماعة الإسلامية بتونس، ثم الاتجاه الإسلامي حسب التعريف السائد في الجامعة التونسية في اواخر الستينات، ثم حركة النهضة في اوخر الثمانينات، بدأت بأقدار كبيرة من العفوية والتلقائية والفطرية، وكان همها ومشروعها وهدفها الإسلام ، والدعوة بالكلمة الطيبة والخطاب والمقال الصحفي من اجل التمكين للاسلام في تونس.
وأما مضمونها فكان يدور حول ال خالقنا أولا- كما تُعَرّفنا به أسماؤه الحسنى- هو ربنا ومولانا، وهو غايتنا في كل شأننا وعملنا. والقرآن باعتباره رسالة ربنا إلينا وإلى كافة التونسيين والناس أجمعين لتكون دستور حياتنا ، حاكمة ومهيمنة على كل المراجع الأخرى. وكذلك سنة نبينا باعتبارها منهاجنا المرشد في فهم رسالة ربنا وفي تطبيقها. و لا نغفل عن المجتمع والمحيط الذي نعيش فيه لان دعوتنا هي دعوة ربانية و واقعية يعني بشؤون المجتمع للتأثير فيه بالحجة وبدون اكراه.
و حيث أن “كل من أخطأ عليه أن يتوب"، وهي بشرى للمذنبين في حق الأمة الاسلامية والشعب التونسي بأكمله ومعبرة. وهي معبرة على خيرية يكتنزها العاملون بهذه القاعدة سواء أكانوا أفرادا أو جماعة كما نص عليه الحديث النبوي الشريف:”كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون". وهذه خيرية لا تنقطع في المسلمين وفي الأمة ، وهي خيرية راجعة إلى الله، ذاكرة، عابدة.
وهذه النتيجة هي مبشرة بعزم على التصويب والتقويم والتصحيح. وفي هذا تطهر وتزكية وإرجاع الأمور إلى نصابها في ما مضى من عمل بما في ذلك ما تعلق منه بحقوق الناس. ومثل هذه التزكية وهذا التطهر وهذا التقويم هام وضروري جدا لتجديد الإنسان (أفرادا وجماعة) نفسه وإيمانه ومسيرته.)
وأنا أضمّ صوتي لمن دعى ويدعو حركة النهضة إلى التوبة، فهي أحوج ما تكون إليه، وضرورة شرعية لها ، بعد الذي وقعت فيه من انزلاقات، ومنهجا للخروج مما تعيشه من شدة وبلاء، مصداقا لقوله تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب".
هنا الدعوة إذن حركة النهضة إلى المراجعة والتوبة، وأدعوها أن تكون قدوة في ذلك للتونسيين أفرادا وجماعات، وأن تجعله منهج عودة إلى الله ، ومنهج تصحيح وتقويم، ومنهجا للاستنهاض والخروج من الشدة والبلاء. قال تعالى :(الم يان للذين امنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) (سورة الحديد ، آية 16 )

وللتوضيح فان المحاسبة ليست دعوة لنشر الغسيل في الاعلام او عبر الفصائيات ولكن في داخل الاطر التنظيمية للحركة بعد ارجاعها الى موقعها الاصلي في الداخل بالدعوة الى عقد مؤتمر خارق للعادة للشفافية و تحديد المسار والخيارات و استخلاص العبر و الدروس من الاخطاء السابقة على اعتبارها اجتهادات غير صائبة.
اقول لهؤلاء كيف تكون لكم الجراة والشجاعة وتتحدثون باسم حركة النهضة بعدالكارثة والمصيبة التي حلت بها من جراء اندفاعكم واستهتاركم بقوة عدوكم وتغريركم بخيرة ابناء هذه الحركة التي تاسست على التقوى والعمل الصالح باستغلالكم لرصيد التربية الذي تعلمناه في الخلايا التربوية والمبني على السمع والطاعة في المنشط والمكره والثقة الا متناهية في القيادة .
