يحتفل العالم اليوم، 03 ماي 2018، باليوم العالمي لحرّية الصّحافة و بهذه المناسبة نشرت منذ قليل النّقابة الوطنيّة للصحفيين التّونسيين تقريرها السّنوي حول واقع الحريات الصّحفية في تونس و فيما يلي التقرير : إنّ الفترة التي يعكسها تقريرنا السنوي لواقع الحريات الصحفيّة في تونس أي ماي 2017 – ماي 2018 حبلى بالوقائع و السّياسات الحكوميّة التي تجعلنا ندقّ ناقوس الخطر أمام ما يتهدّد أهمّ مكسب للثورة التونسية أي حرية التعبير و الصحافة من تهديدات خطيرة تنذر مع ما يعتمل من أزمة متعدّدة الأبعاد بنسف المسار الانتقالي برمّته. وقدّ تلخّص أربع سمات جديّة هذا الإنذار: أولها بداية تحوّل الاعتداءات التي تسلّطها أجهزة السّلطة التنفيذية من طابعها العرضي و الفردي إلى المؤسّساتي و الممنهج تجلّى خصوصا في استهداف أعوان وزارة الداخليّة للصّحفيين و المراسلين الأجانب خال شهري جانفي وفيفري 2018 أثناء تغطيتهم للاحتجاجات الاجتماعية الرّافضة لقانون المالية رافقتها حملة سياسيّة وإ علاميّة قلّلت من مهنية الصّحفيين و حيادهم وشكّكت في وطينتهم و اتهمتهم بالإساءة إلى صورة تونس في الخارج في استعادة لخطاب خلنا أنّنا قطعنا معه مع سقوط الديكتاتورية. وقد رافق ذلك حملات تشويه وتخويف و تهديد بالتّعذيب و الاغتصاب من قبل عناصر أمنيّة على شبكات التّواصل الاجتماعي ضدّ الصّحفيات والصّحفيين بدون أي رادع وفي إفلات تام من العقاب. وث انيها الإصرار على القطع مع المضامين التّحررية لدستور 2014 من خلال إعادة طرح مشروع قانون متعلّق بزجر الاعتداءات على القوات الحاملة للسّلاح يضرب في العمق الحريات الخاصة و العامة و يهّدد بشكل جدي حرية التّعبير و الصّحافة و الإعلام ويحاول إعادة استخدام الجهاز الأمني كعصا غليظة بعد أن استعاد نسبيا ثقة التّونسيات و التونسيين و هو ما من شأنه أنّما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب وتغول القطاع الأمني ويفتح الأبواب على مصرعيها لعودة هيمنة الدّولة البوليسية. هذا مع محاولة إستبلاه أعضاء مجلس نواب الشّعب من خلال تمرير مشروع قانون متعلق بإحداث هيئة الاتصال السّمعي البصري في غياب التّوصل إلى رفع مأخذ عدم دستورية مشروع قانون الأحكام المشتركة للهيئات الدستورية الذي يستند إليه مشروع قانون الهيئة في فصله الثّاني و يؤسّس عليه أحكامه، و هو ما يعكس غياب رؤية تشريعيّة واضحة وسليمة للتّعديل السّمعي البصري و تساقطا تشريعيا خطيرا من شأنه أن ينسف المكتسبات الوطنيّة التي تمّ تحقيها في هذا المجال، هذا إضافة إلى تعارض محتواه مع المكاسب التّي نص عليها الدّستور في مجال حرية التّعبير و الإعلام و معايير تعديل الاتصال السّمعي و البصري في الدّول الدّيمقراطية، وما قد ينجم عن المُصادقة عليه وتطبيقه من انعكاسات سلبيّة على حق المواطن في صحافة حرة مُلتزمة بقواعد المهنة الصّحفية وأخلاقياتها و مُحصنة ضدّ هيمنة مراكز النّفوذ السّياسية و المالية. و ثالثها تباطؤ السّلط المسؤولة و الأجهزة الرقابيّة في التصدي إلى تغلغل المال الفاسد في وسائل الإعلام الذي بات ينخر الكثير منها وأصبح أساس لتجيير المهنة الصّحفية لخدمة غايات إجرامية عكسه بشكل فجّ وواضح محتوى تسريب خطير لمالك قناة "نسمة" شجع على الفبركة والتّضليل الإعلامي وحثّ على هتك الأعراض و التّشويه و التّحريض، و ارتقى إلى فعل يجرمه القانون ولا علاقة له بالإعلام وأخلاقياته و مراميه خاصة في مرحلة انتقالية هشة تتطلب أكبر قدر من المسؤوليّة الإعلامية، ودلّلت عليه الحملة التّي قادها مالك قناة الحوار التونسي والمتّهم بالاستيلاء على المال العام ضدّ نقيب الصحفيين التّونسيين و الكاتب العام لنقابة الإعلام في مواصلة لسياسة المنابر الإعلاميّة الخطية التي تُشهّر بالهيئات الدّستورية والمنظّمات الحقوقية و الهياكل النقابيّة في مخالفة للمعايير المهنية التي تقتضي التوازن و النّقد العادل. ورابعها تصاعد تفقير قطاعات واسعة من الصّحفيين مما من شأنه أن يُلحق أضرارا كبيرة بأخلاقيات المهنة وبالدّيمقراطية بصفة عامة، ففي ظلّ سيطرة أوساط مالية، متهمة بالفساد وفاقدة لفهم الحقّ النقابي والحقوق الاقتصادية والاجتماعيّة، على أغلب وسائل الإعلام يجد المهنيون أنفسهم من يوم إلى آخر في وضع شديد الهشاشة يعملون وفق عقود غير قانونيّة ويتعرضون للطرد الجماعي والتعسفي ويُحرمون من التّغطية الاجتماعيّة مما من شأنه أن يَضعف لديهم الانضباط المهني و يهّدد موضوعتيهم و يهزّ قناعاتهم المجتمعيّة وصولا إلى إمكانيات الارتماء في أحضان من يدفع أكثر في ظلّ تقاعس كامل لأجهزة الدّولة في لعب دورها الاجتماعي في دعم الصّحافة المكتوبة و الإلكترونية والإعلام الجمعياتي وتغافل الأجهزة الرّقابية في منع الاستقواء على الصّحفيين وتجويعهم. لكن رغم هذا المشهد المأساوي فإنّ الهياكل المهنيّة وفي مقدّمتها النّقابة الوطنيّة للصّحفيين التّونسيين، ويقظة المجتمع المدني، وحساسيّة الشّعب التّونسي تجاه قضايا حرية التّعبير و الصحافة مازالت تملك ورقات أساسيّة للتصدي للأخطار المذكورة آنفا وأن ترسم بدائل ونضالات ستنعكس إيجابا ليس فقط على المهنة الصحفية والحريات العامة الفردية بل أيضا على مستقبل الديّمقراطية في بلادنا.