رغم صمت المدافع بين الهندوباكستان، فإن المواجهة بين البلدين لم تنتهِ، بل انتقلت إلى جبهة جديدة وأكثر تعقيدًا: حرب المياه. ففي تصعيد غير مسبوق، أعلنت الهند تعليق العمل بمعاهدة مياه نهر السند، التي وُقّعت سنة 1960 برعاية البنك الدولي، متهمةً إسلام آباد بالضلوع في هجوم وقع في كشمير في أفريل، أودى بحياة 26 سائحًا. يمتد نهر السند من جبال الهيمالايا والتبت مرورًا بالأراضي الهندية ثم الباكستانية، ليصب في بحر العرب، بطول يُقارب 3 آلاف كيلومتر. وقد شكّلت مياهه شريان حياة لملايين السكان على جانبي الحدود. معاهدة تُجمَّد وتصعيد في اللهجة صحيفة لوتان السويسرية، نقلت في تقرير من نيودلهي عن مراسلتها كوم باستين، أن الهند أوقفت من جانب واحد، في 23 أفريل، التزاماتها بموجب معاهدة نهر السند، وذلك بعد ساعات من الهجوم، وقبل أسبوع من إطلاق عملية "سيندور" العسكرية ضد باكستان. وزير الداخلية الهندي أميت شاه صرّح غاضبًا: "لن تُستأنف معاهدة نهر السند مع باكستان أبدًا. لن نسمح بعد اليوم بأن تتدفق مياهنا إلى باكستان. سنبني قناة لتحويل مسارها". في المقابل، رد وزير الدفاع الباكستاني بتحذير واضح: "العدوان ليس فقط عبر الرصاص، فحجب المياه قد يؤدي إلى الموت جوعًا وعطشًا. وإذا حاولت الهند بناء منشأة على النهر، فسنقصفها". ورغم دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم 10 ماي، لم تُعد الهند تدفق المياه، بل باشرت في بناء سدود وقنوات للسيطرة على النهر، ما أثار مخاوف من أزمة إنسانية وبيئية كبرى في باكستان. هل تستطيع الهند تنفيذ تهديدها؟ يرى الخبير الهندي في قضايا المياه هيمانشو ثاكار أن التهديدات الهندية تبقى رمزية، ويؤكد أن "قطع المياه عن باكستان أمر غير ممكن من الناحية التقنية"، لأن تنفيذ مشروع تحويل مياه السند يتطلب شق نفق يزيد طوله على 100 كيلومتر في قلب الهيمالايا، وهو أمر غير واقعي. أما الأكاديمي السويدي من أصل هندي أشوك سوين، فيؤكد أن "تعليق المعاهدة من طرف واحد غير قانوني، لأنها لا تتضمن بندًا للخروج". وقد دعمت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي هذا الموقف، عندما حكمت بعدم أحقية نيودلهي في اتخاذ قرارات انفرادية بشأن تقاسم المياه. وفي الوقت الذي تسعى فيه الهند للدفع نحو حل ثنائي، تتمسك باكستان بموقفها القانوني، وتلجأ إلى المجتمع الدولي. الدبلوماسية المائية على المحك لم تكتفِ نيودلهي بنهر السند، بل أعلنت نيتها مراجعة اتفاقية مياه نهر الغانج مع بنغلاديش، عقب توتر العلاقات بين البلدين بعد تغيّر النظام في داكا. غير أن هذا التوجه قد ينعكس سلبًا على مصالح الهند، خصوصًا في ملف نهر براهمابوترا الذي تتقاسمه مع الصينوبنغلاديش. ويقول سوين: "إذا استخدمت الهند المياه كسلاح، فلن يكون بإمكانها المطالبة بحصة عادلة مستقبلًا". الضحية الصامتة: النظام البيئي في خضم هذا الصراع، تلوح في الأفق كارثة بيئية، إذ يُهدد ذوبان الجليد في جبال الهيمالايا والتغير المناخي المنتظم في أنماط الرياح الموسمية دورة المياه الإقليمية. وقد تتفاقم الأزمة في السنوات المقبلة مع تزايد الضغط على الموارد المائية. حرب نهر السند تكشف تحول المياه من مورد حيوي إلى ورقة ضغط استراتيجية بين بلدين يملكان السلاح النووي، وتضع المجتمع الدولي أمام تحدٍ جديد يتطلب تحركًا عاجلًا لضمان الأمن المائي والبيئي في جنوب آسيا. تعليقات