في سابقة استثنائية، يستقبل المغرب عيد الأضحى هذا العام دون شعيرة الذبح، وذلك للمرة الرابعة في تاريخه الحديث. فقد أصدر الملك محمد السادس يوم 26 فيفري الماضي قرارًا ملكيًا يُعفي المواطنين من تقديم الأضاحي، في ظل أزمة اقتصادية وبيئية خانقة تشهدها البلاد. ويُعيد هذا القرار إلى الأذهان ثلاث مناسبات مشابهة في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أعوام 1963، 1981 و1996، غير أن ما يميز قرار هذه السنة هو تعقّد الأسباب وتداخلها بين شُحّ المياه، الغلاء الفاحش، والضغط الاجتماعي المتصاعد. أصوات اجتماعية طالبت بالرحمة.. والملك يستجيب خلال العام الماضي، ارتفعت أصوات كثيرة من داخل المجتمع المغربي، مطالبة السلطات باتخاذ موقف جرئ يُخفّف عن كاهل الأسر، خصوصًا في المدن الكبرى، من عبء شراء الأضاحي وسط موجات متتالية من الجفاف وارتفاع أسعار اللحوم. ورغم فتح الحكومة باب استيراد قرابة 600 ألف رأس من الأغنام، ومنح تسهيلات ضريبية للمستوردين، لم تنخفض الأسعار كما وُعِدَ، بل استغلها البعض للمضاربة، فبلغ سعر الأضاحي المتوسطة بين 3500 و4500 درهم (350 إلى 450 يورو)، فيما وصلت الأضاحي الممتازة إلى 10 آلاف درهم (1000 يورو). وحتى أسعار الأحشاء والكبدة، ارتفعت لتصل في بعض المدن إلى 700 درهم (70 يورو). أرقام رسمية تؤكد تراجع الشعيرة كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الأسر التي لا تمارس شعيرة الأضحية ارتفعت من 4% في 2014 إلى 12% في 2022، معظمها في المدن. كما أوضح التقرير أن 56% من الأسر لا تمارس الذبح اليوم، مقارنة ب 46% قبل أقل من عقد. ويرتبط هذا التراجع بكُلفة الأضحية التي تُمثّل نحو 30% من إجمالي نفقات الأسر المغربية السنوية، مع استهلاك سنوي للحوم يُقدّر ب 140 كلغ للفرد. منع الأسواق والمذابح.. وتدخلات في المنازل في سياق تنفيذ القرار الملكي، منعت السلطات إقامة أسواق المواشي، وأصدرت تعليمات صارمة للجزارين بعدم الذبح، وبلغ الأمر حد اقتحام بعض المنازل لمصادرة الأضاحي، في مشاهد غير مألوفة أثارت جدلاً واسعًا. ورغم أن القرار جاء بهدف التخفيف، إلا أن ردود الفعل تراوحت بين من أشاد بالحكمة الملكية، ومن رأى في الخطوة مساسًا بحرية الممارسة الدينية، وتهديدًا لتقاليد متجذّرة في الوعي الجمعي. عيد استثنائي.. والنقاش مفتوح يستقبل المغاربة هذا العيد بلا خراف في الساحات، لكن بحضور نقاش وطني حقيقي حول الأولويات الاقتصادية والاجتماعية. فهل أصبحت شعيرة الأضحية عبئًا يتجاوز القدرة الشرائية؟ وهل نحن أمام تحوّل في علاقة المجتمع مع الطقوس الدينية في زمن الأزمات؟ عيد الأضحى في المغرب هذا العام ليس ككل عام، إنه عيد بلا ذبح.. لكن مليء بالتساؤلات.