كان إجراء لقاء مع "آلان بوت" تجربة محطمة للأعصاب. لم يكن ذلك راجعا للمقابلة في حد ذاتها، وإنما كان لاضطراري لمغادرة مسكني عندما كان البناؤون قد خلعوا باب شقتي الأمامي، تاركة ممتلكاتي بلا حراسة. شعرت بتشابه واضح بين ذلك الموقف وبين أمن الكمبيوتر, الذي يعتبر حقل اختصاص "آلان بوت". في عالم يتزايد اعتمادنا فيه على أجهزة الكمبيوتر في التسوق والتعامل مع البنوك، وحتى في التصويت خلال الانتخابات؛ فإن "آلان" يرى أن تأمين الكمبيوتر؛ الذي تملكه، أكثر أهمية من ترك باب مسكنك الأمامي مفتوحا، ويضيف: "إذا ما تركت باب شقتك مفتوحا؛ فإن كل ما يمكن أن يفعله السارقون أن يفرغوها من محتوياتها، أم إذا تركت جهاز الكمبيوتر الخاص بك دون تأمين لدى خروجك لتناول الغذاء مثلا، وحصل شخص في هذه الأثناء على كل كلمات السر التي تستخدمها؛ يكون بوسعه الاستيلاء على كل أموالك، بل وقد يعود لسرقة سيارتك؛ حيث سيكون قد تعرف على تفاصيل تسجيل سيارتك. بالتالي يكون ذلك أسوأ من ترك باب شقتك مفتوحا". لن تنتهي مشكلة المتطفلين وقراصنة الكمبيوتر، ذلك أنها جزء من الطبيعة البشرية كما يرى "آلان" والمتمثلة في محاولة دخول مكان ليس من المفروض أن تدخله. بل إن القرصنة قد أصبحت أكثر سهولة في أيامنا الراهنة، بعد أن أصبح بوسعك أن تشتري الأدوات اللازمة لذلك؛ من خلال شبكة الإنترنت. يقسم قراصنة الكمبيوتر وفقا لأهدافهم من ممارسة القرصنة. توظف شركة "آلان" 40 من القراصنة الشرفاء أو القراصنة ذوي القبعات البيضاء كما يطلق عليهم. يعتبر القراصنة الشرفاء أشخاصا ملتزمين أخلاقيًّا، يقومون باقتحام أنظمة الشركات بموافقة منها، في محاولة للتعرف على الثغرات الأمنية قبل أن يفعل المجرمون ذلك. بمناسبة الحديث عن المجرمين، فإنه يطق لقب القراصنة "ذوي القبعات السوداء"على هؤلاء المجرمين. يحاول المجرمون سرقة معلومات؛ إما لاستغلالها في القيام بعملية احتيال بأنفسهم، أو لبيعها لجهات غير مرغوب فيها؛ مثل المافيا الروسية التي تكون مستعدة لدفع آلاف الدولارات مقابل قوائم مفصلة لحسابات البنوك. تقع مجموعة من القراصنة بين النوعين السابقين؛ والذين يطلق عليهم "ذوو القبعات الرمادية"؛ الذين يصعب بالفعل تصنيفهم. غالبا ما يقتحم هؤلاء القراصنة الأنظمة، استمتاعا بما يشكله ذلك من تحد فكري. يترك البعض توقيعاتهم، أو يبعثون برسالة إلكترونية للشركة المعنية؛ لإعلامها بأن خطوط أمنها قد اخترقت. غير أنه يظل بوسع ذلك النوع الأخير إحداث قدر كبير من الأضرار. يكافح قرصان بريطاني يدعى "جاري ماكينون" حاليًّا ضد طلب صادر من الحكومة الأمريكية لبريطانيا لتسليمه؛ بسبب اقتحامه أنظمة الجيش والبحرية والسلاح الجوي الأميركية. ترغب السلطات الأميركية في تقديمه للعدالة؛ لما تسبب فيه من أضرار بلغت قيمتها 70.000 دولار أميركي، وإن كان "ماكينون" يزعم أن دوافعه في ذلك