تنطلق يوم الجمعة مباريات كأس العالم 2006 في ألمانيا وهي مناسبة للتعريف بلاعبي الفريق القومي التونسي ممثل القارة الإفريقية في هذه المباريات. وسوف أخص بالذكر أشهر لاعبي المنتخب وأكثرهم قدرة على لفت الانتباه وأعني به سانتوس وما أدراك ما سانتوس. سانتوس اسم برازيلي وهبه الله قدمان سحريتان وقدرة فائقة على ملامسة الكرة بطريقة تسحر العقول، وتلهب مشاعر الجماهير التواقة دوما إلى هذه اللعبة الشعبية المسماة بكرة القدم. بالنسبة لي من جيل مواليد النكسة جبلنا على الوله بكرة القدم حتى وإن كنا قد حرمنا منها في طفولتنا وعوضناها ببالونات مقلدة نصنعها من بقايا الثياب المهترئة نحاكي بها لمسات تميم الحزامي ونجيب غميض وحمادي العقربي وطارق ذياب وغيرهم من الأسماء التي صنعت مجدنا الكروي في البرازيل عام 1978. ولأن جيل تميم الحزامي الذي تحدثت عنه قبل قليل قد ذهب وجاءت أجيال العولمة الجديدة على نحو غيبت سحر الكرة وجاذبيتها التقليدية عندنا، لذلك كان اسم سانتوس يحمل في ثناياها بقايا سحر تلك النخبة التي أوصلتنا إلى البرازيل. كانت أياما سقاها الله حلوة جميلة نفتش فيها في أزقة حينا عن بيت مرفه يسكنه تلفزيون بالأسود والأبيض نتسمر حوله كل شباب القرية لمتابعة مباريات نهائيات البرازيل 1978، بل وحتى نهائيات المباريات الوطنية. وأذكر كم كنا نحن أبناء الحي الواحد رغم صغر سننا نختلف ونتخاصم في تقييم آداء الفرق واللاعبين. وللتاريخ فقد تقاسم ودنا فريقان أحدهما يحمل اللونين الأبيض والأحمر أما الآخر فيحمل الأصفر والأحمر، هذا الأخير وأعني به الترجي الرياضي التونسي الذي فاقت شهرته تونس، هو الذي جلب سانتوس إلى ربوعنا الخضراء فاختطف بلمساته السحرية للكرة وحركاته الرياضية المتقنة عقول وألباب عشاق كرة القدم. سانتوس ولد في البرازيل ولعله لم يهوب ناحية المدرسة فقط تمكن من صقل مواهبه الطبيعية فقادته قدماه إلى عرض تنازل بموجبه عن وطنه الأم وأهدى نفسه لتونس الخضراء يرفع علمها في أشهر لعبة شعبية عالمية، ونصفق له نحن المولعون بالفنيات الكروية. سانتوس ولست أدري إن كان قد أتقن اللغة العربية أم لا أو حتى اللهجة التونسية المحكية وتشبع من عاداتنا وتقاليدنا يقود هذه الأيام فريقنا القومي مع نخبة كروية مقتدرة من أبنائنا إلى ألمانيا بعد أن تم تعديل كل أوقات العمل والدراسة وامتحانات نهاية السنة على دقات مباريات الملاعب الألمانية. وشبيه بسانتوس البرازيلي الأصل بالقدرة على الإبداع وصقل المواهب وتوجيهها فكريا لا فيزيولوجيا، كان الوريمي العجمي أصيل منطقة سوسة الساحلية ينهل من كتب فلاسفة اليونان وفلاسفة عصور النهضة المسلمين والغربيين، وإذا أردت فاسأل عنه كل من عاصره من رواد كلية الآداب في منوبة أو في 9 أفريل التي طرد منها باتجاه المغرب الأقصى حيث أنهى دراساته الجامعية بتفوق شهد له به خصومه قبل أصدقائه. سانتوس برازيلي أعطي الجنسية التونسية ليدافع بقدمه عن سمعة تونس ومجدها الكروي، بينما تسحب الجنسية الإنسانية من الوريمي العجمي ويلقى في قعر مظلمة ما دام حيا، لأنه أراد أن يدافع عن سمعة تونس وانتمائها الحضاري بفكر وقاد ثاقب. لم أتعرف شخصيا على سانتوس ولا على الوريمي العجمي، ولكني تابعت عبر الشاشة المصغرة والمواقع الالكترونية آداء كل منهما في مجاله الخاص فقد كانا بحق يمثلان الشخص المناسب في المكان المناسب، لكن الأول التونسي المقلد الآن في ألمانيا في فنادق 5 نجوم، أما الآخر التونسي الأصل ففي غياهب السجون تمزقه أمراض سنوات العقد والنصف العجاف التي قضاها متنقلا بين المعتقلات التونسية وقد كادت عيناه تبيض من شدة الحزن على فقدانه لوالده دون رؤيته، بل إن ذاكرته قد حفظها الله، رغم محاولات تغييبها في دهاليز الداخلية وأساليب تعذيبها. بالنسبة لي كمؤمن بالله أعتبر حفظ ذاكرة الوريمي من التلف والضياع إنما لحفظه لكتاب الله تعالى الذي تعهد الله بحفظه، فبحفظه وتكراره لكتاب الله داخل السجن حفظت ذاكرته. كان الوريمي من الرعيل الأول من أبناء الحركة الإسلامية لعله أشبه ما يكون في حركيته وصدقه بتميم الحزامي وطارق ذياب مع الفارق طبعا في الاختصاص والاهتمام الذين حافظوا على طهورية ونقاوة الأسلوب فتجاوز بذلك عن ذاته وقدم نفسه في سبيل فكرة ومبدأ اعتقد أنه لله وحده، رافضا الهروب من أرض المعركة معركة الصراع على الهوية وهو ما تيسر لكثير من إخوته، فدفع الثمن غاليا أن يعيش مدى الحياة بين أربعة جدران تنهشه الوحدة والعزلة وتبدل الأحوال، وقبل أن أعود لسانتوس ورفاقه الذين حطوا الرحال بألمانيا داعيا المولى عز وجل أن يكون في عونهم لرفع صورة تونس في هذا المحفل الدولي، أهمس في أذن الكاتب اللامع الأستاذ برهان بسيس لعله يذكر مناظراته الفكرية مع زميله العجمي الوريمي في كلية الحقوق أو في كلية الآداب فيذكره بخير عند من يملك قرار فك أسره لعل قلبه يلين فيسمح للوريمي أن يعيش ما تبقى له من العمر تحت الشمس لا خلف القضبان وبين أهله لا بين الشواذ. أدعو الله العلي القدير أن لا يأتي يوم الرابع عشر من هذا الشهر حيث ستكون أولى مباريات منتخبنا الوطني إلا وقد تم تحرير سانتوس الوريمي السجين والمريض هذه الأيام ليتابع آداء فريقه القومي في نهائيات ألمانيا "فمن عفا وأصلح فأجره على الله. صدق الله العظيم.