عاجل: وزارة التربية تنشر قائمة محيّنة للمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية الخاصة    البرلمان: 7 أكتوبر القادم موعد الجلسة العامّة الافتتاحيّة للدورة العادية الرابعة    بن عروس : التعهد باستكمال إنجاز جسر وادي مليان مليان نهاية السنة الحالية    جيش الاحتلال يشن ضربات جوية على جنوب لبنان    بطولة افريقيا للأمم لكرة اليد للصغريات: تونس في النصف النهائي وتضمن مكانا في المونديال    الرابطة الاولى ... فوز مستقبل المرسى على مستقبل سليمان 1-صفر    معز الشرقي يواصل التألق.. ربع نهائي سان تروبيه    سحب عابرة على كامل البلاد تتكاثف آخر الليل بالمناطق الساحلية الشرقية    المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب ببن عروس من 27 سبتمبر الى 5 أكتوبر 2025    الليلة: الغيث أوّله قطرة    عاجل: نداء للبحث عن طفل مفقود بمنطقة العمران (يلبس طبلية زرقاء ويحمل محفظة)    الأساتذة النواب يحتجون: ''تغيير المقاييس خرق للقانون وتهديد لحقوقنا''    عاجل: الجامعة تفتح الباب قدّام الفرق باش تبث ماتشاتها وحدها..كيفاش؟    قتيلان إسرائيليان بعملية إطلاق نار على معبر "الكرامة" بين الأردن والأراضي المحتلة    هذا هو موعد انتهاء أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة    صادرات القطاع الصناعي ترتفع ب1,9% خلال النصف الأوّل من 2025    عاجل/ رجل يعتدي على طليقته بسكين في شارع أمام المارة..    عاجل : مستجدات بطاقة التعريف البيومترية للتونسيين    عميد المحامين الجديد بوبكر بالثابت يتسلم مهامه    موسم الحبوب..البنك الوطني الفلاحي يرفع من قيمة التمويلات    العدوان الصهيوني على غزة: النيابة العامة الإسبانية تفتح تحقيقا حول انتهاكات حقوق الإنسان..#خبر_عاجل    حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك قرب إحدى المؤسسات التربوية..    قصر النظر عند الأطفال: الدكتور فهمي نافع يحذر ويقدم نصائح مع العودة المدرسية    ترتيب الفيفا: المنتخب التونسي يتقدم إلى المركز 46 عالميا    كرة السلة - شبيبة القيروان تتعاقد مع النيجيري فرانسيس ازوليبي    عاجل : وزير النقل يضع مهلة ب15يوما لضبط روزنامة برامج عمل    الحماية المدنية: 537 تدخلا منها 124 لاطفاء الحرائق خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية    اجتماع بمعهد باستور حول تعزيز جودة وموثوقية مختبرات التشخيص البيولوجي    آلام المفاصل عند الأطفال مع العودة المدرسية: أسباب وطرق الوقاية    سفينة "ياسر جرادي/يامان تدخل ميناء "بيرغو" في مالطا لهذه الأسباب "    السجل الوطني للمؤسسات يعلن حزمة إجراءات رقمية جديدة: دفع حصري عن بُعد ومضمون إلكتروني مُحدَّث    هام/ وزير التجهيز يشرف على جلسة عمل لمتابعة اجراءات توفير مساكن اجتماعية في إطار آلية الكراء الممللك..    عاجل/ تقلبات جوية وأمطار بداية من هذا التاريخ..    الملعب التونسي يفسخ عقد هذا اللاعب..#خبر_عاجل    الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل    رابطة ابطال اوروبا : ثنائية كين تقود بايرن للفوز 3-1 على تشيلسي    لليوم الثاني على التوالي..غزة دون اتصالات وانترنات..#خبر_عاجل    عاجل/ غرق 61 مهاجرا غير شرعي اثر غرق قارب "حرقة" قبالة هذه السواحل..    وفاة الإعلامية اللبنانية يمنى شري بعد صراع مع المرض    تونس تجمع 12 مليون قنطار لكن حاجياتها تبلغ 36 مليون قنطار    في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟    بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    فرنسا على صفيح ساخن: مليون عامل إلى الشارع لمواجهة سياسات ماكرون    اللجنة الوطنية للحج تستعدّ لموسم 1447ه: ترتيبات متكاملة لضمان أفضل الظروف للحجيج    "وول ستريت جورنال": ترامب غير راض عن تصرفات نتنياهو ويعتبر أنه "يسخر منه"    تونس ضيفة شرف مهرجان بغداد السينمائي...تكريم نجيب عيّاد و8 أفلام في البرمجة    السبيخة ..الاطاحة ب 4 من مروجي الزطلة في محيط المؤسسات التربوية    تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع    من قلب القاهرة... عبد الحليم حافظ يستقبل جمهوره بعد الرحيل    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    جريدة الزمن التونسي    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبقة السياسية في تونس لا تزال تبحث عن "باب العرش"

مرّت الذكرى العشرون لتولِّي الرئيس بن علي السلطة في تونس دون حدوث مفاجآت كبرى.