ارجاع قرار الحركة للدّاخل ثانيا:كيف نطوي صفحة الماضي واخوان لنا مازالوا يؤنون في السجون امثال نجيب الواتي والدكتور الصادق شورو التقي الزاهد والمتواضع ونورالدين العرباوي المثقف الرقيق ورضا البو كادي الذي يتصارع مع المرض شفاه الله وعافاه وغيرهم كثير.
ادعوكم ان لا تمنوا علينا ولاتقارنوا الايام التي قضيتموها في السجن قبل 87 هي سجن بل هي نزهة مقارنة بما قاصاه ويقا صيه الاخوة الى حد الان.
لا تنسوا القهر والاذلال والخصاصة التي لحقت الاخوة المسرحين وعائلاتهم المسجونين في السجن الكبير امثال الصرح الشامخ الدكتور منصف بن سالم والحائز على اكثر من دكتوراه ويبيع في الخضر. لا عيب في امتهان التجارة فقد كان الانبياء يسرحون بالابل والغنم وهي افضل من التقاف فتات الوظيمة العمومية.
والاخ صالح بن عبد الله هذا التقي الورع والذي دائما يذكرني بابي ذر الغفاري وهومن اوائل خريجي المدرسة القومية للادارة هذا الاخ الفاضل اصبح بائع خضر فلا ضيران نمتهن مهنة الحدادة او النجارة اومقاولة البناء او الفلاحة او الخدمات.ان علينا ان نهتم بالمهن الحرّة التي بها يحقق المرء الكفاف والعزّة والكرامة.
وهل لنا ان ننسى الاخوة الشهداء الذين قضوا نحبهم تحت التعذيب والذين استشهدوا جراء الاهمال المتعمد داخل السجون اذا نسي القائمين في المهجراو تناسوا فها نحن نذكرهم اليس كل هؤلاء ضحايا شطحاتهم وغرورهم الاعمى وسيلسلت الهروب الى الامام . الذين قادوا مرحلة المواجهة كنتو لا زلت مختلف معهم على الدوام في اسلوت التغيير ولم انازعهم الامر. هؤلاء هم جزء من هذا الماضي التعيس واول شر ط من شروط نسيان الماضي هو ان يستخلصوا العبرة و يسلموا الامانة الى اهلها لانهم لو يكونوا اهلا لها.
ندعوا هؤلاء ان يستفيدوا من الغرب الذي منحهم ملاذا آمن كيف يمارسون الديمقراطية كل قيادة حزب تخوض انتخابات وتحقق نتائج سلبية الا وتنسحب من الساحة.
بل يكفيهم ان يتعلموا من غيرهم في الساحة التونسية الم ينسحب الاستاذ احمد المستيري من الحياة السياسية اثر هزيمته النكراء في انتخابات 1989 اين العزة والكرامة والشهامة لهؤلاء الذين بعطون الدروس لغيرهم في الفضائيات.
ان ذكر اسمائكم او سماع اصواتكم تحظر امام اعيننا سنين الجمر انظروا الى واقع الحريات بالبلاد كيف تاخر خمسين سنة الى الوراء كان الاحرى بكم ان تكون لكم الشجاعة الكافية وتعلنوا مسؤوليتكم وتطلبواالعفو من الله أولا والاعتذار من الاخوة وتنتظروا حكم الله والتاريخ .
الا ان تركزوا في كتاباتهم على سيرتهم الذاتية البطولية واقناعنا ان القواعد هي من دفع الى المواجهة وان القيادة كانت مضطرة للسير وراء القواعد مقارنين ما وقع لنا لما وقع في غزوة احد عندما اضطر الر سو ل صلى الله عليه وسلم لقبول راي اغلبية الشباب الحديث العهد بالاسلام والمتشوق للجهاد رغم ان الذي وقع عندنا هو العكس فالقيادة هي التي نز لت الى الجهات لاقناع القواعد ان الحركة ومشروعها مهددان في الصميم .
