تشهد الساحة السياسية هذه الأيام تحولا وتصعيدا خطيرا في تعامل السلطة مع أطراف المجتمع المدني، وكأن إذنا مسبقا وراحة بال وثقة في النجاح جعل منهجية العصا والترويع هي الغالبة على الإطار، ومهيمنة على منهجه، ودافعة للبلاد نحو المجهول. ضُرب العلم وأحد أقطابه في تونس، ممثلا بداية في الدكتور المنصف بن سالم، فاعتدي على حريته وحرية أهله، ثم منعت بنات تونس المتحجبات من دخول الجامعات وإجراء الامتحانات، و ضُربت الصحافة ممثلة فيما تعرض له الصحافي الشاب سليم بوخذير من جور واعتداء، ثم تلاه تعرض سلك المحامين إلى محاولة تهميش استقلاليته وتقليص دوره، فاعتدي على بعض أساتذته..، ولم تتوقف منهجية العصا، بل طرقت مناطق كنا نظنها محرّمة، فاعتدي على تجمع للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، وهي تحاول عقد مؤتمرها السادس ولم ينج أعضاءها ولا المنتسبين إليها ولا المدعوون الأجانب الذين حلوا ضيوفا عليها من اعتداء وصدّ ومنع وطرد. إن هذه الهيستيريا التي ألمّت بالسلطة في تونس ودفعتها إلى هذا السواد الذي غطى المشهد السياسي التونسي وأطفأ أي محاولة لإنارته، هذه الهيستريا زادتها تمكينا واستفحالا ما ثبت من اعتداء مريع على القرآن الكريم، وأكد أن منهجية جديدة بدأت تنسج أطرافها في تونس وهي غلق كل سبل الحوار وتمتين الإقصاء والترويع، والاستخفاف بكل ما هو مقدّس، كان حرمة إنسان أو وطن، أو حرمة كتاب كريم. أمام هذا المشهد الخطير الذي يجعل كل البلاد واستقرارها على كف عفريت، يعظم مسؤولية التفاعل والتفعيل، ويوجب مخاطبة كل الأطراف بخطاب واضح وصريح لا ينتابه أي مجاملة أو تملق أو خوف، فالوطن في خطر ومسؤولية الجميع عظيمة في هذا السياق. واللقاء الإصلاحي الديمقراطي من منطلق استجابته لتحمل دوره كاملا في التصدي لهذا المسار المتصاعد نحو مناطق الخطر يدعو إلى ما يلي : * يؤكد على استنكاره وتنديده بما تتعرض له أطراف المجتمع المدني أفرادا ومجموعات من اعتداء وترويع، ويقف بكل ما أوتي من مساحة فعل إلى جانبهم، من مواطنات شريفات وسلك المحامين والصحافيين، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. * يعتبر أن المساس بالمقدسات وعلى رأسها ما تعرض له القرآن الكريم من تدنيس، أمرا خطيرا لا يجب الاستهانة به واعتباره من العموميات، بل يؤكد عمق الحالة الأخلاقية المتدهورة تجاه المقدّس عموما سواء كان كتابا شريفا أو إنسانا مكرّما. * يرى أن المسؤولية الأولى في هذا التصعيد تعود أساسا إلى أطراف في السلطة استطاعت أن تهيمن على مواقع القرار وتدفع بالبلاد نحو مناطق التوتر والمواجهة، ناشدة مصلحتها على حساب مصلحة الوطن. * يدعو المعارضة إلى عدم الاستجابة لمسلسل التصعيد و عدم بناء مشروعها المقاوم على ردات الفعل والمواجهة، وعدم السقوط في محاولات الاستفزاز والإثارة، كما ينبه اللقاء إلى مزيد من الرشد والوعي في تبني منهجيات الدعوة إلى التصعيد والمواجهة دون فهم كامل بثقافة التونسي وعقليته، وتفهم ما يستطيع حمله وتحمّله، و دون اعتبار لمتطلبات المرحلة، و فقه بالتحولات الخارجية الحاصلة. و اللقاء يعتبر أن هذا المسار التصعيدي الجديد قد وقعت تجربته في التسعينات ضد أطراف أخرى من المجتمع المدني ممثلا في الحركة الإسلامية، وقد أثبت عقمه وفشله ولم يزد أصحابه إلا تمكنا وثباتا وانتهى إلى ظهور حالات من التطرف والمغالاة بعدما أقصيت الوسطية والسلمية من المشهد. وهذه العودة المنشودة للحوار لن تكون ناجحة وتؤتي أكلها إذا بقيت في إطار الترقيع والتلفيق واستماتة في الإقصاء، لذلك فإن إلزاميات هذه المرحلة الدقيقة ومسؤلياتها العظيمة تتمثل أساسا في عدم غلق قنوات الحوار ورفض الإقصاء والتهميش، والدخول في مسار سياسي سليم يستوعب كل الرؤى والأطروحات، ويتأسس على إفراغ السجون كلية من مساجين الرأي، ومصالحة وطنية لا تلغي ولا تقصي ولا تهضم حقوقا ولا تسكت عن واجبات، وتمكّن لديمقراطية سليمة وغير مغشوشة.