فالخطاب الذي ألقاه بهذه المناسبة، لم يتضمن قرارات سياسية استثنائية، مثل تلك التي راجت خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة.
صاحب القرار في البلاد، حافظ على نفس الأسلوب الذي انتهجه منذ عام 1994، أي الإعلان عن إجراءات إصلاحية جُزئية لم تتجاوز المنهَج الذي اعتمده النظام منذ أن همَّش معظم خصومه، وهو المنهج الذي وصفه الدكتور مصطفى بن جعفر في تعقيبه على الخطاب الرئاسي بأسلوب "قطرة قطرة".
اختار النظام الأطراف التي تستحق من وجهة نظره الدعم، وهي تحديدا الأحزاب الممثلة في البرلمان، التي ستتمتع مستقبلا بمزيد من المِنح المالية لتغطية نشاطاتها والاستمرار في إصدار صحفها.
فهذه الأحزاب قبِلت منذ البداية قواعد اللعبة التي وضعتها السلطة واختار معظمها منهج التعاون مع الرئيس بن علي، انطلاقها من أنه صاحب مشروع إصلاحي، والتمييز بينه وبين الحزب الحاكم، الذي توجّه له انتقادات تبلغ أحيانا اتِّهامه بأنه يحتوي على "قوى ردّة تدفع نحو الخلف"، كما جاء في تصريح أخير لأحمد الإينوبلي، رئيس الاتحاد الديمقراطي الوحدوي.
وإذ تنطلق هذه الأحزاب من المكاسب التي تحققت، فهي تطالب من حين لآخر بتدارك ما تعتبره نقائص، ولكن بأسلوب تتجنب فيه لغة التنديد والاحتجاج التي من شأنها أن تؤثر على مناخ التفاهم القائم بينها وبين الحكم، وهي لا تكتفي بذلك، بل لوحظ بأن بعضها لا يتردّد في انتقاد الأحزاب والجمعيات التي تنتهج أسلوبا مغايرا في المعارضة، إلى درجة التشكيك في وطنيتها واتهامها بالاستئساد بالخارج أو خدمة أهداف من تصفهم بالمتطرفين.
لكن مع ذلك، فهذه الأحزاب التي توصف بالبرلمانية، لا تشكل كتلة متجانسة، فالائتلاف الذي قام بين أربعة منها، وهي خطوة شجعتها السلطة، لم يصمد كثيرا نظرا لوجود تفاوت ملحوظ بينها في الحجم والتجربة، إلى جانب بعض الاختلافات حول مسائل أخرى.
نشاط منفرد
أما حركة الديمقراطيين الاشتراكيين (أقدم الأحزاب المعارضة المعترف بها)، فقد فضلت ولا تزال النشاط المنفرد، بعد أن نجحت في السيطرة على خلافاتها الداخلية، كما تجنبت في الغالب كل ما من شأنه أن يجرّها إلى حالة تماس مع بقية الأطراف، بما في ذلك الأحزاب الاحتجاجية.
ورغم العلاقة القوية التي تربط أمينها العام بالرئيس بن علي، إلا أن الحركة دعت السلطة في أكثر من مناسبة إلى الانفتاح على جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ونادت بطي صفحة الماضي وإصدار عفو تشريعي عام والقيام بمصالحة وطنية.
بل إن السيد إسماعيل بولحية أكَّد لسويس انفو في تصريح خاص، بأنه من حق جميع الأحزاب القانونية التمتع بالتمويل العمومي، وأضاف "التمييز بين الأحزاب في هذا المجال، من شأنه أن يدفع البعض إلى التشكيك في مصداقية الأحزاب البرلمانية، التي يقول عنها البعض بأنها أحزاب ديكور".
