ماذا يعني الاستبداد بالشعوب و التحكم بمصائرها لولا أنها استحلت لنفسها ذاك الخنوع و رضيت به و ماذا يعني نحت الأصنام لتعبد من دون الخالق الحق المطلق و الحرية الكاملة لولا مرض الذل و الاستعباد الذي هو جزء من كينونتنا الداخلية التي بالخوف من المجهول خوفا على لقمة العيش و الأبناء و الطمع في المحافظة على ثروة زائلة ظننا أننا و إياها خالدين أبد الدهر . إن إرادة التدافع من اجل الحق و رفع المظالم عن المستضعفين و عدم الاستكانة للمستبد و استدامة التحدي للحواجز التي تنازعنا من الداخل تخويفا و ترهيبا و للمخاطر التي قد تهدد حياتنا و اعتبار الحياة مكارم تسعى النفس جاهدة في نيلها مترفعة عن الرعي مع الهمل. فماذا يكون الإنسان في دورة حياته القصيرة إن لم يكن داعما لاسترجاع حق مسلوب أو ناصرا لمضطهد يحرره من القيد أو مساهما في نشر عدالة تشفي غليل المظلومين و تذهب غيظ قلوبهم. فان لم ينل مبتغاة في هذا التدافع الشريف فيكفيه عذرا لنفسه انه لم يبق صامتا كالشيطان الأخرس تلاحقه لعنة الجبن مسلوب الإرادة لا عذر له أمام الخالق و المظلومين المحرومين من المستضعفين من النساء والرجال والولدان الذين لا يملكون حيلة و لا يهتدون سبيلا. فبإرادة التدافع هذه انطلق احمد نجيب الشابي و مية الجريبي في إضرابهما عن الطعام بغية تحقيق الهدف و لم يكن أمامهم من بصيص أمل في استجابة السلطة لمطلب الحزب و لا حتى ما دون ذلك أن تقدم السلطة حلا وسطا في السماح في مقر آخر يسمح فيه للحزب بمواصلة نشاطه السياسي المشروع . و فعلا أمعنت السلطة في الكبرياء و الازدراء و حشدت جندها و عتادها و بدأت في أساليب التخويف و البطش و ضربت حصارا مقيتا على كل مداخل الحزب ، سيارات أمن مدججة بالسلاح و وشات الليل و النهار يرهبون المساكين من أفراد الشعب الذين لا يحتاجون إلى مزيد من الخوف بعد أن خافوا من كل شيء. ثم زادت هذه السلطة في التجاهل و الاستعلاء الكاذب فاستصدرت حكما قضائيا على عجل و كشفت بذلك لكل المراقبين و المتتبعين لقضية التقدمي أن المعركة سياسية بامتياز و إلا ما كان لحكم قضائي عادي في نزاع ذو طابع مدني أن يرى النور قبل أربعة أشهر على أقل تقدير و الحال أن هذا الحكم كان جاهزا عند المدعى عليه في أقل من ثلاثين ساعة !!!. و في مثل هذه الأجواء كان الإصرار و التحدي من كل مناضلي الحزب الذين أهمتمم قضية الدفاع عن المربع الأخير من الحرية و لم تهمهم أنفسهم و تنادت أصوات الحرية و الممانعة من كل مكان لتجتمع كلها على أن السلاح الوحيد في وجه الاستبداد هو النضال و لا شيء غير النضال ، إحراج المستبد لا السكون إليه ، مقارعته بالحجة و إقناع الرأي العام الداخلي و الخارجي بعدالة المطلب وصدقية حركة التدافع من اجله فكان لنا ما أردنا و حفظنا بذلك مربعنا الأخير من الضياع السحيق. و حق لنا أن نعانق رياح النصر و لو للحظة وجيزة لأن طريق التحرر الكامل من رتق العبودية التي فرضها علينا المستبد مازال طويلا. و لا يفوتني أن أعرّج هنا على بعض العبر التي أهدانا إياها هذا النصر المبارك : لا يمكن لأي ممارسة نضالية إلا أن يصاحبها التشكيك في صدقيتها و صدقية المطلب الذي من أجله قامت داخليا و خارجيا و إذا كنا نسلم بتشكيك الخصم لأنها تستهدفه فكيف نقبل بمن يدعي المساندة ظاهريا و هو يشكك في عدالة المطلب و يثبط دونه بل و يجذب إلى الخلف فللأول نقول ،، ان إرادة الشعوب من إرادة الله و إرادة الله لا تقهر،، أما المشككون فلا نملك الا ان نردد على مسامعهم ،، َ....عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِه ...... ،،. أما العبرة الثانية فاني أهديها إلى النخبة المسيسة عامة و أخص بالذات القوة الممانعة فيها فأقول ان معركة الحرية تدار بالحضور الذهني و الفطنة السياسية و الإصرار على المبدأ وبالتالي التقاط الفرص التي تفاجأ المستبد فتثخن فيه و في أدواته فتربكه و تدفعه إلى التقهقر فتكون المساحة المحررة لصالح قوى الممانعة ، فالكل مضطهد في حريته و في قلمه و في قوته و في مقره و في جمهوره وبالأحرى في ارتهان هذا البلد العزيز تونس إلى الخيارات الفاسدة حيث انهارت القيم و تقهقر التعليم و كثر الفساد المقنن و ارتهنت معيشة هذا الشعب إلى البنوك ديوننا غير مسددة و شيكات بدون رصيد و أجيال بأكملها يناديها الرصيف لتفترش البطالة و تلتحفها. ألم تكن معركة التقدمي هي الخطأ القاتل لهذه السلطة المستبدة؟. ألم تفتعلها تجرءا و استعراضا للقوة بعد أن أطمأنت لموت المعارضة بعد الجريمة البشعة التي أحرق فيها ،، مسقط رأس 18 أكتوبر،، ،،مكتب الأستاذ المناضل العياشي الهمامي ،، . ألم يكن من الأجدى لقوى المجتمع المدني أن تنخرط في هذه المعركة بكل الوسائل المتاحة فيعتصم الرابطيون و يجوعوا أمام مقراتهم و يعتصم الإسلاميون هم وعائلاتهم ويصوم البطالين على صومهم. فتكون معركة البطون الجائعة من أجل الحرية و الانعتاق بامتياز؟. متى يستفيق هذا الشعب و تستفيق نخبته فتتجاوز ذاتها و تشمر عن ساعدها فقد أصبحنا أضحوكة العالم لا نقوى على صياغة حياة كريمة حرة لا استبداد فيها تليق بشعب كان له السبق في التعليم و النضال عبر الجامعات و المعاهد و اتحادات العمال. وكان أول من أسس رابطة مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان في إفريقيا قاطبة. آمل ان لا ينطبق علينا هجاء الحطيئة للزبرقان حين قال له : دع المكارم لا ترحل لبغيتها و أقعد فأنت الطاعم الكاسي. و كفى بالتاريخ عبرة لكل ذي شهامة وفهم. حمزة حمزة