مرة أخرى، يجد الحزب الاشتراكي الفرنسي نفسه في قلب جدل لغوي يحمل أبعادًا سياسية عميقة. فقد وقّعت عدة شخصيات بارزة من الحزب، يوم الأحد الماضي، منشورا انتقدت فيه استخدام قيادة الحزب لمصطلح "الإسلاموفوبيا"، مما أعاد إحياء نقاش قديم لكنه شديد الحساسية، خاصة في ظل تصاعد الأعمال العدائية تجاه المسلمين. ومن بين الموقّعين أسماء وازنة من الجناح اليميني للحزب مثل نيكولا ماير-روسيينول، كارول ديلغا، جيروم غيدج، لورانس روسينيول، وميكايل دولافوس، رئيس بلدية مونبلييه. وقد ندد هؤلاء بما اعتبروه توظيفًا عاطفيًا لمقتل أبوبكر سيسيه، الذي توفي داخل مسجد، من أجل تمرير مصطلح يصفونه بأنه "مربك" ويثير التباسًا. نقطة الخلاف الأساسية تتمثل نقطة الخلاف الجوهرية في القرار الأخير لقيادة الحزب بإنشاء أمانة وطنية لمكافحة العنصرية ومعاداة السامية و"الإسلاموفوبيا". يرى موقّعو المقالة أن مصطلح "الإسلاموفوبيا" غامض، وقد يؤدي إلى "تقويض المبادئ الجمهورية"، ويفضّلون بدلاً منه مصطلح "العنصرية ضد المسلمين"، الذي يعتبرونه أكثر اتساقًا مع القيم الجمهورية العالمية. سياق مقلق تأتي هذه المواقف في وقت تسجّل فيه الاعتداءات ذات الطابع الإسلاموفوبي ارتفاعًا مقلقًا، إذ تشير تقديرات نقلتها عدة جمعيات حقوقية إلى أن هذه الاعتداءات زادت بنسبة 75% خلال عام واحد. ويُدرَج هذا التصاعد في إطار سياسي أوسع، تتكاثر فيه الخطابات المُعادية تجاه المسلمين أو من يُنظر إليهم كمسلمين، من قبل اليمين واليمين المتطرف وبعض الأوساط الإعلامية. وقد أعاد مقتل أبوبكر سيسيه داخل مسجد، مؤخرًا، الدعوات إلى تسمية "الإسلاموفوبيا" ومواجهتها بشكل صريح. وزاد من وقع هذا الحدث المؤلم جريمة أخرى تمثلت في مقتل مواطن تونسي في فرنسا، في عمل صنّفته السلطات بسرعة كعمل إرهابي. هاتان الحادثتان المأسويتان سلطتا الضوء على تصاعد مقلق للعنف الموجه ضد المسلمين أو من يُنظر إليهم على هذا النحو، وأكدتا الحاجة الملحة إلى الاعتراف بالإسلاموفوبيا ومحاربتها بوضوح. لكن المقالة المذكورة تطعن في الوجود السياسي لهذا المصطلح نفسه، باسم قراءة متشددة للعلمانية. ويستند الموقّعون في رفضهم إلى أحداث دامية مثل اعتداءات شارلي إيبدو واغتيال صمويل باتي، معتبرين أن مصطلح "الإسلاموفوبيا" يُشكّل خطرًا بحد ذاته. خلاف لغوي أم أزمة عميقة؟ ورغم أن النقاش حول المصطلحات يبدو متكرّرًا، إلا أنه يُخفي في جوهره تصدّعات أعمق بكثير. فالحزب الاشتراكي يعاني من أزمة بنيوية منذ هزيمته الانتخابية سنة 2022. وصراع النفوذ بين المقربين من أوليفييه فور، الكاتب الأول للحزب، وأولئك الذين يسعون إلى إعادة تحديد التوجه الاستراتيجي للحزب، يتجسّد اليوم في كلمة واحدة: الإسلاموفوبيا. ويزيد من حدة الخلاف أيضًا الموقف من حزب "فرنسا الأبيّة" (LFI). فبرفضهم استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا"، يسعى موقّعو المقالة إلى الابتعاد عن خطاب LFI الأكثر شمولاً والمناهض للعنصرية. المفارقة التي لاحظها عدد من المراقبين تكمن في التناقض لدى بعض الموقّعين، مثل جيروم غيدج الذي سبق له أن وصف جريمة قتل أبوبكر سيسيه في أفريل الماضي بأنها عمل "إسلاموفوبي". هذا التراجع في الموقف غذّى الاتهامات بالانتهازية السياسية والسعي وراء مكاسب انتخابية. وفي الوقت الذي يسعى فيه الحزب الاشتراكي إلى استعادة موقعه على الساحة الوطنية، خاصة عبر إطلاق "جبهة شعبية" لعام 2027، تكشف هذه الجدلية عن عجزه المزمن عن اتخاذ مواقف واضحة بشأن القضايا المجتمعية الأساسية. ويبدو أن الخلافات الداخلية تقوّض كل محاولة لإعادة بناء الحزب، بينما يؤدي التركيز على الصراعات الداخلية على حساب الوضوح الأيديولوجي إلى مزيد من إضعافه. تحليل: مقالة تعبّر عن تموقع أيديولوجي واضح نُشرت المقالة في مجلة ماريان يوم 6 جويلية 2025. ويُعدّ اختيار هذه المنصة الإعلامية توجّهًا متعمّدًا نحو جمهور يتبنّى طرحًا دفاعيًا للعلمانية، مما أتاح للموقّعين تثبيت خطابهم في بيئة أيديولوجية ترى في "الإسلاموفوبيا" أداة انقسام وليست توصيفًا لواقع تمييزي. ويأتي هذا التموقع في سياق انقسام مُعلن داخل اليسار الفرنسي، بين تيار جمهوري محافظ ويسار مناهض للعنصرية وأكثر شمولاً. وعلى خلفية هذا الجدل اللفظي، تُطرح تساؤلات كبرى حول مستقبل الحزب الاشتراكي نفسه. ففي ظل مشهد سياسي مشحون، حيث ينزلق ناخبوه السابقون نحو حزب LFI أو العزوف عن التصويت، يجد الحزب صعوبة في إعادة تشكيل هويته. ورفضه الاعتراف الصريح بمكافحة الإسلاموفوبيا، وتحصّنه وراء خطاب علماني دفاعي، يُقصيه عن جزء من الشباب وسكان الأحياء الشعبية والحركات المناهضة للعنصرية. ولا يقتصر الصراع بين الجناح المحافظ وقيادة الحزب الحالية على الجانب الفكري فحسب، بل يمتد إلى البعد الاستراتيجي أيضًا: فهل يجب التحالف مع LFI لامتلاك وزن حقيقي في اليسار، أم الاستمرار في التوجّه الوسطي لجذب الناخبين المعتدلين؟ لا تزال هذه المعادلة بلا جواب، لكن كل تأخير في الحسم يزيد من خطر تهميش الحزب في مشهد سياسي يعاد تشكيله. إن رفض الحزب الاشتراكي استخدام مصطلح "الإسلاموفوبيا" يُعدّ خيارًا ذا كلفة سياسية عالية: فهو يُغذّي حالة انعدام الثقة، ويُضعف تماسك اليسار، ويساهم – بشكل غير مباشر – في تطبيع الخطابات التمييزية. لهذا، يرى كثير من الناشطين أن الانفصال عن منطق المؤسسات التقليدية، والانخراط في النضال الميداني، قد يكون السبيل الأجدى من انتظار نهوض حزب غارق في تناقضاته. تعليقات