وهو إذ يعتبر بأن خطاب الرئيس بن علي الأخير، يتضمن "تواصلا مع نفس بيان السابع من نوفمبر من حيث الطموح والوعود والتبشير بمرحلة جديدة وخلق نسق مفتوح، بعد ما تحقق من مكاسب"، فقد دعا إلى "قراءة ما بين السطور في هذا الخطاب، وتحليل ما ورد فيه من إشارات ورموز"، إلا أنه ألحَّ على أهمية الإرادة السياسية الرئاسية ودورها في "إخراج الكثيرين من الشعور بالإحباط واليأس، وبالخصوص أوساط الشباب".
تجاهل رئاسي
أما حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا)، فقد انتهجت منذ فترة، وبالأخص بعد مؤتمرها الأخير، خطا سياسيا مغايرا لبقية الأحزاب البرلمانية، إذ بالرغم من اعتراضها على مختلف صِيغ التعاون والتنسيق مع حركة النهضة (المحظورة) التي تعتبرها "طرفا غير ديمقراطي"، إلا أنها أكدت استعدادها للتعاون مع معظم العائلات السياسية، بما في ذلك بعض أطراف مبادرة 18 أكتوبر، كما سبق لحركة التجديد أن تضامنت مع الحزب الديمقراطي التقدّمي (معترف به لكنه غير ممثل في البرلمان) في معركته الأخيرة للاحتفاظ بمقره المركزي.
ولعل سعي حركة التجديد المتواصل من أجل تأسيس قُطب يساري، هو الذي جعلها تُبدي استعدادا متزايدا للانخراط في الحراك الديمقراطي الاحتجاجي، وهو توجه من شأنه أن يثير قلق السلطة، وإذا ما استمرت الحركة على هذا النهج خلال المرحلة القادمة، فقد تُعاقب وتجد نفسها خارج البرلمان خلال الانتخابات التشريعية القادمة (2009)، بعد أن تمّ تحجيم وجودها في الانتخابات السابقة (2004) من خمسة مقاعد إلى مقعدين.
بالنسبة للأحزاب التي تنشط خارج البرلمان، فقد تجاهلها الخطاب الرئاسي، ولكنه لم يُهاجمها كما حصل في مناسبات ليست بالبعيدة، ولم تقع الإشارة إلى احتمال الاعتراف بحزب جديد مثلما شاع في الأسابيع الأخيرة، دون أن يعني ذلك أن مثل هذا الأمر لن يكون واردا خلال الأشهر القليلة القادمة، كما أنها ستبقى محرومة من الدعم المالي العمومي، رغم الصعوبات التي تواجهها لتغطية نفقاتها الأساسية، معتمدة في ذلك على تبرّعات أعضائها، وبذلك، ستستمر معاقبتها على تمسُّكها بخطاب نقدي ينحو إلى الطعن في شرعية النظام ويرفع شعار "لا رئاسة مدى الحياة"، الذي يُقصد به رفض ترشح الرئيس بن علي للمرة الرابعة في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي ستجرى في خريف 2009.
ومن المتوقع أن تواصل هذه الأحزاب في ممارسة الضغط على الحكم، عساها أن تفرض بعض مطالبها وتحسن من ظروف نشاطها، لكنها في المقابل تعيش بدورها حالة من التجاذب في داخلها وفيما بينها.
الانتخابات.. مصدر خلاف
فالحزب الديمقراطي التقدمي، الذي كسب معركة المقر، لا يزال تبايُن الآراء داخل صفوفه مستمرا حول كيفية التعاطي مع المرحلة القادمة، وإذا كان الرأي السائد حاليا داخل الحزب بأن السلطة قد أغلقت الباب في وجوه كل من راهنوا على إمكانية حصول انفراج سياسي محتمل، ولو بصفة جزئية، فإن عضو المكتب السياسي السيد فتحي التوزري لا يزال يعتقد بأن النظام كان بإمكانه أن يُجازف بالمُضي أكثر في الإصلاح السياسي، وهو إذ انتقد إحجام السلطة على الانفتاح، مؤكِّدا على أن المشاركة السياسية يجب أن لا تقترن بالولاء المطلق، إلا أنه اعتبر بأن الباب "لم يُغلق نهائيا".
