مع اقتراب فترة الربيع لتلقي بظلالها الممطرة تتنشر مظاهر الحياة في المناطق الصحراوية بتونس، حيث يعود الترفاس – أو الكمأة – ليُعيد نفسه بعد غياب دام أكثر من خمس سنوات. هذا الكمأ الثمين، الذي يُعتبر مصدر رزق مهم لعدد من الشباب، يبرز كرمز للتجدد الاقتصادي والثقافي في قلب الجنوب التونسي. ظهور الترفاس بعد غياب طويل بعد غياب طويل نتج عن ظروف الجفاف المتواصلة، بدأت أسواق ولاية تطاوين تشهد ظهور كميات كبيرة من الترفاس بأسعار مرتفعة تتجاوز 150 دينارًا للكيلوغرام الواحد. يُعد هذا الظهور بمثابة فجر جديد لأهالي الجنوب، الذين اعتادوا على غياب هذا المورد الطبيعي الحيوي لفترة طويلة، مما يعكس تداخل العوامل المناخية والاقتصادية في حياة المجتمعات المحلية. تأثير الأمطار والمناخ على التجدد يُعد نزول كميات هامة من الأمطار خلال فصل الربيع العامل الرئيسي وراء تجدد ظهور الترفاس في المناطق الصحراوية. فقد أكد علاء العرضاوي، أحد الشباب المهتمين بجمعه، أن توفر الترفاس بكثرة يعود مباشرة إلى تحسن الأحوال المناخية، مما يُعيد الأمل في موسم خصب يعزز من إنتاج هذا النوع من الفطر الفريد. جغرافية الترفاس: تطاوين ومدنين كنموذج للتنوع تتركز مواطن نضوج الترفاس في عدد من مناطق الجنوب التونسي، وبشكل خاص في ولايتي تطاوين ومدنين. تمتد فترة تواجده حتى شهر أفريل، مما يتيح فرصة للباحثين عن هذا المورد الثمين لاستغلاله وتقديمه للسوق المحلي والدولي. كما أن جودة الترفاس المنتجة في هذه المناطق جعلتها تحظى بشعبية كبيرة داخل تونس وخارجها. الاستخدامات المتعددة للترفاس يتعدد استخدام الترفاس سواء في المطبخ أو في الأنشطة الاقتصادية: – الاستخدامات الغذائية: يُستعمل الترفاس في تحضير أطباق شهية تتميز بنكهاتها الفريدة، حيث يُطهى في الماء والملح بعد تنظيفه، أو يُدمج مع أطباق الكسكسي والحساء والجلبانة، بل ويمكن حتى شويه على النار لإبراز طعمه المميز. – الاستخدامات الاقتصادية: يُعد الترفاس مصدر رزق موسمي مهم، حيث يخرج العديد من شباب الجنوب للتجول في المناطق الصحراوية بحثًا عنه. بعد جمعه، يُباع في أسواق تطاوين أو يُصدر إلى ولايات أخرى وحتى إلى الخارج، مما يُساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي بفضل الأسعار المرتفعة التي يتداول بها. دور الشباب في دعم الاقتصاد المحلي يُعتبر الترفاس من الموارد التي توفّر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للشباب في الجنوب التونسي. ففي ظل الظروف المناخية المتقلبة، أصبح جمع هذا الفطر الثمين نشاطًا اقتصاديًا يدعم الدخل الفردي والمجتمعي. كما أن الطلب المتزايد على الترفاس داخل وخارج البلاد يُحفز على تطوير أساليب الجمع والتسويق، مما يُسهم في خلق بيئة اقتصادية مستدامة في تلك المناطق. آفاق مستقبلية وتحديات قادمة رغم التفاؤل بعودة الترفاس ونموه في ظل تحسن الأحوال المناخية، تظل هناك تحديات يجب معالجتها لضمان استمرارية هذا المورد الطبيعي. من أهم هذه التحديات: – التغيرات المناخية: التي قد تؤثر على توقيت ووفرة الترفاس في المستقبل. – ضمان استدامة الموارد: من خلال وضع آليات تنظيمية تحمي البيئة وتحافظ على جودة الفطر. – دعم المبادرات المحلية: لتطوير سلاسل القيمة والتسويق وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج في الأسواق الدولية. يمثل الترفاس ليس فقط منتجًا غذائيًا فاخرًا، بل هو أيضًا رمزٌ للتجدد والأمل في مناطق الجنوب التونسي. ومع عودة الأمطار وتحسن الأحوال المناخية، يستعيد هذا الفطر مكانته في الاقتصاد المحلي وفي قلوب الشباب الذين يجدون فيه مصدر رزق وفرصة لإعادة بناء مجتمعاتهم على أسس أكثر استدامة وازدهارًا.