مجددا تشتعل الساحة السياسية على وقع خبر دخول كل من السيدة الفاضلة مي الجريبي والأخ الكريم نجيب الشابي في إضراب جوع مفتوح، من أجل إعادة الاعتبار لقانونية عمل حزبي بعد التضييقات التي تعرض لها الحزب الديمقراطي التقدمي من قبل السلطة. وإذ أأكد من جديد ودون تردد مساندتي الشخصية ومساندة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي لهما في مطالبهما العادلة والبديهية من أجل مشهد ديمقراطي واعي وشفاف يجمع السلطة والمعارضة، فإني أردت من خلال هذه الورقة استسماح الجميع لمصاحبتي في هذه المقاربة البسيطة التي أرنو منها وبكل تواضع إلى تدعيم وتفعيل العمل المعارض إجمالا. عناوين العقم السياسي المشهد السياسي الحالي لا يخلو من تعبيرات وصور، ويحمل عناوين كثيرة من بينها الحالة العامة لهذا المشهد أساسا وما يتعرض له من استفزازات وتضيقات ومن كابوس جاثم على كل أطراف المشهد، مما يجعل العمل المعارض الحقيقي مغيبا أو مهمشا إذا خير العمل بحرية واستقلالية خارج خيمة الرضا والقبول والانحناء أو المشي حذو الحائط. فالدخول في إضراب جوع ليس إلا تعبيرة حزينة وصورة بلا ألوان لهذا الواقع المخيب للآمال والذي ظل يعيش حالة انتكاسة دائمة تتخللها بين الحين والآخر لفتة أميرية أو مكرمة وتفضل يجعلها كإضاءة خافتة لفانوس معطب لن يتأخر عن الانطفاء. عنوان آخر يحمله المشهد وهو الحيز الفعلي المعطى للمعارضة للتعبير عن مطالبها إذا كانت هذه المطالب خارج خطوط ضيقة حددتها السلطة، مما يجعل عنصر المطلبية والتعبير عن الرفض أو السعي لإظهار الصوت، يدخل مواقع خطيرة تتمثل في المخاطرة بالحياة بالدخول في إضرابات جوع من قبل أفراد ينتمون إلى أحزاب معترف بها، كان من البديهي ومن القانوني ومن المفترض أن تعبر عن مشاغلها وهمومها وتطلعاتها من خلال منابر قانونية يُسمَع لها، وعبر تواجد حقيقي داخل قاعات البرلمان والتمثيليات القانونية والمنتخبة. فليس هينا على الفرد أن يصل إلى مستوى التضحية بحياته من أجل التعبير عن مطالبه أو مطالب حزبه، مهما كانت النوايا الصادقة، والهمة النضالية العالية التي تتوفر لدى أطراف المعارضة التونسية. ولكن الوصول إلى هذا الحد يبرز مدى حالة الانغلاق والمحاصرة التي يتعرض لها العمل المعارض في تونس إجمالا، ومدى عدم قبول السلطة الإنصات لمشاغل معارضتها خاصة وأننا نسمع لديها بين الفينة والأخرى في خطاباتها أن السلطة القوية تحتاج إلى معارضة قوية، لكن يبدو أن بين الخطاب والممارسة يكمن في الحقيقة احدى مآسي المشهد السياسي التونسي. المعارضة بين الفردية والاستفراد العنوان البارز حقيقة في المشهد الحالي والذي يستسمحني القارئ العزيز والإخوة المعارضون أن أتحدث عنه من موقع المسؤولية التاريخية والواجب الوطني وحب الخير لهذا الوطن العزيز ومن منطلق الدفع بالعمل المعارض نحو أطر أكثر ثراء وفاعلية، وهي دعوة لا تدعي أستاذية على أحد ولا وقوفا على الأعراف ولكنها وبكل لطف وتواضع هموم يحملها كل مواطن من أجل بناء وطن الكرامة للجميع، وأردت الأخذ بأحد أطرافها للتعبير عنها من خلال هذه