وان معركتنا المرحلية هي فرض الحريات وان القيادة هي التي ستحدد توقيت المعركة وحجمها ونسقها وما على القواعد الا ان تكون جاهزة ومتحمسة ومتحفزة الى كل ما يطلب منها .
اما اخواننا الذين استقالوا او انسلخوا او جمدوا وضعيتعم والان يريدون الرجوع من النافذة بتنصيب انفسهم واعضين سياسين دافعين البعض الى تحبير مقالات او اجراء بعض الحوارات تذكرنا بتاريخهم الناصع وبطولاتهم او كتابات مقالات بانفسهم تتحدث عن الاعتدال والتسامح مساوين بين الجلاد والضحية و يتناسون دورهم في هذه المأساة.
فالحركة الآن مقسمة الى ثلاث اجزاء:جزء في الغربة منذ اكثر من20 سنة ترعرع اولاده وكبروا بعيدين عن وطنهم عن اهاليهم يحملون جنسية البلد الذي يقيمون فيه وكلما قام تنظيم القاعدة بعملية الا ووجدوا انفسهم يدفعون الثمن بالوكالة يعيشون بين حلم العودة او الرجوع في توابيت في ارض رفضت استقبالهم احباء فاستقبلتهم جثثا هامدة. وجزء ثان مازال في غياهب السجون نسأل الله سبحانه وتعالى ان يعجل بسراحهم. وجزء ثالث خرج من السجن الصغير الى السجن الكبير محاصرا سياسيا واقتصادبا واجتماعيا وسلطة متربصة بكل من تحدثه نفسه بتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها وهي عدم الاهتمام لامن قريب ولا من بعيد بالشان العام وما الاستدعائات والتحقيقات الاخيرة مع كل من الاخوة علي العريض وعبد اللطيف المكي والصحبي عتيق و عبدالله الزواري وغيرهم كثير......الخ
و صدق الله العظيم اذ قال:"واما الزبد فيذهب جفائا واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض " صدق الله العظيم.
الإشتباك في طريق الفك .. ولكن الميزان الدولي حاضر ومنخرم. صحيح أن الإشتباك طالت آثاره أكثر من اللزوم حتى أضحت تونس إستثناء عربيا وإسلاميا في عين الدوائر الحقوقية والإعلامية شرقا وغربا .. ولكن عزاؤنا فيه أن الحركة جنبت البلاد صراعا دمويا قذرا تلطخت به الجزائر من حولنا وبلدان عربية وإسلامية أخرى.
إلتزمت الحركة بمقولة " كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل ". يستوي الآن في ذلك درء لنازعة جدل عقيم أنها كانت عاجزة عن إشعال نار الفتنة أو أنها تجرعت كأس الموت المر بصبر. العبرة بالنتيجة وهي أن تونس ظلت قابلة لطي صفحة إشتباك لم تسل فيه الدماء إلا دماء المساجين الذين عذبوا حتى الموت أو الذين منع عنهم الدواء حتى قضوا .. إشتباك مازالت فيه حلقتان مهمتان جدا : خروج المساجين القابعين منذ عقدين كاملين تقريبا وعودة المنفيين الرابضين منذ أزيد من ربع قرن وأدنى من ذلك بقليل.
حلقتان جديرتان بالفك بين يدي محطة 2009 الإنتخابية وما يلي ذلك ويستتبعه يندرج ضمن المغالبات التي تجمع السلطة بالمعارضة في كل بلد عربي أو غربي ديمقراطي أو إستبدادي.
