في علاقة بإشرافه على هيئة مكافحة الفساد .. العميد السابق للمحامين شوقي الطبيب أمام دائرة الفساد المالي    أريانة: وقفة احتجاجية لسواق التاكسي الفردي على خلفية تأخر الإعلان عن القائمة النهائية للرخص المسندة للقطاع    بودربالة يجتمع بممثّليْن اثنين عن عمال الإعاشة لدى الشركات البترولية بصحراء تطاوين    سيدي بوزيد .. أعوان شركة النقل «القوافل»... في إضراب    بسبب تراجع أسعار زيت الزيتون .. غياب سعر مرجعي ... يُغضب الفلاحين    صالون الموبيليا والديكور والصناعات التقليدية بصفاقس .. دورة جديدة بروح متجدّدة    عاجل/ قتلى في تحطم طائرة عند هبوطها بهذا المطار..    ملوّحا بالردّ على تجميد أصول روسيا .. بوتين: قادة أوروبا «خنازير صغيرة»    المنتخب التونسي يفوز وديا أمام بوتسوانا    كرة اليد.. تأجيل الاعلان عن قرار اثارة النادي الافريقي    الربّاع عبد الملك حربوش يحقق إنجازاً مميّزا بثلاث فضيات في لواندا    القيروان .. حادث مرور يخلّف احتراق سيارة وتفحّم سائق داخلها    تلاقيح الحجيج قريبا    أيام قرطاج السينمائية 2025: الإعلان عن جوائز «شبكة» و«تكميل» ضمن قسم «قرطاج المحترفين»    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    خطبة الجمعة ..طلب الرزق الحلال واجب على كل مسلم ومسلمة    وخالق الناس بخلق حسن    الليلة: أمطار والحرارة تتراوح بين 9 درجات و17 درجة    افتتاح الدورة 14 من معرض مدينة تونس للكتاب    عاجل/ بمناسبة عطلة الشتاء: وزارة النقل تتخذ جملة هذه الإجراءات..    عاجل/ نشرة متابعة جديدة للرصد الجوي: أمطار رعدية الليلة..    الكاف: يوم تحسيسي لتشجيع صغار الفلاحات على الانخراط في منظومة الضمان الاجتماعي    كأس العرب.. إلغاء "مباراة البرونزية" بين الإمارات والسعودية    الولايات المتحدة تسلّم تونس تجهيزات أمنية بقيمة 1.4 مليون دولار لدعم مكافحة الإرهاب    تسجيل اضطراب وانقطاع في توزيع مياه الشرب ببعض المناطق من ولاية قابس    لقاء علمي حول اللغة العربية بكلية الآداب بمنوبة    المنستير: عروض متنوعة خلال الدورة 12 من تظاهرة "الأيام الثقافية لفنون الفرجة" ببنبلة    انتداب خريجي التعليم العالي : الشروط اللى تخليك تسجّل في المنصّة    توزر: استعدادات لإنجاح الأنشطة السياحية بمناسبة عطلة الشتاء واحتفالات رأس السنة    هامّ لتلاميذ الخاص: التسجيل عن بعد للحصول على بطاقة التعريف لا يشملكم    جمعية أجيال قصر هلال في جبل سمّامة: الجبل يحتفي بالدكتور فنطر    حزب التيار الشعبي يلتقي قيادات من حركات المقاومة الفلسطينية    تظاهرة كروية جهوية من 23 الى 26 ديسمبر 2025 بالمركز الثقافي والرياضي للشباب بن عروس    وفاة رضيع نتيجة البرد القارس في خان يونس..#خبر_عاجل    كوتش يفسّر للتوانسة كيفاش تختار شريك حياتك    تزايد حالات التهابات الأنف والأذن والحنجرة: تحذيرات من دكتورة تونسية    نيجيريا تزعم أن الكونغو الديمقراطية دفعت بلاعبين غير مؤهلين في تصفيات كأس العالم    دار الصناعات التقليدية بالدندان تحتضن معرض "قرية وهدية" من 22 الى 30 ديسمبر الجاري    لا تفوتوا نهائي كأس العرب لكرة القدم بين المغرب والأردن..موعد والنقل التلفزي..    الاولمبي الباجي يعزز صفوفه بمحرز بالراجح ومحمد علي الراقوبي    فتح باب الترشح لجوائز الإبداع الأدبي والفكري والنشر لمعرض تونس الدولي للكتاب    اختفى منذ أيام: العثور على جثة شاب متوفي وسط ظروف غامضة..    