الكلمات والأسطر القليلة. هذا العنوان البارز الذي قض مضجعي بعض الشيء هو العمل المنعزل لهذه اللقطة النضالية حيث دخل أفراد حزب معين في إضراب جوع لوحدهم من أجل مطلب يظهر في أول قراءته أنه مطلب ضيق يحمل همومهم ومشاغلهم. ورغم أن هذه الحالة التي يتعرض لها الحزب الديمقراطي التقدمي ليست إلا صورة تلتحق بأخرياتها في مشهد سياسي مبتور وتستدعي أكثر من مؤازرة ودعم وتواصل، إلا أنه حتى وإن قبلنا بخصوصية الحادثة وارتباطها المباشر بحالة الحزب، فإنه كان قصورا من الجميع أن يحتمل الحزب ومن ورائه عضوان بارزان لوحدهم مهمة النضال والتعبير. أليس كان أفضل أن يكون الحراك النضالي في إطار موسع يلتقي فيه عنصرا الداخل والخارج أولا ممثلا في معاضدة نوعية سلمية تحملها ضفتي المتوسط عبر تواجد لمناضلين في داخل الوطن وخارجه، ثم يتمثل في مشاركة متنوعة لكل الطيف المعارض أحزابا وأفرادا والتي تخرج هذه اللقطة النضالية من إطارها الضيق وتفتح مشاغلها وهمومها على كل أطراف المعارضة. ليس ما يعانيه اليوم الحزب التقدمي مقصورا عليه وحده تحمله ومواجهته، بل هي مشاغلنا وهمومنا جميعا..، ليست مطالب الحزب هي مطالبه فقط ولكن مطالب كل مناضل حر ووطني يريد الخير لهذا البلد الطيب، ويسعى إلى تفعيل أفضل لحراك المعارضة. إن منهجية العمل الفردي، اضطرارا أو خيارا، تؤدي إلى منهجية مقابلة من الاستفراد وهذه الصورة شغلت حيزا من أعمالنا، وشاهدنا تجربة تاريخية لها لما وقعت الحركة الإسلامية في قطبية رهيبة بينها وبين السلطة سعيا منها أو فخا منصوبا، وتفردت في المواجهة، فاستُفرِدَ بها وطالتها أيادي التجفيف والاستئصال والمتابعة. هذه المنهجية التي خدمت السلطة من باب فرق تسد والتي سعت مبادرة 18 أكتوبر إلى زعزعتها، والبناء على تجميع المعارضة من أجل صولة نضالية وحول مطالب محددة. كنت أتمنى على المعارضة... لعلي لا أضيف جديدا بالقول أنه زيادة على سياسة المحاصرة والإضعاف والتهميش التي يعيشها الطيف المعارض من قبل السلطة، أن من بين الأسباب الكامنة لمنع أي تقدم للمعارضة في تكريس تواجدها وحراكها على واقع أقل ما يقال فيه أنه لا يحمل القابلية المطلوبة والاستجابة السريعة، أن من هذه الأسباب غياب الوحدة النضالية للمعارضة، وحدة لا تقف عند باب المساندة ولكن تملأ فضاء المعاضدة الفعلية والمشاركة العينية. كنت تمنيت في الحقيقة أن تكون المواقف النضالية السلمية مهما كان انبعاثها وأي فصيل معارض تخص، مع مراعاة عاملي الزمان والمكان، أن يجمعها سقف موحد تجتمع فيه المعارضة للرد السلمي والحضاري على كل موقف أو ممارسة للسلطة تجاه أي طرف معارض..، كنت تمنيت أن يكون الإطار الذي رد هذه المرة والمرات القادمة، إطار مبادرة 18 أكتوبر مع توسيعها لأطراف داخلية وخارجية أحزابا وأفرادا. إني أدعو بإلحاح إلى مزيد من التنسيق بين المعارضة من أجل وحدة نضالية فاعلة وجادة، وأن يكون مستقبلا، كل استهداف لأي طرف معارض يقابله تعبير سلمي وحضاري تجتمع عليه كل أطراف المعارضة دون إقصاء أو تمييز من أجل مشهد سياسي غير مغشوش، ووطن يتسع للجميع!