شكلت الزيارة التي قام بها العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس يوم الثلاثاء6 نوفمبر الجاري لمدينتي سبتة ومليلية مصدرًا للتوتر الذي قد يطرأ على العلاقات بين المغرب وإسبانيا، ومؤشرًا على أن صراعات ومصالح خفية كانت مضمرة بين الكلمات المعسولة التي طبعت العلاقات بين الأسرتين الملكيتين في الرباطومدريد.وقد جاءت زيارة خوان كارلوس المعروف بصداقته مع العائلة الملكية المغربية إلى سبتة ومليلية بطلب من رئيس الوزراء لويس ثباتيرو، من أجل قطع الطريق على غريمه الحزب الشعبي اليميني وكسب أصوات المتشددين الذين يطالبونه دائماًبتأكيد «إسبانية» المدينتين، على بعد شهور من الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في مارس/آذار المقبل. و كان الرأي العام الإسباني مارس ضغطاً على الملك طوال ثلاثة عقود لحمله على زيارة المدينتين المحتلتين، بغية تكريس السيادة الإسبانية عليهما، خصوصاً أنها الزيارة الأولى من نوعها للملك منذ اعتلائه العرش في 1976. من وجهة النظر المغربية تعتبرالزيارة بمنزلة الصفقة الانتخابية،وهي بالتالي ستنعكس سلبًا على الوضع الاعتباري للملك خوان كارلوس،الذي كان المغاربة يعتبرونه حكيم إسبانيا الذي يتدخل دائما للتخفيف من التوتر،لا المساهمة في خلقه وتغذيته، وهي أمور ستؤثر لا محالة في علاقته الشخصية مع العائلة الملكية المغربية، وستكون نقطة سوداء في مساره السياسي باعتباره شخصية تاريخية ساهمت في إرساء أسس الديمقراطية في إسبانيا. ليس من شك أن الغضب عم المغرب تنديدا بهذه الزيارة. فعلى المستوى الرسمي ، قال وزير الاتصال (الإعلام) الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية خالد الناصري، «إن خطوطا حمراء لا يمكن القفز عليها تتعلق بالوحدة الترابية للمغرب»، وعلى الأصدقاء الأسبان أن يتفهموا ذلك، وأضاف« أن في زيارة الملك خوان كارلوس لسبتة ومليلية مساساً بمشاعر أكثر من 30 مليون مغربي، وأن إسبانيا تعاملت مع المغرب باستخفاف، واصفا الزيارة بأنها تندرج في سياق القطيعة مع المنطق الايجابي. وأفاد الناصري بأن الحكومة المغربية تريد أن تبلغ رسالة واضحة، «أن العلاقات بين الرباطومدريد أساسية ويعمل المغرب على تعميقها، وأن بناء الصداقة بين المغرب وإسبانيا يشكل عنصرا أساسيا في بلورة مناخ جيو-استراتيجي ينعم بالاستقرار في المنطقة المتوسطية». و قبل هذه الزيارة للعاهل الإسباني ، كان رئيس رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس ثاباتيرو قام يوم الثلاثاء 31 كانون الثاني 2006بزيارة إلى جيبي سبتة ومليلة الواقعين على الحدود مع المغرب ،واللذين تطالب بهما المملكة الشريفية،وهي الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسباني منذ 25 سنة بعد أدولفو سواريث في سبتمبر/أيلول ،1980. وألقت تلك الزيارة ، ظلالاً سلبية على مستقبل العلاقات بين الرباطومدريد، اقلها إثارة حساسيات يتجنب البلدان الصديقان الخوض فيها في الوقت الحالي. و كان للانتصار الكاسح الذي حققه الحزب الاشتراكي العمالي في الانتخابات الاسبانية في 14مارس/آذار 2004،وقع إيجابي على المغرب، الذي شهدت علاقاته مع إسبانيا في ظل حكم اليمين المتطرف الذي يتبناه "الحزب الشعبي" عدة أزمات وتوترات . وكان رئيس الوزراء الاسباني خوسيه لويس رودريغز ثاباتيرو قد خصّ المغرب بأول زيارة خارجية له في 24 نيسان 2004، بعد نحو شهر واحد على استلامه رئاسة الوزراء في أعقاب تفجيرات مدريد في 11 آذار 2004. وقد سبقه في هذا التقليد عدد من رؤساء الوزراء الاسبان. وتزامنت مع زيارة الملك خوان كارلوس حدوث تحول في السياسة الإسبانية تجاه المسألة الصحراوية إلى ذلك، إذاعتبر مراقبون أن ثباتيرو يريد أن يقول للرأي العام الإسباني إنه يستطيع أن يأخذ من المغرب