رحلات وهميّة نحو تونس: عمليّات تحيّل كبيرة تهزّ الجزائر    عاجل: الدولة تنظّم ''شدّان الصغار'' في الدار...وهذه أبرز الشروط    دراسة تحذر.. "أطعمة نباتية" تهدد صحة قلبك..تعرف عليها..    الستاغ: هاو كيفاش تتمتّع بإجراءات تسهيل الخلاص بداية من 22 ديسمبر    بطولة الكويت: طه ياسين الخنيسي ينقذ الكويت من الخسارة امام السالمية    الكونغرس الأمريكي يقرّ الرفع النهائي للعقوبات عن سوريا    عاجل/ بداية من اليوم: تونس تدخل تحت تأثير منخفض جوّي قادم من الجزائر..    عاجل/ رصدت في 30 دولة: الصحة العالمية تحذر من انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    ولاية ثالثة لترامب.. "حديث" يثير عاصفة دستورية    ترامب في خطابه إلى الأمة: الجيش الأمريكي هو الأقوى في العالم    الاتحاد الأوروبي يوافق على قواعد أكثر صرامة بشأن ترحيل طالبي اللجوء    عاجل/ عامين سجن في حق هذا الفنان..    هام: منظمة الصحة العالمية تحذّر من الانتشار السريع لل Grippe    مستشفى شارل نيكول: نجاح أول جراحة الكلى الروبوتية في تونس    شيرين تردّ على ''الكلام الكاذب'' عن صحتها وحياتها    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبقة السياسية في تونس لا تزال تبحث عن "باب العرش"

مرّت الذكرى العشرون لتولِّي الرئيس بن علي السلطة في تونس دون حدوث مفاجآت كبرى.
فالخطاب الذي ألقاه بهذه المناسبة، لم يتضمن قرارات سياسية استثنائية، مثل تلك التي راجت خلال الأشهر والأسابيع الأخيرة.
صاحب القرار في البلاد، حافظ على نفس الأسلوب الذي انتهجه منذ عام 1994، أي الإعلان عن إجراءات إصلاحية جُزئية لم تتجاوز المنهَج الذي اعتمده النظام منذ أن همَّش معظم خصومه، وهو المنهج الذي وصفه الدكتور مصطفى بن جعفر في تعقيبه على الخطاب الرئاسي بأسلوب "قطرة قطرة".
اختار النظام الأطراف التي تستحق من وجهة نظره الدعم، وهي تحديدا الأحزاب الممثلة في البرلمان، التي ستتمتع مستقبلا بمزيد من المِنح المالية لتغطية نشاطاتها والاستمرار في إصدار صحفها.
فهذه الأحزاب قبِلت منذ البداية قواعد اللعبة التي وضعتها السلطة واختار معظمها منهج التعاون مع الرئيس بن علي، انطلاقها من أنه صاحب مشروع إصلاحي، والتمييز بينه وبين الحزب الحاكم، الذي توجّه له انتقادات تبلغ أحيانا اتِّهامه بأنه يحتوي على "قوى ردّة تدفع نحو الخلف"، كما جاء في تصريح أخير لأحمد الإينوبلي، رئيس الاتحاد الديمقراطي الوحدوي.
وإذ تنطلق هذه الأحزاب من المكاسب التي تحققت، فهي تطالب من حين لآخر بتدارك ما تعتبره نقائص، ولكن بأسلوب تتجنب فيه لغة التنديد والاحتجاج التي من شأنها أن تؤثر على مناخ التفاهم القائم بينها وبين الحكم، وهي لا تكتفي بذلك، بل لوحظ بأن بعضها لا يتردّد في انتقاد الأحزاب والجمعيات التي تنتهج أسلوبا مغايرا في المعارضة، إلى درجة التشكيك في وطنيتها واتهامها بالاستئساد بالخارج أو خدمة أهداف من تصفهم بالمتطرفين.
لكن مع ذلك، فهذه الأحزاب التي توصف بالبرلمانية، لا تشكل كتلة متجانسة، فالائتلاف الذي قام بين أربعة منها، وهي خطوة شجعتها السلطة، لم يصمد كثيرا نظرا لوجود تفاوت ملحوظ بينها في الحجم والتجربة، إلى جانب بعض الاختلافات حول مسائل أخرى.
نشاط منفرد
أما حركة الديمقراطيين الاشتراكيين (أقدم الأحزاب المعارضة المعترف بها)، فقد فضلت ولا تزال النشاط المنفرد، بعد أن نجحت في السيطرة على خلافاتها الداخلية، كما تجنبت في الغالب كل ما من شأنه أن يجرّها إلى حالة تماس مع بقية الأطراف، بما في ذلك الأحزاب الاحتجاجية.
