رغبة منها في مكافحة قوى التطرف والإرهاب في البلد، استعانت السلطات الجزائرية بمحطة إذاعية لنشر آراء دينية تطعن في أطروحات العنف. فقد جندت علماء دين وأئمة جزائريين وخليجيين على أمواج الإذاعة لضرب الأسس العقائدية التي يعتمد عليها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي لتبرير العمليات الانتحارية في شمال إفريقيا. واستعملت السلطات إذاعة القرآن الكريم كمنبر لهؤلاء لتقديم تبريرات وأدلة شرعية تدحض المعتقدات والفتاوى التي يستند إليها أمير تنظيم القاعدة المحلي عبد المالك دروكدال. هذا الزعيم الإرهابي مسؤول عن تصاعد عملية العنف بين جماعات مناهضة للحكومة بما فيها استهداف المدنيين منذ تفجيرات الحادي عشر من أبريل 2007 في العاصمة. وبثت إذاعة القرآن الكريم يوم 22 يناير الجاري ندوة تحت عنوان "التحذير من فتنتي التكفير والتفجير" نشّطها إبراهيم بن عامر راحيلي من السعودية ونبيل مصطفى عصماني وعبد الغني عويسات من الجزائر والداعية الجزائري المقيم بالعربية السعودية عبد المالك رمضاني. وأوضح هؤلاء في تدخلاتهم على أمواج الإذاعة أن تكفير الحكام والمحكومين في الجزائر غير مبني على نصوص ثابتة في القرآن والسنة وأكدوا لعناصر تنظيم القاعدة إن سفك دماء الأجانب واستباحتها في الجزائر بحجة أنهم مرتدون وصليبيون محرم كونهم دخلوا بلاد المسلمين مسالمين آمنين. وقال الشيخ عبد الغني عويسات "إن ما يحدث في الجزائر من تفجيرات وعمليات إرهابية ليس جهادا ولكنه فتنة". ودعا عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى التخلي عن العمل المسلح من منطلق أن ما يقومون به هو غلو في الدين وعصيان لأولي الأمر. وفي نفس السياق أشار الدكتور إبراهيم بن عامر راحيلي الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة أن هؤلاء الذين يكفرون السلطات وأولي الأمر في إشارة إلى تنظيم القاعدة عبر القيام بتفجيرات واغتيالات قد وقعوا في المعصية وساهموا في زرع الفتنة وإذا أرادوا حقا إصلاح الوضع عليهم أن يقوموا بذلك برفق ولين. وطالب الداعية عامر راحيلي المواطنين الجزائريين إلى التعاون مع ولاة الأمر (السلطات) في محاربة الإرهابيين واصفا إياهم "بالمفتونين في قتل المسلمين". وحرم العمليات الانتحارية وأكد أن أولئك الذين يفجرون أنفسهم يرتكبون إحدى الكبائر وهي قتل النفس. ورغم أن الإذاعة المذكورة تبث لعدة ساعات محدودة من الخامسة إلى غاية الحادية عشرة صباحا فقط فقد بدأ أثرها واضحا في جهود مكافحة الإرهاب أصلا. وكانت صحف جزائرية أكدت طبقا لتقارير أمنية محلية وفرنسية أن إذاعة القرآن الكريم لعبت دورا محوريا في الأشهر الأخيرة في إقناع عشرات المسلحين للكف عن العمل المسلح قصد الاستفادة من تدابير العفو التي أقرها قانون العفو والمصالحة الوطنية المصادق عليه في بداية سنة 2005. وتحركت السلطات الجزائرية في هذا المنحى في المدة الأخيرة في محاولة لإبطال درجة تأثير الفتاوى المتطرفة بعد أن استغل التنظيم شبكة الانترنيت للترويج لأفكاره بالصوت والصورة وبعد أن عمد إلى تصوير كل العلميات الانتحارية والهجمات في الجزائر وأصبح من السهل على المواطنين العاديين الابحار في موقع إسلامي لتحميل أشرطة بكاملها للتنظيم المسلح وتحميلها بل أن بعض المواقع يتيح إمكانية تحميلها على الهواتف النقالة.