إن مما يبطئ فك الإشتباك بأقدار معتبرة بما يبعث على القلق حقا ليس هو المستوى المحلي الوطني بما فيه من قوى غير ديمقراطية ولكنه المستوى الدولي الذي يتميز حيال قضية الحريات في تونس بميزتين كبيرتين : أولهما أنه مستوى نافذ فينا نفاذا كبيرا وثانيهما أنه منخرم بالكلية لصالح الإستبداد والدكتاتورية
بعض المهجرين يعتبر قضية التهجير ثانوية مقارنة بقضية المساجين وأنه ينبغي التركيز إعلاميا على هذه الأخيرة وعدم التشويش عليها بملفات أخرى. كلمة حق أريد بها تبرير عجز. صحيح أن قضية المساجين السياسيين ذات أهمية قصوى وهي تستوجب تضافر الجهود السياسية والإعلامية من أجل التعريف بها في جميع المحافل المحلية والدولية."
من التهميش إلى الموت البطيء:واننا بهذه المناسبة لا يسعنا الا ان نأدي تحية اكبار واعتزاز لهؤلاء الذين يصارعون العواصف والزلازل والرعود ابتغاء مرضاة الله تعالى ووفاء بعهده واحتراما لميثاقه الغليظ وصدق الله العظيم اذ قال في سورة القصص: " وربّك يخلق ما يشاء و يختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما يشركون" (القصص - 68) و قد كان امر الله هو وحده الذي اختار فهو المعين و الهادي الى سواء السبيل و لقد بشّرهم الحق ّفي سورة الدخان فقال : "ولقد اخترناهم على علم على العالمين" (الدخان - 32) و عليهم بترقب فعل الله و هو القاهر والمرتقب فعل الظالمين " فارتقب انهم مرتقبون" (الدخان - 59) و سوف يتولى الله هلاك الطغاة والجبارين و لن ياسف عليهم احد و ما دام ذلك الا بالصبر و تحمّل مشاق و تجبّر الفراعتة في كل زمان ومكان وبذلك يصدق قول الله فيهم في سورة الصافات اذ قال : " ونجيناه واهله من الكرب العظيم وجعلنا ذريته هم الباقين" (الصافات – 76 و 77)
فتحية و احترام جبال الصبر لان صبر الرجال ليس صبر لذلة على الأذى ولكنه صبر على الجهاد الدعوي و على مكاره الفتن والظلمة. فمنذ ما يقارب العشرين عاما بدون انقطاعثلّة من المساجين السياسيين يقبعون في السجون ويعانون الذل والهوان وهم السادة الصادق شورو و اخوانه ابراهيم الدريدي و رضا البوكادي و نورالدين العرباوي و عبدالكريم بعلوش و منذر البجاوي و الياس بن رمضان و عبد النبي بن رابح و الهادي الغالي و حسين الغضبان و كمال الغضبان و منير الحناشي و بشير اللواتي و محمد نجيب اللواتي و الشاذلي النقاش و وحيد السرايري و بوراوي مخلوف و وصفي الزغلامي و عبدالباسط الصليعي و الصادق العكاري و هشام بنور و منير غيث و بشير رمضان و فتحي العلج و غيرهم كثير . نسأل الله لهم وللصحفي سليم بوخذيرو لجميع رجال الاعلام الصادقين في كل مكان وللمئات من الشبان الذين تتواصل حملات الإيقاف و الترويع لهم منذ أكثر عامين فرجا قريبا عاجلا
وأعتبر ظهورظاهرة التيار السلفي بهذا الشكل هونتيجة منطقية لمحاربة الظاهرة الدينية على إثر ضرب الحركة الاسلامية في التسعينات وهي رد فعل على محاصرة الإسلام وغلق المساجد و مضايقة النساء المتحجبات ونشر خطاب ديني رسمي لا رائحة له ولا طعم بعيد عن قضايا المجتمع و الأمة وهو رد فعل على محاولات العلمنة التي لم تعد خافية على أحد ... هذه العلمنة التي تجاسرت على الإسلام واهله في ظل وضع دولي معاد للأمة الاسلامية وخاصة في فلسطين و العراق وأفغانستان ولبنان فبحث الشباب عن دينه في الانترنت و الفضائيات والمشائخ .
