بسؤالها عن "الفتنة" قدر الأمة أم وعيها الزائف؟ لعبدالعزيز محمد الخاطر، تستهل مجلة "الدوحة" القطرية عددها الثاني في مسيرتها الجديدة. ويرى الكاتب أن "الفتنة" مفهوم يجب تفكيكه للخروج به من مكانته الرهيبة في زوايا الوعي العربي، وإعادته إلى مكانته الحقيقية والملموسة، كأن يفتن الشاب الوسيم قلوب النساء، أو تفتن المرأة الجميلة الرجال، وهما أمران يرى الخاطر أنه يمكن التحصن منهما بالأخلاق والتدين أو حتى بالزواج، فالوعي بأن الفتنة قدر للأمة، حمَّلها، أي الأمة، ما لا تحتمل وجعلها تنقل داءها في ردائها. أما "ثقافة الاعتراف بالآخر" فيحدثنا عنها من تونس د. عبدالسلام المسدي الذي يرى أن الهوية مصطلح متغير، وأن الإسلام أسقط فكرة الحدود الجغرافية وعنصر اللغة بوصفهما عاملين في تشكيل الهوية الجماعية، ويقول المسدي "إن الحضارة السوية إذا اكتملت تحرر أهلها من مركبات الخوف على الذات الثقافية." ومن البحرين يكتب د. نادر كاظم عن ذاكرة المرض وأرشيف العقوبات الجسدية في البحرين، فتوقيعات المرض على الجسد هي الحقيقة الأكثر حضورا، والعقاب الجسدي صك تراض مع قسوة الانتقام العارية، ويرى كاظم أن المرض يذكِّر بذاته أكثر مما يذكِّر بنعمة الصحة، وهو يورد من أقوال الرحالة عن البحرين قول زكريا القزويني (ت 682 ه) "ومَن سكن بالبحرين يعظم طحاله وينتفخ بطنه."، لذا فإن النسب المتطابقة في عدد المصابين علامة بليغة على الهوية القدرية لسكان البحرين الكبرى. وعن الشكلانية الروسية في النقد الأدبي وهستيريا اللغة يترجم د. عبدالواحد لؤلؤة عن آن جفرسون أستاذة الأدب الفرنسي بجامعة أكسفورد، حيث يمكن التأريخ للشكلانية الروسية في بداياتها المبكرة بعام 1914 عند ظهور دراسة فكتور شكلوفسكي عن الشعر المستقبلي بعنوان "بعث الكلمة"، كما أن نهايتها الأخيرة جاءت بفعل ضغط سياسي خارجي، تمثل بنص "شكلوفسكي" الذي نشره في يناير/كانون الثاني 1930، لكن الحقيقة أن الحركة كانت عرضة لنقد مستمر منذ عام 1923 عندما أفرد تروتسكي فصلا في كتابه بعنوان "الأدب والثورة" خصصه لنقد الشكلانية. وترى الكاتبة الفرنسية أن الشكل وحده هو ما تستهدفه الشكلانية، وأن مهمتها هي تحليل الفروق بين اللغة العملية واللغة الشعرية، فالزهرة الشعرية هي الزهرة التي لا توجد في أي باقة من باقات الزهور. وعن كتَّاب المسرح الحديث والتمرد على الإبسنية يكتب حمد الرميحي، فيرى أن التمرد الكتابي فعل إنساني يحدث نتيجة تراكم معرفي ثقافي فكري وفلسفي، وأن المثالية عند هيجل أنهت عهد الصروح الميتافيزيقية، وأن الشعور العميق بفردية الإنسان وخيبة أمله في الحضارة البشرية والقيم المنطقية قاد إلى العبث. ومن العراق يكتب علي بدر عن عالم المثقفين الصاخب وأوهام الوجودية العربية من خلال مقاله "سارتر ضد سارتر" الذي يراه أي سارتر امتثاليا رغم مبادراته السياسية وساحرا رغم عدميته، ويصفه بأنه قديس الليبرالية الذي رأى في وجود الفرد غاية بذاتها، فحل جدل الحرية والالتزام محل جدل الزنديق والمؤمن، ويقدم الكاتب في النهاية الصورة الأخيرة لسارتر، كما رواها إداورد سعيد، وصورة مخزية للوجوديين العرب، فسارتر كما يقول سعيد يهذي، ويرى بصعوبة، يأكل ويتساقط الأكل على قميصه. ومن تونس يكتب محمد القاضي عن بيت اللغة، والفرنسية المسكونة بذاكرة عربية عند الطاهر بنجلون الذي يكتب شكوكه وعواطفه بلغة غير لغة أمه، ولكن الفرنسيين يرون أنه أعطى نفحة شباب للكتابة الفرنسية. وفي حوار العدد الذي أجراه سامي كمال الدين مع د. نصر حامد أبوزيد المقيم في هولندا، يعتقد الأخير أن الإسلاميين لم يقرأوا نقد الخطاب الديني، ويرى أن الدولة كائن معنوي يجب أن يتخلى عن الانتساب إلى دين بعينه، وأن التحالف غير المقدس بين السياسي والديني قديم تاريخيا، وأن المساس بكتب التراث ونقدها صار قرين الكفر، وأن نسقنا الثقافي يعتمد على الرواية الشفاهية مما يجعلنا أسرى جهلنا أو تعصبنا. قضية العدد كانت عن "التسامح والتطرف"، حيث ترى "الدوحة" أن