وبسؤاله عن تداعيات ذلك على الخطاب السياسي الذي سبق وأن دافع عنه في أكثر من نص مشترك مع رفيقه في القيادة السيد محمد القوماني، أكَّد التوزري لسويس أنفو أن "المنطلقات التي دافعنا عنها لا تزال تشكل نقطة ارتكاز للانطلاق من أجل التعامل مع المرحلة السياسية القادمة"، وهو يتطلع في هذا السياق إلى ما قد تُسفر عنه المرحلة التي ستسبق انتخابات 2009.
هذه الانتخابات القادمة لا تزال تشكِّل مصدر خلاف بين مكوِّنات 18 أكتوبر (الذي يضم شخصيات سياسية يسارية وعروبية وليبرالية وإسلامية)، إذ بالرغم من الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه حول بعض المسائل العامة، مثل رفض "الرئاسة مدى الحياة"، إلا أن هناك من يُلح على ضرورة الفصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية.
ومن هؤلاء النقابي الدكتور خليل الزاوية، عضو المكتب السياسي لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي يتوقع أن تشهد المرحلة القادمة تراجع الملفات السياسية مقابل صعود الملف الاجتماعي، الذي سيطغى على الساحة المحلية، وذلك بسبب تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتداعيات أسعار النفط المرشحة لأرقام خيالية، مع بقاء الملف الحقوقي يُراوح مكانه في انتظار توفُّر الإرادة السياسية لحسمه، وهو يعتقد بأن السلطة تجد نفسها حاليا في وضع مريح على الصعيدين، الداخلي والخارجي. فالمؤسسات الدولية المانحة، إلى جانب الحكومات الغربية، وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا، مستمرة في دعمها للنظام التونسي ولسياساته الاقتصادية والاجتماعية بالخصوص.
أما بالنسبة للمعارضة، فهو يدعوها إلى ضرورة توحيد مطالبها والدعوة إلى انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية ويؤكِّد على أن الأساسي في الاستحقاق الانتخابي القادم، هو البرلمان وليس الرئاسة.
وبناء عليه، يجب التركيز من وجهة نظر خليل الزاوية على وضع شروط دُنيا يُمكن أن تجعل من هذه الانتخابات محطَّة هامة في تطوير المشهد السياسي. ومن تلك الشروط، توفير مراقبة دولية وفتح المنابر الإعلامية وتنقيح المجلة الانتخابية التي يجب أن تنص على تجريم التزوير.
استفادة محدودة
استفادت حركة النهضة من هذه المناسبة الأخيرة، لكن استفادتها جاءت محدودة، حيث اكتفى النظام بإطلاق سراح عدد قليل من سجنائها، ولم يشمل جميعهم كما كان مأمولا، وبذلك يستمر ملف المساجين السياسيين مفتوحا فترة أخرى.
مع ذلك، بقي موقف النهضة ثابتا، حيث سجلت بارتياح هذه الخطوة الجزئية وجددت مطالبتها بإصدار عفو تشريعي عام، كما واصلت التنسيق مع بقية مكوِّنات حركة 18 أكتوبر، دون أن يطالب ممثلوها بأشكال تصعيد ضد النظام. فالدعوة التي توجه بها بعض كوادرها القيادية للمصالحة الوطنية لا تزال قائمة، رغم تجاهل النظام لها واستمرار التضييق على تحركاتهم.
وتفيد كل المؤشرات على أن الحركة في وضعها الراهن، لا تفكر في الاستجابة لما طلبه منها الدكتور منصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. فهذا الأخير طالب قادة النهضة بأن يكونوا "أكثر وضوحا" بخصوص موقفهم من دعوته إلى تغيير النظام ورحيل الرئيس بن علي والإعداد للبديل الديمقراطي، الذي يودّون الانخراط فيه.
الشيء المؤكد في هذا السياق، هو أن قادة حركة النهضة، على الأقل من هم في الداخل، لا يفكرون بنفس الطريقة التي يفكر بها المرزوقي ولا يرون في ما يقترحه عليهم حلاّ مناسبا لإنهاء المأزق السياسي الذي يواجهونه منذ مطلع التسعينات، فهم يطمحون إلى استرداد حقوقهم واستئناف نشاطهم السياسي في ظل النظام القائم، وليس بالدخول في مواجهة شاملة جديدة معه، كما يفكر الإخوان المسلمون في سوريا مثلا.
