: كتب زميلي وصديقي المحترم الأستاذ برهان بسيس هذا اليوم الخميس مقالا لافتا للانتباه على صدر صحيفة الصباح التونسية , ومن باب ايماننا العميق بقداسة حق الرأي المخالف في الوجود ومن باب ايماننا بثراء وجرأة الفكرة التي يقدمها زميلنا وصديقنا المشاكس الأستاذ بسيس فقد قمنا باعادة نشر المقال المشار اليه على صدر صحيفة الوسط التونسية. المقال المذكور سبقني بالتعليق عليه قبيل ساعتين صديقنا وأخونا مدير شاشة المستقلة الزميل محمد الهاشمي الحامدي , والذي نغتنم هذه الفرصة من أجل التنويه بعودته من جديد الى تناول قضايا الوطن في برنامجه الجديد فضاء ديمقراطي داعين الله سبحانه أن يلهمنا واياه التوفيق لما فيه خير تونس وشعبها وخير الأمة واستقرارها ورفاهها. وبالعودة الى منطلق حديثنا الأول فانني أود التذكير بأن الاطلاقية في الأحكام والتعميم في تصنيف الناس يعد من الأمور الشائعة بين العامة , أما وانها تصدر من الأخ الفاضل برهان بسيس فانني لأستغرب هذا الأمر وأعتبره سقطة صادرة تحت ضغط الوقت والمكان وربما تسريبة من تسريبات خلفية موروثنا الايديولوجي . وحتى لاأتجنى على الأستاذ الكريم فانني أذكر بانه قد أصاب في موضع وأخطأ في اخر حين اعترف بوجود اسلاميين ديمقراطيين على الصعيد الفردي ,فكتب قائلا في مقاله المنشور على الصباح هذا اليوم الخميس 6 سبتمبر 2007 : "قد يوجد اسلاميون ديموقراطيون كأفراد - وهذا مرتبط باشياء أعمق من قضايا الاعتقاد السياسي منها التنشئة العائلية ومستوى الفكر والمعرفة ومحتوى المزاج وسلوك الشخصية " , أما عن مجال اعتراضنا الجزئي وهو مانعتقده مجال خطأ زميلنا بسيس فهو ماأورده في سياق مباشر ولاحق حين تطرق الى الحديث عن ظاهرة الاسلام السياسي : "ولكن الإسلام السياسي كظاهرة حزبية ومشروع جماعي محكوم بحتمية آلياته الإيديولوجية ومنطق انسجام نسقه بالمآلات المؤدية إلى الاستبدادية ومصادرة الحرية والاختلاف، يكفّر الإسلامي المتطرف خصومه بالسلاح ويكفّر الإسلامي المعتدل مخالفيه بالفكرة وليونة التواصل عبر النقاش عدى عن مناورات التراجع في مرحلة الضعف والاستعداد لقبول كل المراجعات بما فيها أحيانا التصالح مع الشيوعية - ان اقتضت المصلحة ذلك - أوالتشدد والغرور والانتفاخ النرجسي لملاك الحقيقة كلما كانت موازين القوى لفائدته ورياح الظرف تهب لصالح مراكبه." ماأود قوله في هذا الموضع هو أن تشخيص الأستاذ بسيس لم يكن خاليا تماما من ملامسة الحقيقة , حيث لم تخل الساحة من اسلاميين يكفرون بالسلاح ,وقد عرفت الظاهرة الاسلامية القديمة والمعاصرة نماذج لذلك , غير أن هذا المسلك المتطرف في معالجة قضايا الاختلاف الفكري والمذهبي والسياسي لم تخل منه الفلسفات الدينية والسياسية الكبرى , اذ وجد على مدار التاريخ مسيحيون متعصبون كما وجد الى جانبهم اخرون معتدلون راسخون على خط الحوار الديني والمذهبي , كما وجد يهود شوفينيون الى جوار اخرين مؤمنين بالتعايش السلمي وحق الشعوب في تقرير المصير .., أما عن المذاهب السياسية والتيارات الفكرية الكبرى فقد عرف العالم الحديث ماركسيين ثوريين تبنوا العنف الثوري في تصفية الخلافات داخل دولهم ومجتمعاتهم وجامعاتهم , كما عرف اخرين نقديين وعقلانيين تبنوا نهج التدافع الفكري والثقافي والديمقراطي كبديل عن منطق التكفير السياسي ومايتبعه من