ورغم العلاقة القوية التي تربط أمينها العام بالرئيس بن علي، إلا أن الحركة دعت السلطة في أكثر من مناسبة إلى الانفتاح على جميع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، ونادت بطي صفحة الماضي وإصدار عفو تشريعي عام والقيام بمصالحة وطنية.
بل إن السيد إسماعيل بولحية أكَّد لسويس انفو في تصريح خاص، بأنه من حق جميع الأحزاب القانونية التمتع بالتمويل العمومي، وأضاف "التمييز بين الأحزاب في هذا المجال، من شأنه أن يدفع البعض إلى التشكيك في مصداقية الأحزاب البرلمانية، التي يقول عنها البعض بأنها أحزاب ديكور".
وهو إذ يعتبر بأن خطاب الرئيس بن علي الأخير، يتضمن "تواصلا مع نفس بيان السابع من نوفمبر من حيث الطموح والوعود والتبشير بمرحلة جديدة وخلق نسق مفتوح، بعد ما تحقق من مكاسب"، فقد دعا إلى "قراءة ما بين السطور في هذا الخطاب، وتحليل ما ورد فيه من إشارات ورموز"، إلا أنه ألحَّ على أهمية الإرادة السياسية الرئاسية ودورها في "إخراج الكثيرين من الشعور بالإحباط واليأس، وبالخصوص أوساط الشباب".
تجاهل رئاسي
أما حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا)، فقد انتهجت منذ فترة، وبالأخص بعد مؤتمرها الأخير، خطا سياسيا مغايرا لبقية الأحزاب البرلمانية، إذ بالرغم من اعتراضها على مختلف صِيغ التعاون والتنسيق مع حركة النهضة (المحظورة) التي تعتبرها "طرفا غير ديمقراطي"، إلا أنها أكدت استعدادها للتعاون مع معظم العائلات السياسية، بما في ذلك بعض أطراف مبادرة 18 أكتوبر، كما سبق لحركة التجديد أن تضامنت مع الحزب الديمقراطي التقدّمي (معترف به لكنه غير ممثل في البرلمان) في معركته الأخيرة للاحتفاظ بمقره المركزي.
ولعل سعي حركة التجديد المتواصل من أجل تأسيس قُطب يساري، هو الذي جعلها تُبدي استعدادا متزايدا للانخراط في الحراك الديمقراطي الاحتجاجي، وهو توجه من شأنه أن يثير قلق السلطة، وإذا ما استمرت الحركة على هذا النهج خلال المرحلة القادمة، فقد تُعاقب وتجد نفسها خارج البرلمان خلال الانتخابات التشريعية القادمة (2009)، بعد أن تمّ تحجيم وجودها في الانتخابات السابقة (2004) من خمسة مقاعد إلى مقعدين.
بالنسبة للأحزاب التي تنشط خارج البرلمان، فقد تجاهلها الخطاب الرئاسي، ولكنه لم يُهاجمها كما حصل في مناسبات ليست بالبعيدة، ولم تقع الإشارة إلى احتمال الاعتراف بحزب جديد مثلما شاع في الأسابيع الأخيرة، دون أن يعني ذلك أن مثل هذا الأمر لن يكون واردا خلال الأشهر القليلة القادمة، كما أنها ستبقى محرومة من الدعم المالي العمومي، رغم الصعوبات التي تواجهها لتغطية نفقاتها الأساسية، معتمدة في ذلك على تبرّعات أعضائها، وبذلك، ستستمر معاقبتها على تمسُّكها بخطاب نقدي ينحو إلى الطعن في شرعية النظام ويرفع شعار "لا رئاسة مدى الحياة"، الذي يُقصد به رفض ترشح الرئيس بن علي للمرة الرابعة في الانتخابات الرئاسية القادمة، التي ستجرى في خريف 2009.
ومن المتوقع أن تواصل هذه الأحزاب في ممارسة الضغط على الحكم، عساها أن تفرض بعض مطالبها وتحسن من ظروف نشاطها، لكنها في المقابل تعيش بدورها حالة من التجاذب في داخلها وفيما بينها.
الانتخابات.. مصدر خلاف
فالحزب الديمقراطي التقدمي، الذي كسب معركة المقر، لا يزال تبايُن الآراء داخل صفوفه مستمرا حول كيفية التعاطي مع المرحلة القادمة، وإذا كان الرأي السائد حاليا داخل الحزب بأن السلطة قد أغلقت الباب في وجوه كل من راهنوا على إمكانية حصول انفراج سياسي محتمل، ولو بصفة جزئية، فإن عضو المكتب السياسي السيد فتحي التوزري لا يزال يعتقد بأن النظام كان بإمكانه أن يُجازف بالمُضي أكثر في الإصلاح السياسي، وهو إذ انتقد إحجام السلطة على الانفتاح، مؤكِّدا على أن المشاركة السياسية يجب أن لا تقترن بالولاء المطلق، إلا أنه اعتبر بأن الباب "لم يُغلق نهائيا".
