ساهمت الأجنبية المباشرة في تطوير الاقتصاد الوطني في تونس على مدار العقود الماضية، إذ ارتبطت فلسفتها بالإنتاجية والابتكار وخلق فرص الشغل. كما أنها تركزت بالقطاعات الأكثر إنتاجية، التي تتمتع بإمكانيات تشغيلية أكبر، ومن المنتظر أن تواصل الشركات الأجنبية، في هذا الصدد، مشاركتها في تنمية القطاعات ذات القيمة المضافة العالية في البلاد وعرض التقنيات المختلفة، مع توفيرها فرص عمل أكثر استقرارا واهمية. من أجل استعادة ثقة المستثمرين الأجانب وتعزيز الاستثمارات في البلاد، تعمل سلط الاشراف على اتخاذ عدة إجراءات تتمثل بالأساس في إجراء إصلاحات اقتصادية جذرية تهدف إلى تحسين الحوكمة وتبسيط الإجراءات الإدارية. ويعتبر هذا الإجراء حاسما لاستعادة ثقة المستثمرين الأجانب. وفي الوقت نفسه، يجري السعي لتنويع قطاعات الاستثمار، مع التركيز على الصناعة المعملية وقطاع الخدمات. ويمكن هذا التنويع من جذب مجموعة واسعة من المستثمرين الأجانب وتحفيز الاقتصاد الوطني. معطيات إيجابية تأكيدا لنجاح هذه الجهود، فقد زادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس، خلال سنة 2024، بنسبة 21 بالمائة، مقارنة بسنة 2023، وقدّرت قيمتها بنحو 936 مليون دولار، وفق ما أظهره التقرير الأخير حول الاستثمار في العالم، نشره، أمس الخميس 19 جوان، مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية. وساهمت تونس، مع مصر، "بشكل لافت"، في الرفع من قيمة المشاريع الجديدة في شمال إفريقيا، حيث ارتفعت الاستثمارات، بنسبة 12 بالمائة، لتبلغ 76 مليار دولار، ما يعادل ثلثي نفقات الاستثمار في القارّة. تبعا لذلك، فقد ساهمت تونس في هذا التطوّر، باستثمارات مصرّح بها، بقيمة 13 مليار دولار، فضلا عن التطوّر الهام في عدد المشاريع. وحسب المنظمة الأممية، فإنّ شمال إفريقيا المنطقة الوحيدة، في القارّة الإفريقية، التّي شهدت ارتفاعا في قيمة المشاريع الجديدة. وكانت المنطقة الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، في القارّة، بقيمة 51 مليار دولار، مقابل 13 مليار دولار خلال سنة 2023. وأبرز التقرير، من جهة أخرى، الانتعاش الهامّة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو إفريقيا، التّي سجّلت قفزة، بنسبة 75 بالمائة، لتقدّر بقيمة 97 مليار دولار، أي ما يمثل 6 بالمائة، من الاستثمارات الأجنبية المباشرة عبر العالم، مقابل 4 بالمائة في 2023. على الصعيد العالمي، سجل التقرير تراجعا ملحوظا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على الصعيد العالمي بنسبة 11 بالمائة، ليبلغ مجموعها حوالي 1.5 تريليون دولار في عام 2024، وذلك للعام الثاني على التوالي. وعلى الرغم من أن البيانات الإجمالية توحي بارتفاع بنسبة 4 بالمائة، فإن هذه الأرقام تعكس في واقع الأمر اشكالا معلوماتيا ناتجا عن تدفقات مالية غير مستقرة مرت عبر دول أوروبية تلعب دور المعابر المالية، دون أن تعكس استثمارات حقيقية على الأرض، وفقا لما أورده التقرير السنوي الصادر عن الأونكتاد. وقد صرحت ريبيكا غرينسبان، الأمينة العامة للأونكتاد، أن الاستثمار لم يعد مجرد تدفق رؤوس أموال، بل هو إشارة إلى الخيارات التي يتخذها العالم لتحديد ملامح مستقبله الاقتصادي والاجتماعي. وأكدت في كلمتها أن المجتمع الدولي مدعو إلى تحويل المسار الاستثماري نحو تنمية أكثر شمولا واستدامة، لا سيما في القطاعات الرقمية، والتمويل الأخضر، والبنية التحتية الذكية. افاق لمزيد تطوير الاستثمار هذا وتعمل سلط الإشراف في تونس منذ مدة على تنفيذ استراتيجية جديدة لدعم الاستثمار من خلال رؤية جديدة ترتكز على جعل البلاد وجهة فعلية للاستثمار عبر تجسيم برنامج وطني متكامل يضمن خاصة تشجيع إحداث المؤسسات وتسيير انخراطها في سلاسل القيم العالمية والرفع من القدرات الإنتاجية والتكنولوجية بما يضمن تنافسيتها داخليا وخارجيا. وترمي هذه المنظومة الجديدة للاستثمار الى الرفع من القدرات التنافسية للمؤسسات بما يضمن تموقعها داخليا وخارجيا علاوة على المحافظة على الامتيازات الحالية وتدعيمها مع الاستثمار في المعرفة وإفراد المشاريع الخصوصية في المجالات ذات الأولوية والتي تستجيب لأهداف مخططات التنمية والاستراتيجيات الاقتصادية بامتيازات استثنائية حسب طبيعة المشروع ومحدودة في الزمن. وترتكز هذه الخطة الاستثمارية الجديدة على إسناد الاستثمارات الهامة من حيث خاصة حجم الاستثمار والتشغيل والقيمة المضافة بطريقة حالة بحالة في إطار اتفاقيات تبرم بين الدولة والباعث فضلا عن تشجيع التونسيين المقيمين في الخارج على الاستثمار في تونس.