مايحصل من تطورات خطيرة في الجزائر الشقيقة على مدار الأيام والأسابيع الأخيرة في ظل التخطيط الغادر لاستهداف الرئيس المناضل عبد العزيز بوتفليقة وقبل ذلك بفترة وجيزة محاولة الاغتيال الدموية التي تربصت برئيس الوزراء السيد عبد العزيز بلخادم عندما وقع نسف محيط رئاسة الحكومة بسيارة مفخخة ذهب ضحيتها أبرياء في عمر الزهور علاوة على اعاقات وجروح بليغة استهدفت أطفالا فقد بعضهم حاسة الابصار ... وقبل ذلك بأيام معدودات وفي فترة تزامنت مع تطورات الوضع الجزائري باتجاه عودة العنف بحيوية الى مدن وحواضر الجزائر , كان المغرب الشقيق يعيش هو الاخر على دوي ودموية انفجارات الدارالبيضاء ومدينة مكناس , حين تحولت أجساد بشرية ملغومة الأفكار الى عبوات ناسفة تحرق الأخضر واليابس وتعصف بأمن المملكة المغربية التي تشهد أوج اصلاحات سياسية واقتصادية حثيثة على عهد الملك الشاب محمد السادس . لم تكن تونس هي الأخرى مع مطلع السنة الجارية بمنأى عن تيار الخراب المدمر , حيث شهد البلد الذي افتخر كثيرا بقوة جهازة الأمني وبانجازاته الحداثية وبتطوره التنموي صدمة سياسية هزت النخبة والرأي العام ,حين عاش البلد على مدار حوالي ثلاثة أسابيع مصادمات عنيفة مع ظاهرة مسلحة غريبة عن تسامح التونسيين وصبرهم على نمط بطيء جدا من التطور السياسي والاصلاحي . اليوم يشهد المغرب الأقصى حفلا سياسيا ديمقراطيا حقيقيا وهو يعانق أجواء الاستحقاق الانتخابي التشريعي , وسط منافسة قوية بين 33 حزبا سياسيا منها أربعة أحزاب لم تخفى حقيقة مرجعيتها الاسلامية , غير أن مافاجأ المراقبين أو قل لفت انتباههم كان تراجع نسبة الناخبين جراء تفشي ظاهرة اليأس لدى شرائح واسعة من الأوساط المعدومة والمحرومة من التمدرس وأساسيات الحياة كحق السكن اللائق وحق العلاج وحق العمل الكريم ..., هذا علاوة على مقاطعة أكبر التيارات الاسلامية وهو تيار العدل والاحسان لهذه الانتخابات . جملة هذه المعطيات الأخيرة التي تفسر تراجع نسبة الاقبال على العملية الانتخابية بالمغرب ثم الطريقة التي خطط بها لاستهداف الرئيس بوتفليقة مع دلالات تصريحاته حول موضوع محاولة الاغتيال الفاشلة والدموية , بالاضافة الى معطيات أخرى توضح الحاح بعض الأطراف النافذة سلطويا في تونس على تعطيل الحركة الاصلاحية التي بدأت في شكل عفو رئاسي خاص على دفعات متتالية من المعتقلين في قضايا سياسية ..., كل هذه المعطيات تؤكد مرة أخرى أن منطقة المغرب العربي تعيش حالة من الصراع الحاد بين طبقات حاكمة بعضها يتسلل من مدارس علمانية وبين معارضات يشكل الاسلاميون بمختلف تلويناتهم عصبها الحي . تقف المنطقة بين قطبين متصارعين ومتضادين اختارا في المغرب والجزائر بحسب مايبدو في أعلى جبل الجليد طرائق المنافسة الديمقراطية والتدافع الانتخابي و الفكري والسياسي , وفي تونس المزاوجة بين المعالجة السياسية البطيئة جدا والحل الأمني الذي مازال يلقي بظلاله على كل الفضاء العام . التطرف في المواقف السياسية والفكرية والجنوح الى منطق العنف ليس اليوم حكرا على بعض اصحاب القرار في بلاد المغرب العربي , بل ان من حمل لواء السلاح ضد الدولة والمجتمع ليفجر ويفخخ اللحوم البشرية ويستلذ برؤية دمائها المزهقة والمراقة في حواضر باتنةوالجزائر العاصمة والدارالبيضاءومكناس والعاصمة تونس ومدينة نابل , كل هؤلاء يشكلون مدرسة دموية اختطفت الاسلام من محضنه المشرق . لايقف هؤلاء المتطرفون الدينيون أو المنتسبون الى الدين لوحدهم في واجهة العرض السياسي المغاربي , بل ان من يقدم منطقا عدميا سياسيا من خلال كفران جهود الدولة التحديثية في مجالات التنمية والاصلاح السياسي والحقوقي كما هو حاصل في المغرب الأقصى ومن ثمة يدعو في غير مسؤولية سياسية وأخلاقية الى مقاطعة الانتخابات وافشالها , بل انه لايكف عن اشاعة أجواء التيئيس من كل خطوة ايجابية باتجاه التطوير والاعتدال الصادر عن المؤسسة الملكية المغربية ..., ان أمثال هؤلاء وان كانوا حقيقة لايحملون مشعل العنف ولواءه , الا أنهم يوفرون لشرائح المتطرفين الحقيقيين مناخا مناسبا من الاحباط واليأس كي تنشط فيه خلاياهم المدمرة ... ان مقاطعة العدل والاحسان هذا التيار الاسلامي الواسع والعريض للانتخابات المغربية يشكل مظهرا من مظاهر عدم النضج الفكري والسياسي الذي مازالت تعاني منه الحركة الاسلامية .., اذ عوضا عن المشاركة والمساهمة مازال بعض الاسلاميين يفكرون بمنطق ثوري يحلمون فيه باستبدال مؤسسة ملكية دستورية قائمة وتاريخية ومتجذرة وقوية بأخرى مجهولة الهوية تستمد منظورها من أحلام فقه الزعيم والموجه الروحي ! ولايخلو الحقل العلماني والاسلامي المغاربي من متطرفين يحملون لواء الاستئصال والحل الأمني وافساد مناخات الوئام والمصالحة وهو ماعناه يوم أمس الرئيس الجزائري بوتفليقة حين دعى في وضوح الشمس والنهار الى التمسك بخيار المصالحة الوطنية كبديل عن خيار العنف المدمر ليحمل مسؤولية مايحصل للجزائر الى طرفين ذكرهما حصرا في غير حياء أو مداورة "الإسلاميين المتطرفين والعِلمانيين المتطرفين المرتدِّين"