بالعلاقات الودية وبنوع من الدبلوماسية أكثر مما يستطيع أخذه اليمين الذي يتصرف مع المغرب بطرق خشنة ومتصلبة، إضافة إلى أنه يريد أن يتقاضى مقابلا سياسيا لمواقفه المؤيدة للمغرب في قضية الصحراء، وخصوصاً قبوله بمشروع الرباط للحكم الذاتي في الصحراء، وهو ما اعتبر انقلابا كبيرا في الموقف التقليدي لمدريد المؤيد لمخطط الاستفتاء وتقرير المصير. و من المعلوم أن رئيس وزراء إسبانيا "خوزيه رودريجيس ثاباتيرو" انتهج نهجا جذريا في السياسية الخارجية الإسبانية، بدءا بسحب القوات الإسبانية من العراق، و تجسيد القطيعة مع نهج سلفه أزنار، وانتهاءا بتبني نهج يقوم على أهمية نسج علاقات قوية وسليمة مع المغرب، على اعتبار أن مدريد تسعى إلى تنقية الأجواء، وتأمين شروط شراكة استراتيجية مع الجار الجنوبي، وبالتالي تبديد الغيوم القاتمة التي خيمت على التفاهم بين البلدين، بسبب الملفات العالقة بين الرباطومدريد ، وهي ملفات عديدة،و متنوعة، ومعقدة، وكادت تصل إلى حدود النزاع المسلّح عندما لجأت إسبانيا إلى الخيار العسكري لطرد أفراد من الجيش المغربي من جزيرة ليلى (أرخيل البقدونس) ، في صيف العام 2002، لولا تدخل وزير الخارجية الأميركي كولن باول لفضّ الاشتباك. و ليس خافيا على أحد أن هناك مشاكل قائمة بين المغرب و إسبانيا . مشاكل طبيعية بين كل بلدين متجاورين، مثل الهجرة غير الشرعية ، حيث يتدفق المهاجرون الأفارقة على وجه الخصوص،الذين يتخذون من الأراضي المغربية محطة عبور نحو شبه الجزيرة الإيبرية وجنوب أوروبا،ومشاكل التهريب والمعاملات التجارية، والتعاون الأمني. ومشاكل تتعلق بتصفية الإستعمار، و منها ملف الصحراء، و مدينتي سبتة و مليلة المحتلتين منذ سقوط الأندلس وهما العقدة المعقدة بين البلدين،وانتهاء بمعاودة فتح ملف الصيد البحري الذي كان احد أسباب تأزيم العلاقات بين البلدين في ظل حكومة خوسيه ماريا اثنار السابقة. . ويرى المحللون المتخصصون في شؤون المغرب العربي ،أنه لا يمكن التوفيق بين مطلب مغربي مشروع يخص استرداد السيادة على مدينتي سبتة و مليلة ،وبين فرض الأمر الواقع إلا في نطاق المفاوضات والترضيات. فقد دقت ساعة تصفية الاستعمار أمام اسبانيا من الفيليبين الى أميركا اللاتينية الى الأدغال الافريقية منذ عقود. ولم يعد هناك ما يبرر الاحتفاظ بأراضٍ كانت تستخدم خلفية في النزاع التاريخي مع المغرب. وتنوع انتماءات سكان المدينتين سبتة ومليلة ، دينيًا بين مسيحيين ومسلمين ويهود سفارديم وهندوس، وعرقياً بين ايبيريين وأمازيغ. وكانت المدينتان خضعتا لحكم البرتغاليين منذ عام 1415 ،وعندما رزحت البرتغال تحت الوصاية الاسبانية في نهايات القرن السادس عشر انتقلت السيادة للمدينتين إلى إسبانيا. حتى اذا عادت البرتغال فاستقلت، كان شرط عهدة الاستقلال، أو معاهدة لشبونة في العام ,1668 اعتراف البرتغال بحق اسبانيا في المدينتين. من المؤكد أن زيارة الملك خوان كارلوس أظهرت خيبة أمل كبيرة في المغرب، إذاعتبرت مجمل القوى السياسية المغربية أن الزيارة تسير عكس ما يطمح اليه البلدان من تفاهم وحسن جوار وتعاون بناء قائم على شراكة استراتيجية، وتضع ثاباتيرو في تناقض مع سياسة حسن الجوار، وإعادة النظر في الاشتراطات الاستعمارية السابقة التي تحكمت في علاقات الجانبين.وإذاكان ثاباتيرو يشارك المغاربة في بناء حوض متوسطي منزوع الصراعات، فلا بد لبلده أن يقر بالسيادة المغربية على المدينتين لأسباب تاريخية، و أخرى إنسانية ،و أن يدفع باتجاه تفكيك الاحتلال عوضا عن تكريسه. إن اسبانيا الحديثة اذا كانت قد صنعت نموذجها الديمقراطي الناجح، واستطاعت بشجاعة مشهودة أن تقطع مع تركة فرانكو الدكتاتورية، فهي مطالبة اليوم بمبررات إنسانية وحضارية أكبر، بالقطيعة نفسها مع تركة ضارية في القدم والعهد الكولونيالي.