حركية مرهونة
في ضوء هذه الردود على الخطاب الرئاسي، يتبين أن المرحلة السياسية القادمة في تونس ستكون أكثر ارتباطا بمحطة الانتخابات القادمة. ورغم أن الجانب السياسي في الخطاب، جاء أقل من انتظارات الكثيرين، إلا أن المرحلة القادمة قد تشهد بعض الحركية، وهذه الحركية مرهونة بالعوامل التالية:
- التطورات التي قد يشهدها الوضع الاجتماعي، حيث أن التذمر من الغلاء قد بدأ يتفشَّى في معظم الأوساط وتجدّدت بشكل موازي الدعوة إلى شن إضرابات في بعض القطاعات الحساسة.
- قدرة الأحزاب السياسية على التغلب على عوائق التوحد والتنسيق فيما بينها، من أجل تفعيل مطالبها. وفي هذا السياق، يمكن التساؤل حول ما إذا سيحافظ المشهد الحزبي على ما استقر عليه حاله (بتخطيط وتشجيع من قبل السلطة) أم أن عناصر جديدة يمكن أن تتدخل لتُحدث تعديلات جوهرية عليه؟
وهنا، يمكن الإشارة إلى وجود نوع من التململ داخل أوساط عدد من الأحزاب البرلمانية. فانتقاد هذه الأوساط للحزب الحاكم أصبحت أكثر جلاء، وهي رغم وقوفها مع النظام، إلا أنها تتعرض في كثير من الحالات لضغوط خفية من قبل أنصار الحزب الحاكم، خاصة في الجهات النائية عن العاصمة، كما أن بعض قادة هذه الأحزاب ينظر بقلق للمناورات التي تُدار من أجل تقوية أحزاب وهمِية وتغذيتها بالأعضاء "المكلفين بمهمَّة"، مقابل الحرص على إيقاف نمو أحزاب أخرى غير مرتدة على الحكم.
كما يلفت النظر أيضا التغير المتواتر في الخطاب السياسي لحركة التجديد والمشاورات التي تجريها مع عدد من مكوِّنات الحركة الديمقراطية، وهو ما من شأنه أن يجعل الخارطة الحزبية أكثر مرونة، وقد تمهِّد لتأسيس تحالفات انتخابية تخوض المواعيد المقبلة بأكثر نجاعة مما كان عليه الأمر في تجارب سابقة.
حيرة المعارضة
في انتظار أن تتوضح جزئيات الخطة السياسية للنظام الخاصة بكيفية إدارة الاستحقاق السياسي القادم، هل سيلجأ النظام إلى نفس الأساليب السابقة من أجل فرض هيمنة الحزب الحاكم، مع الأخذ بعين الاعتبار الترفيع الذي حصل في مقدار "الكوتا" المخصصة للأحزاب داخل البرلمان؟
وماذا سيحصل في الملف الإعلامي، الذي لا يزال يراوح مكانه، حيث لا تزال الجُرعة المسموح بها للرأي المخالف داخل القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة ضعيفة جدا، رغم بعض المحاولات المحتشمة؟ فقائمة الممنوعين من الظهور على الشاشات طويلة جدا.
وهل سيسمح أخيرا لكل المهتمين بملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لكي يلتقوا ويبحثون بجدية عن حل لهذه المعضلة، بعيدا عن أجواء المناورات، مع إعطاء صلاحيات فعلية للسيد منصر الرويسي، رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان أو لغيره من أجل المساعدة الفعلية على إنهاء هذا الإشكال، الذي ألحق أضرارا فادحة بجميع الأطراف، وفي مقدمتها السلطة؟
هكذا يبدو المشهد التونسي بعد مرور ذكرى عشرين عاما من حكم الرئيس بن علي، مشهد لا يختلف الكثيرون في أنه يتمتع بعناصر قوة، لكنه محكوم بسقف منخفض كثيرا، كما أن المسافة بينه وبين دول عربية عديدة في مجال الحريات العامة، تزداد اتِّساعا يوما بعد يوم.
وأمام هذا الوضع، تستمر المعارضة السياسية التونسية محتارة بين انتظار إصلاحات قوية وملموسة يُبادر بها النظام، حتى لو كان الهدف منها تجديد شرعيته، وبين شعور بالعجز عن أن تتولى هي فرض ذلك بالوسائل السلمية والديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.