صوت الرصاص و الصواريخ الذي يخترق هدوء الفجر ويؤرق سكينة أهالي مدينة بنقردان .. يمر الوقت وتنجلي الظلمة معها وتنجلي معها حالة الذهول التي سيطرت على الناس .. يستمر صوت الرصاص والصواريخ ويختلط بأصوات تردد ” تحيا تونس”..”الله ينصركم”..”الله اكبر” … والنهاية كانت بأصوات مرددة إنّ ” المجد للشهداء”… تلك هي خلاصة الفيلم التوثائقي”بنقردان حارس الحصن” للمخرج فتحي الناصري الذي وثّق ”ملحمة بنقردان” و التي عايشها أهالي المنطقة من الثاني من مارس سنة 2016 الى حدود العشرين من نفس الشهر. الفيلم عرض أمس الجمعة 16 مارس 2018، في إطار يوم دراسي ”بمعهد الصحافة علوم الأخبار بمنوبة” ليسافر بمتابعيه عبر الزمن إلى فترة ليست بالبعيدة من تاريخ مدينة بنقردان، سفرة دامت 45 دقيقة انطلقت بصور تتغنى بخصال هذه المدينة يصاحبها نص نهل من البلاغة الكثير للشاعر مبروك السياري يحكي ويحاكي واقعا قد لا يخبر خفاياه إلا أبناء المدينة، من ثم كان الانتقال الى ترتيب تسلسلي لمادة خام للأحداث الإرهابية في نقل عفوي لمجريات الأحداث كما وثقتها كاميرا فتحي الناصري وفريق المصورين والصحفيين الذين عملوا معه حينها لفائدة عدة وسائل إعلامية. و قد ركز مخرج الفيلم على لقطات نقلت مواجهات مباشرة وحية بين القوات الأمنية والعسكرية وبين مجموعات إرهابية في ما يشبه حرب الشوارع الى جانب لقطات لعمليات تمشيط ومطاردات للإرهابيين داخل المدينة و في أحوازها و صور لتشييع جثامين شهداء الملحمة في موكب مهيب، كما تضمن الفيلم صورة لإبنة أحد شهداء الملحمة التي كان عمرها آنذاك 5 سنوات يصدح صوتها الطفولي متحديا الإرهابيين وصورة لوالد الشهيدة سارة الموثق وهو يردد تلك العبارة الشهيرة “بلادي قبل أولادي ووطني قبل بطني”. و المُلاحظ في هذا الفلم أنّ النص قد غاب عن أغلب محطاته ليحل محله إلىى جانب أصوات الرصاص والقذائف والصواريخ حديث المواطنين وحتى المصورين الذين التحمو مع الأمنيين لتنطلق الشرارة الأولى لملحمة خلدت نصرا على الإرهاب لكنها خلدت أيضا تلاحما سيذكره التاريخ بين المواطنين الأمنيين و العسكريين دفاعا عن أرض تونس، هذا الى جانب وجود شهادات حية لعدد من أبناء المدينة ركز جزء منها على واقع التهميش الذي يعيشونه و كذّب مقولة ان بنقردان حاضنة للإرهاب. موجة من التصفيق الحار وسط قاعة العرض فور انتهاء الفيل، تعكس انطباع الاعجاب و الرضا عنه، أولعلها تعكس أكثر النخوة بالانتصار على الإرهاب سيما و أنّ حلقة النقاش التي تلت الفيلم وإن أجمع أغلب من شارك فيها على قوة المشاهد المختارة، و عمق تأثيرها فيهم إلا أنهاحملت أيضا نقدا للفيلم خاصة على مستوى جودة بعض الصور المختارة و أيضا في ما يتعلق بمسائل تقنية ومدى استجابة الفلم لمقاييس اعداد الوثائقيات. و في تفاعله مع المداخلات التي تراوحت بين الثناء والنقد قال المخرج فتحي الناصري، إنّه عصامي التكوين و لم يدع أنه أنتج فيلما وثائقيا بل ما قام به هو عبارة عن فيلمتوثيقي انطلق من مادة خام صورت كلها زمن الأحداث الإرهابية بهدف توثيق الملحمة واعادة الاعتبار إلى “بنقردان التي طالما عانت التهميش واتهمت بانها حاضنة للارهاب ” وكذلك بهدف اعادة الاعتبار او الاعتراف بالجميل للأمنيين والعسكريين الذين هبوا دفاعا عن الوطن إلى جتنب العرفان بالجميل للصحفيين والمصورين الذين لولاهم لما وثقت الملحمة ولبيان ظروف العمل التي عاشوها انذاك . و ذعن افتقار بعض المشاهد للجودة على مستوى الصورة قال الناصري إنّهوفريق من العاملين حاول العمل بما توفر لديهم من معدات،التي من بينهاكاميرات عادية وانتشروا في أكثر من مكان وقد التقطت بعض المشاهد القوية مضمونا بتلك الكاميراتوهو خير عدم الاستغناء عنها لقوة الرسائل التي تتضمنها. انتهى عرض الفلم لكن العمل عليه سيتواصل حيث تعهد مخرجه بادخال تعديلات تقنية عليه كما تعهدت صاحبة مؤسسة للترجمة بترجمته إلى عدة لغات حتى يبلغ صداه العالم.