أفضل الدروب المؤدية إلى رقي الممارسة الإنسانية هو التسامح، وأنه من دون التسامح لا قبول للمختلف ولا تفهم له، وفي هذا تصادم مستمر ومجابهات تتوالد وتتناسل حتى الدمار. وفي هذا الملف/القضية يكتب د. يوسف القرضاوي عن ثقافة التسامح عند المسلمين، فيرى أن الدرجة الدنيا للتسامح أن تدع لمخالفك حرية دينه وعقيدته، والعليا ألا تضيق على المخالفين فيما يعتقدون حله في دينهم أو مذهبهم، وأن الخيبة والإخفاق مصير من يفكر في محو الأديان إلا دينه. ومن لبنان يشارك المطران غريغور حداد فيكتب عن "سكان القواقع"، مشيرا إلى أن حقوق الإنسان والمرأة إحدى طرق تعميم ثقافة التسامح. ومن مصر تكتب د. منى مكرم عبيد عن "السُّنة الكونية" وترى أن فكرة التسامح بسيطة وشفافة في حضورها، كارثية وقاتلة في غيابها، وتشير إلى أن هناك خطابات تشوه المقدس وتغتال العقل وتصادر الحرية، وأن معارك المتدينين مع أنفسهم أشد ضراوة في معاركهم مع غيرهم، وتؤكد عبيد أن ازدهار المرحلة الأندلسية كان نتيجة للتسامح المتبادل بين الإسلام والمسيحية. ومن المغرب يشارك د. محمد سبيلا متحدثا عن "المهمة العسيرة" متسائلا هل هو: تسامح أم تساهل؟ مشددا على مراجعة التراث الثقافي التقليدي وتكييفه مع معطى الحداثة، حيث يرى أن المقولات الأخلاقية تحولت إلى مقولات تشريعية وقانونية. ومن السودان يكتب د. النور أحمد عن "حوار الطرشان" مؤكدا أن الإسلام استخدم السيف كما يستخدم الطبيب المبضع، وليس كما يستخدم الجزار المدية، مشيرا إلى أن التكفير والإخراج من الملة في تاريخ الثقافة الإسلامية وصلا في غرابتهما للامعقول، وأن العالم الإسلامي يحتاج إلى اجتهاد جديد خارج إطار الفكر السلفي. ومن اليمن يتحدث عبدالباري طاهر عن "قابيل وهابيل" والثنائيات، مشيرا إلى اليهودية، والأصولية، وعلم الكلام وغنى التنوع، والتصوف وتعدد الحقيقة، ومنبها إلى أن الاتجاهات المتطرفة تجد سندا لها وأدلة في الدين والتاريخ، لكن العقلانية أكثر شيوعا ورجحانا، وأن تعدد الأنبياء مؤشر للتنوع والتفتح والتسامح. ومن لبنان يكتب د. رضوان السيد عن "النجاة والهلاك" ونظرات في رؤية العالم في الإسلام المعاصر، لافتا إلى أن العلاقة بين الدين والدولة تختلف في الأصول والنشأة بين الغرب والإسلام، وأن الغرب لم يرد بالإسلام صلاحا وإنما أراد به صداما في عقر داره. وعودة إلى المغرب لنجد د. كمال عبداللطيف يختتم ملف القضية بالإشارة إلى أن الغرب المعاصر يعاني تناقضا بين النظرية والممارسة. ومن ملف "التسامح والتطرف" إلى رحلة باريسية يأخذنا إليها الكاتب اللبناني جورج طراد، ثم يأخذنا د. مصطفى رجب في مصر إلى رحلة لغوية عن الاستفهام ب "ما" و"ماذا". أما شخصية العدد "محمد يونس" البنغلاديشي الذي يخرج من بطن الحوت ليقتل الفقر، ويحصل على نوبل للسلام 2006، فتحدثنا عنه فاطمة شرف الدين. رواية "وهج غامض للملكة لونا" لأمبرتو إكو، هو كتاب الشهر الذي يعرضه لنا د. أحمد صادق أحمد. بينما تمضي بنا ذاكرة المدن ليوم اشتعلت فيه القاهرة الأوروبية، فيروي الكاتب اللبناني فيصل جلول وقائع الحريق الذي حدث في 26 يناير/كانون الثاني 1952، مؤكدا أنه مجموعة حرائق وليس حريقا واحدا، وأن الفاعل مجهول رغم مضي 55 عاما، والمقال فصل من كتاب يصدر قريبا بعنوان "مصر بعيون الفرنسيس". وعن الجنوب في المسرح اللبناني يكتب عبيدو باشا تحت عنوان "عمارة جديدة"، مشيرا إلى أن مسرح الجنوب جاء انقلابا على الأشكال التقليدية و"الحكواتي" استلهام تراثي عبقري. إلى جانب ذلك، تنشر المجلة قصيدتين لسميح القاسم، وعدنان الصائغ، وخمس قصص لنورا محمد فرج، وأحمد إبراهيم الفقيه، وهيفاء بيطار، ووجدي الأهدل، ومحمد الصادق الحاج. وتختم "الدوحة" صفحاتها ال (160) بمقال د. محمد إبراهيم الشوش، مؤسس مجلة الدوحة ورئيس تحريرها الأسبق، عن "تلك الدوحة"، فيشير إلى أن المجلة في عهدها الأول كانت نتاج حب غامر، ولهذا أحبها القارئ ولم يجد الناشرون فيها ما يثير غضبهم ومؤاخذتهم.