وبسؤاله عن تداعيات ذلك على الخطاب السياسي الذي سبق وأن دافع عنه في أكثر من نص مشترك مع رفيقه في القيادة السيد محمد القوماني، أكَّد التوزري لسويس أنفو أن "المنطلقات التي دافعنا عنها لا تزال تشكل نقطة ارتكاز للانطلاق من أجل التعامل مع المرحلة السياسية القادمة"، وهو يتطلع في هذا السياق إلى ما قد تُسفر عنه المرحلة التي ستسبق انتخابات 2009.
هذه الانتخابات القادمة لا تزال تشكِّل مصدر خلاف بين مكوِّنات 18 أكتوبر (الذي يضم شخصيات سياسية يسارية وعروبية وليبرالية وإسلامية)، إذ بالرغم من الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه حول بعض المسائل العامة، مثل رفض "الرئاسة مدى الحياة"، إلا أن هناك من يُلح على ضرورة الفصل بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية.
ومن هؤلاء النقابي الدكتور خليل الزاوية، عضو المكتب السياسي لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، الذي يتوقع أن تشهد المرحلة القادمة تراجع الملفات السياسية مقابل صعود الملف الاجتماعي، الذي سيطغى على الساحة المحلية، وذلك بسبب تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتداعيات أسعار النفط المرشحة لأرقام خيالية، مع بقاء الملف الحقوقي يُراوح مكانه في انتظار توفُّر الإرادة السياسية لحسمه، وهو يعتقد بأن السلطة تجد نفسها حاليا في وضع مريح على الصعيدين، الداخلي والخارجي. فالمؤسسات الدولية المانحة، إلى جانب الحكومات الغربية، وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا، مستمرة في دعمها للنظام التونسي ولسياساته الاقتصادية والاجتماعية بالخصوص.
أما بالنسبة للمعارضة، فهو يدعوها إلى ضرورة توحيد مطالبها والدعوة إلى انتخابات تتمتع بالحد الأدنى من المصداقية ويؤكِّد على أن الأساسي في الاستحقاق الانتخابي القادم، هو البرلمان وليس الرئاسة.
وبناء عليه، يجب التركيز من وجهة نظر خليل الزاوية على وضع شروط دُنيا يُمكن أن تجعل من هذه الانتخابات محطَّة هامة في تطوير المشهد السياسي. ومن تلك الشروط، توفير مراقبة دولية وفتح المنابر الإعلامية وتنقيح المجلة الانتخابية التي يجب أن تنص على تجريم التزوير.
استفادة محدودة
استفادت حركة النهضة من هذه المناسبة الأخيرة، لكن استفادتها جاءت محدودة، حيث اكتفى النظام بإطلاق سراح عدد قليل من سجنائها، ولم يشمل جميعهم كما كان مأمولا، وبذلك يستمر ملف المساجين السياسيين مفتوحا فترة أخرى.
مع ذلك، بقي موقف النهضة ثابتا، حيث سجلت بارتياح هذه الخطوة الجزئية وجددت مطالبتها بإصدار عفو تشريعي عام، كما واصلت التنسيق مع بقية مكوِّنات حركة 18 أكتوبر، دون أن يطالب ممثلوها بأشكال تصعيد ضد النظام. فالدعوة التي توجه بها بعض كوادرها القيادية للمصالحة الوطنية لا تزال قائمة، رغم تجاهل النظام لها واستمرار التضييق على تحركاتهم.
وتفيد كل المؤشرات على أن الحركة في وضعها الراهن، لا تفكر في الاستجابة لما طلبه منها الدكتور منصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. فهذا الأخير طالب قادة النهضة بأن يكونوا "أكثر وضوحا" بخصوص موقفهم من دعوته إلى تغيير النظام ورحيل الرئيس بن علي والإعداد للبديل الديمقراطي، الذي يودّون الانخراط فيه.
الشيء المؤكد في هذا السياق، هو أن قادة حركة النهضة، على الأقل من هم في الداخل، لا يفكرون بنفس الطريقة التي يفكر بها المرزوقي ولا يرون في ما يقترحه عليهم حلاّ مناسبا لإنهاء المأزق السياسي الذي يواجهونه منذ مطلع التسعينات، فهم يطمحون إلى استرداد حقوقهم واستئناف نشاطهم السياسي في ظل النظام القائم، وليس بالدخول في مواجهة شاملة جديدة معه، كما يفكر الإخوان المسلمون في سوريا مثلا.
