بينما تتواصل الحرب المفتوحة بين إيران وإسرائيل للأسبوع الثاني على التوالي، تلوذ روسيا بالصمت الحذر، دون اتخاذ موقف واضح إلى جانب حليفتها طهران. فرغم الشراكة العسكرية التي تعززت بين البلدين في السنوات الأخيرة، لا يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد للذهاب بعيداً في دعمه للنظام الإيراني. فهل تخلّى الكرملين عن طهران في خضم هذا التصعيد؟ دعم محدود رغم تحالف السلاح والطائرات المسيّرة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فيفري 2022، أصبحت إيران شريكًا استراتيجيًا لروسيا، لاسيما من خلال تزويدها بطائرات «شاهد» المسيّرة، التي استخدمها الجيش الروسي على نطاق واسع. ومع ذلك، وفي مواجهة الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، اكتفى الكرملين بإدانة «قوية» للهجمات الإسرائيلية، دون أن يُعلن عن أي دعم عسكري مباشر لطهران. وتقول الخبيرة في الشؤون الروسية غاليا أكرمان إن «بوتين يندد بإسرائيل لكنه لن يحرّك ساكنًا، لأن قواته منشغلة في أوكرانيا». تحالفات مبنية على المصالح لا المبادئ بالنسبة لموسكو، العلاقات الدولية تُبنى على البراغماتية لا على القيم أو المبادئ. فإيران، رغم تحالفها مع روسيا، تُعتبر قوة إقليمية شيعية في صدام مع العديد من الدول العربية التي تربطها علاقات اقتصادية وثيقة مع الكرملين. وتؤكد أكرمان أن «روسيا تسعى للحفاظ على توازن دقيق في المنطقة، وهي لا ترى فائدة استراتيجية كبرى في الانحياز المطلق لإيران». وتضيف: «التحالفات الروسية تُبنى على المصالح، أما القيم فهي موجّهة للجماهير وليس للحكام». سورياوأرمينيا… سابقة في التخلي عن الحلفاء هذه السياسة ليست بجديدة على الكرملين. ففي عام 2024، عندما سقط نظام بشار الأسد تحت ضربات المعارضة المسلحة، اختارت روسيا تأمين قواعدها العسكرية في سوريا بدلاً من التدخل المباشر لإنقاذ حليفها. وفي عام 2023، شعرت أرمينيا بخيبة أمل كبيرة من موسكو، بعد أن بقيت القوات الروسية في موقف المتفرّج خلال هجوم أذربيجان على ناغورني قره باغ، رغم تعهدات سابقة بحمايتها. أدى ذلك إلى انسحاب يريفان من منظمة معاهدة الأمن الجماعي بقيادة موسكو، وتقاربها مع الغرب. علاقة متينة ولكن محسوبة مع الصين في ظل هذا التحول، تبقى الصين الشريك الأقرب والأكثر موثوقية لموسكو. تقول أكرمان: «التحالف مع بكين يبدو عميقًا، وهناك تقارب أيديولوجي بين النظامين، رغم اختلاف طبيعتيهما السياسية». أما كوريا الشمالية، فتلعب دورًا تكتيكيًا في هذا التحالف الثلاثي، حيث توفّر لموسكو السلاح والجنود، بينما تتيح لبكين دعم روسيا بشكل غير مباشر دون التورط علنًا في الحرب على أوكرانيا. الدول العربية… رئة اقتصادية لروسيا تسعى روسيا أيضًا إلى الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع الدول العربية، التي تتيح لها بيع نفطها في الأسواق العالمية في ظل العقوبات الغربية. وإلى اليوم، لم تتخذ هذه الدول موقفًا صريحًا ضد الحرب الروسية في أوكرانيا، ما يجعلها شريكة استراتيجية في نظر الكرملين. تختم أكرمان تحليلها بالقول: «بالنسبة لروسيا، التحالفات لا تكون إلا إذا كانت مفيدة… وبوتين يعرف متى يُمسك بالحليف ومتى يتخلّى عنه». موسكو في موقع المراقب… والربح أولاً في ظل تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، يواصل بوتين اعتماد سياسة الحذر والانتظار. لا اصطفاف ميداني، ولا دعم مباشر، بل تصريحات دبلوماسية فضفاضة، تعكس مقاربة روسية واقعية ترى في كل صراع فرصة لمناورة جديدة، لا التزامًا طويل الأمد.