سلخ في مخافر التعذيب ..., وهو ماعايشته التجربة الليبرالية أيضا من خلال انقسام المجتمع الليبرالي الى خصم لاديمقراطي مع فرقائه الشيوعيين وتيار اخر امن بالحداثة والحرية والديمقراطية للجميع ... أما عن موضوع الاسلام الديمقراطي فهو ظاهرة بشرية لاتخل هي الأخرى من التنوعات والتفرعات , واذا كان من البديهي معرفتنا بوجود أحزاب وجماعات اسلامية تؤمن بمنطق العنف في تصفية الخصومات الدينية والسياسية كما هو حاصل اليوم في باكستان وأفغانستان أو في وقت سابق في مصر والجزائر , فان الساحة العربية ومحيطها الجغرافي لاتخل من أحزاب مدنية تجديدية ذات خلفية أو مرجعية اسلامية تتأقلم مع متطلبات العصر وتفي بمقاصد الشريعة وتنفتح على مجتمعاتها المحلية كما مجتمعها الدولي , ولاأظن بهذا الصدد أن تجارب العدالة والتنمية في كل من تركيا والمغرب الأقصى الى جانب حزب البديل الحضاري وحزب النهضة والفضيلة المغربيين أو حركة مجتمع السلم في الجزائر الى جانب حركة الاصلاح الوطني وحزب الأمة الا تعبيرات عن ذلك , أما عن بقية التيارات الاسلامية العربية فهي أيضا لاتعدم وجود أجنحة معتدلة داخلها لا تؤمن بتوظيف النص الديني لغايات سياسية رخيصة , بقدر ماأنها ترى في المشاركة السياسية الاسلامية مساهمة فعلية منها في اصلاح مجتمعاتها وتطورها ونمائها على الصعد كافة . أن ادعاء زميلنا بسيس بانعدام الفوارق بين الاسلاميين المعتدلين على الصعيد الحزبي مع خصومهم من أصحاب الطروحات المغالية المشوهة لصورة الاسلام , ليدعو بشكل أو باخر الى "نسف واعدام " الاف الدراسات العلمية والسياسية والفكرية والأكاديمية الصادرة عن مراكز البحث في أبرز العواصم والمدن العالمية وحواضر الغرب بخصوص التيار الاسلامي , وهو لعمري من المسائل التي أدعو صدقا وتقديرا واحتراما الزميل بسيس الى مراجعتها انطلاقا من ايماني بتميزه كقلم وعقل عن كثير من النخب العربية المتصفة بالاطلاقية والشعوبية . لازلت معتقدا بأن ماكتبه وكذلك ردده الزميل بسيس على شاشة الأن بي ANB في هذا السياق , ليس الا تعبيرا عن حالة ضغط عام يعيشها المناخ السياسي والحقوقي في تونس في ظل صراع ايديولوجي ونخبوي حاد تغذيه بعض القوى الأجنبية المستفيدة من حالة الانقسام الداخلي في اجنحة محوري الحكم والمعارضة . انني دعوت بشكل واضح وصريح وفي صدق مع اصحاب المدرسة الاسلامية ومنافستها العلمانية , الى مراجعة الأسس الفكرية والسياسية في الانتصار المذهبي والايديولوجي , والتي اعتقد جازما بأنها- أي الأسس- كانت وراء خراب نمائي وتخلف حقوقي ذي توابع سياسية قاسية في منطقتنا العربية . اعادة تشكيل العقل العلماني والاسلامي على أسس حوارية وتسامحية وتعايشية وتعاونية وديمقراطية ومأسسية ونقدية , سيكون الطريق بلا شك نحو اخراجنا من دائرة الاتهام والاتهام المضاد والاقصاء والاقصاء المضاد والعنف والعنف المتبادل ,الى دوائر الاعتراف الوجودي والقانوني والانساني , وهي دوائر عبدت الطريق نحو نهضة الغرب منذ أن عرف طريقه الى مأسسة الديمقراطية وتقنين التعايش الحضاري بين الأقليات والأغلبيات والفرقاء في الدين والفكر والسياسة. حرره مرسل الكسيبي* بتاريخ 6 سبتمبر 2007 - 24 شعبان 1428 ه . *كاتب واعلامي تونسي- رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية : [email protected]