حركية مرهونة
في ضوء هذه الردود على الخطاب الرئاسي، يتبين أن المرحلة السياسية القادمة في تونس ستكون أكثر ارتباطا بمحطة الانتخابات القادمة. ورغم أن الجانب السياسي في الخطاب، جاء أقل من انتظارات الكثيرين، إلا أن المرحلة القادمة قد تشهد بعض الحركية، وهذه الحركية مرهونة بالعوامل التالية:
- التطورات التي قد يشهدها الوضع الاجتماعي، حيث أن التذمر من الغلاء قد بدأ يتفشَّى في معظم الأوساط وتجدّدت بشكل موازي الدعوة إلى شن إضرابات في بعض القطاعات الحساسة.
- قدرة الأحزاب السياسية على التغلب على عوائق التوحد والتنسيق فيما بينها، من أجل تفعيل مطالبها. وفي هذا السياق، يمكن التساؤل حول ما إذا سيحافظ المشهد الحزبي على ما استقر عليه حاله (بتخطيط وتشجيع من قبل السلطة) أم أن عناصر جديدة يمكن أن تتدخل لتُحدث تعديلات جوهرية عليه؟
وهنا، يمكن الإشارة إلى وجود نوع من التململ داخل أوساط عدد من الأحزاب البرلمانية. فانتقاد هذه الأوساط للحزب الحاكم أصبحت أكثر جلاء، وهي رغم وقوفها مع النظام، إلا أنها تتعرض في كثير من الحالات لضغوط خفية من قبل أنصار الحزب الحاكم، خاصة في الجهات النائية عن العاصمة، كما أن بعض قادة هذه الأحزاب ينظر بقلق للمناورات التي تُدار من أجل تقوية أحزاب وهمِية وتغذيتها بالأعضاء "المكلفين بمهمَّة"، مقابل الحرص على إيقاف نمو أحزاب أخرى غير مرتدة على الحكم.
كما يلفت النظر أيضا التغير المتواتر في الخطاب السياسي لحركة التجديد والمشاورات التي تجريها مع عدد من مكوِّنات الحركة الديمقراطية، وهو ما من شأنه أن يجعل الخارطة الحزبية أكثر مرونة، وقد تمهِّد لتأسيس تحالفات انتخابية تخوض المواعيد المقبلة بأكثر نجاعة مما كان عليه الأمر في تجارب سابقة.
حيرة المعارضة
في انتظار أن تتوضح جزئيات الخطة السياسية للنظام الخاصة بكيفية إدارة الاستحقاق السياسي القادم، هل سيلجأ النظام إلى نفس الأساليب السابقة من أجل فرض هيمنة الحزب الحاكم، مع الأخذ بعين الاعتبار الترفيع الذي حصل في مقدار "الكوتا" المخصصة للأحزاب داخل البرلمان؟
وماذا سيحصل في الملف الإعلامي، الذي لا يزال يراوح مكانه، حيث لا تزال الجُرعة المسموح بها للرأي المخالف داخل القنوات التلفزيونية الرسمية والخاصة ضعيفة جدا، رغم بعض المحاولات المحتشمة؟ فقائمة الممنوعين من الظهور على الشاشات طويلة جدا.
وهل سيسمح أخيرا لكل المهتمين بملف الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لكي يلتقوا ويبحثون بجدية عن حل لهذه المعضلة، بعيدا عن أجواء المناورات، مع إعطاء صلاحيات فعلية للسيد منصر الرويسي، رئيس الهيئة الاستشارية لحقوق الإنسان أو لغيره من أجل المساعدة الفعلية على إنهاء هذا الإشكال، الذي ألحق أضرارا فادحة بجميع الأطراف، وفي مقدمتها السلطة؟
هكذا يبدو المشهد التونسي بعد مرور ذكرى عشرين عاما من حكم الرئيس بن علي، مشهد لا يختلف الكثيرون في أنه يتمتع بعناصر قوة، لكنه محكوم بسقف منخفض كثيرا، كما أن المسافة بينه وبين دول عربية عديدة في مجال الحريات العامة، تزداد اتِّساعا يوما بعد يوم.
وأمام هذا الوضع، تستمر المعارضة السياسية التونسية محتارة بين انتظار إصلاحات قوية وملموسة يُبادر بها النظام، حتى لو كان الهدف منها تجديد شرعيته، وبين شعور بالعجز عن أن تتولى هي فرض ذلك بالوسائل السلمية والديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.