والحركة الاسلامية التونسية لحما ودما هي قادرة على تأطير هذه الظاهرة السلفية وترشيدها نحو الوسطية والاعتدال لو توفر مناخ الحرية في المجال الدعوي . أما عن مكاسب الحداثة والتنمية فإن الاستبداد وخنق الحريات والإمعان في احتكار السلطة هو أخطر ما يهدد البلاد.
إن إعلامنا الرسمي يقدم المعلومة الموجهة وغير الدقيقة, ولعل ما تقدمه وكالة تونس إفريقيا للأنباء خير دليل على ذلك إذ مازالت المعلومة تقدم قطرة قطرة خاصة في الأحداث الهامة، وتكون في غالب الأحيان دون دقة بل وتجانب الواقع في العديد من المناسبات مع إقصاء ممنهج للرأي الآخر.
وإضافة فقدان الثقة في المعلومة التي تقدمها صحافتنا، تم خلق حالة من الفراغ في مجتمعنا عبأتها مظاهر خطيرة مثل الجريمة واللامبالاة والتطرف لذلك فإنه من الأكيد أن يتم تحصين مجتمعنا عبر بوابة الإعلام بقيم العلم الشرعي والتقدم والحداثة.
إن المطلوب اليوم تجاوز الخلافات السياسية في طابعها العدائي من أجل تفعيل قيمة التضامن الوطني باتجاه الاستيعاب الناجع للمشاكل والتحكم الأكثر نجاعة وسيطرة على القضايا والمعضلات المزمنة والمستفحلة
ايمانا منا بنبذ الصراع الطبقي وكذلك الصراع بين الاجيال اذ اننا نأمن بالتكامل والتكامل و التضامن بين جميع مكونات المجتمع فقيرها وغنيّها كبيرها وصغيرها القويّ فينا يحمي الضعيف والغني فينا يساعد الفقير والقويّ فينا يأخذ بيد الضعيف.
فالمطلوب، الكف عن مصادرة حق الفئات الاجتماعية المتضررة من ديناميكيات التجويع العالمية بتعزيز السياسة الاجتماعية وتطوير آلياتها التضامنية وتوسيع مظلتها الحمائية وتنويع أشكالها بالقطع مع الخطاب الحزبوي لأنه لا يليق بشعب يحب الحياة ولنفتح المجال لخطاب تضامني يصالح بين المجتمع والدولة ويجمع الطاقات في مواجهة التحديات.
ومن الحكمة والفقه الحسن ومن الوعي والإدراك للحظة التاريخية وللمعاناة التي يعيشها شعبنا وعظم المسؤولية الملقاة علينا قبل غيرنا في هذه المرحلة التاريخية بالذات لأننا أصحاب رسالة واصحاب قضية وعلينا بالاحتساب الى الله العلي القدير والصبر والمصابرة والمرابطة. وصدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: "يا ايها الذين آمنوا اصبروا و صابروا و رابطوا و اتقوا الله لعلّكم تفلحون" (آل عمران - 200) اذ نحن نأمن و ندعو على الدوام الى المصالحة والمصارحة وفكّ الاشتباك بين الجميع والحوار وبالحوار فقط يمكننا ان نتخطى الصعاب مهما كبرت وشعارنا "يسعى بذمتهم ادناهم وهم يدا على من سواهم".
و صدق الله العظيم اذ قال في سورة آل عمران: "ولتكن منكم أمّة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" (آل عمران 104) و قال تعالى "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل:97). و الله هو الهادي إلى سواء السبيل لا رب غيره و لا معبود سواه
باريس في 25 جوان 2008
بقلم : عبد السّلام بو شدّاخ، احد مؤسسي الحركة الاسلامية في تونس
المصدربريد الفجرنيوز


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.