كان حب الاستطلاع، وليس الرغبة في تعمد الأذى، ملقيا باللوم على القوات المسلحة الأميركية؛ لتراخي إجراءاتها الأمنية. لعبة المساكة هناك الكثير جدا من أساليب القرصنة، ومما يمثل مشكلة كبرى للقراصنة الشرفاء، بينما يكفي أن يجيد قرصان من أصحاب القبعات السوداء أسلوبا فنيًّا واحدا لاقتحام الأنظمة الأمنية؛ يكون على القرصان الشريف أن يجيد كل السبل. لا يعمل القراصنة من أصحاب القبعات البيضاء المتابعين لأحدث أساليب اختراق تأمين أجهزة الكمبيوتر دائما من مكاتبهم في أمستردام؛ حيث إن كثيرا من الاختراقات تحدث من جانب الموظفين أنفسهم أو الموظفين السابقين للشركة. يتوجه هؤلاء القراصنة متنكرين لاختبار كل جوانب الأمن. يقول "آلان" شارحا ذلك "ليس هناك جدوى من استخدام نظام أمني عالي المستوى، ما دام بوسع المجرمين اتخاذ طريقهم إلى داخل المبنى، ويضيف: "إننا نعمل على اختبار كل مؤسسة مالية؛ حيث ندع الموظفين يشاهدوننا مرتين أو ثلاثة، ثم نعمد إلى عدم استخدام بطاقات الدخول، ونطلب من أحد العاملين السماح لنا بدخول المبنى؛ لنرى ما يمكن أن يفضي إليه ذلك. نقوم أيضًا بالتجول بين المكاتب لنرى بعض الموظفين قد دونوا اسم المستخدم وكلمة السر في ورقة من الأوراق المخصصة لتدوين الملاحظات، بالقرب من أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم. إن ما يمكن أن نصادفه يعد مذهلا بحق". من بين أكبر الطرق المادية للاقتحام، التقدم بطلب التحاق بوظيفة كمنظف؛ حيث يشكل ذلك ساترًا عظيمًا، ذلك؛ لأن من حق المنظفين الدخول في كل المكاتب لتنظيفها، كما أنه ما من أحد يوليهم أي قدر من الاهتمام. الريادة الأمريكية تعتبر الشركات الأميركية بصفة عامة أكثر وعيًا بتأمين أنظمتهم بالمقارنة بما نحن عليه في أوروبا. السابقة القضائية الشهيرة المسماة "ساربينز أوكسلي" قضت بمسؤولية المدير التنفيذي للشركة شخصيا إذا أي نجح شخص في العبث ببيانات ويواجه خطر الزج به في السجن. مما لا يدعو للدهشة إذن، أنه لم تعد طبقة كبار المديرين تتعامل مع الأمن بإهمال ولا مبالاة، باعتباره مشكلة تتصل بتكنولوجيا المعلومات. على أنه كان ما يزال هناك مجال حتى وقت قريب، متاحا أمام القراصنة. خلال الانتخابات الأميركية الأخيرة كانت ماكينات التصويت الإلكترونية في كاليفورنيا في واقع الأمر بلا تأمين. كان بوسع متطوع، يتخذ مكانه خلف واحدة من تلك الماكينات تغيير القصاصات المدون فيها الخيار الانتخابي الداخلة للمكينة، دون أن يترك أي أثر لما فعله. اكتشف المتابعون لأحدث أساليب اختراق الأمن هذه المشكلة قبل الانتخابات مباشرة؛ بحيث لم يتسع الوقت للعثور على نظام بديل. بالتالي كان بوسع أحد القراصنة الخبراء، تغيير مسار الانتخابات الأميركية، وبالتبعية اختيار الرئيس الأميركي. بطبيعة الحال لا يوجد أي دليل على حدوث ذلك؛ لكن كم يكون ذلك نظرية مؤامرة عظيمة.