باريس (وكالات) رصدت تقارير مؤخرا عقب أحداث "تولوز" لهجة مغايرة في خطابات المرشحين للانتخابات الرئاسية و أعادت قضية مقتل الفرنسي من أصل جزائري محمد مراح منفذ الهجوم على المدرسة اليهودية ب "تولوز" إلى الواجهة قضايا طالما عانى منها المهاجرون و الفرنسيون المسلمون من أصول مغاربية و افريقية و هي بالأساس قضايا العنصرية و "الاسلاموفوبيا" و الهوية الوطنية و كان لافتا أن المتنافسين على كرسي "الاليزيه" كانوا أول من بادر بإثارة هذه القضايا لتطرح دماء "مراح" في مزاد الانتخابات الرئاسية و على اثر مقتل مراح ارتفعت شعبية الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي المرشح للانتخابات الرئاسية وفق نتنائج آخر استطلاع للراي ، ليصبح في المرتبة الثانية بفارق نقطة واحدة عن غريمه الاشتراكي، فرانسوا هولاند، وجاء استطلاع الرأي ليؤكد تكهنات المراقبين الذين أشاروا، عقب مقتل محمد مراح، إلى أن ساركوزي سيكون أول المستفيدين من حادثة مقتل أربعة فرنسيين من الطائفة اليهودية. وسعى الرئيس الفرنسي لأن يظهر بمظهر القائد الحريص على أمن بلده، مجسدا بذلك شعار حملته الانتخابية ''فرنسا القوية''. كما أنه دعا إلى ضرورة تجاوز الخلافات الطائفية في المجتمع الفرنسي، مذكرا بأن ''الإرهابي "مراح أقدم على قتل جنود مسلمين''، ما يؤكد، حسب ساركوزي، أن مسلمي فرنسا ليسوا كلهم بالضرورة ''إرهابيين''. و بالرغم من هذا الحرص على التأكيد على المساواة بين الطوائف المكونة للمجتمع الفرنسي، إلا أن ''أزمة محمد مراح'' كشفت زيف هذا الادعاء. فقد أكدت جرائم محمد مراح أن مبدأ المواطنة في فرنسا يأخذ معنى مختلفا على حسب الطائفة التي ينتمي لها حامل الجنسية. والحال أن مقتل جنود فرنسيين مسلمين لا يعادل مقتل أربعة يهود فرنسيين، على اعتبار أن الحادثة الأولى تم تصنيفها في خانة الإجرام، في حين أن الثانية اعتبرها الرئيس الفرنسي ''مأساة وطنية''. يضاف الى ذلك الى أن الجريمة الأولى التي قتل فيها مراح الذي يعتقد أنه من عناصر "تنظيم القاعدة " 3 عسكريين فرنسيين من أصول مغاربية مرت مرور الكرام و لم تأخذ حظها في التغطية الإعلامية و في الاهتمام السياسي على خلاف الجريمة الثانية التي قلبت فرنسا رأسا على عقب و دفعت برئيسها و كبار المسؤولين في إدارته الى الهرولة سريعا إلى موقع الجريمة مع إطلاق تصريحات نارية ووعد ووعيد بالضرب بيد من حديد. على مستوى المزايدات السياسية و توظيف ما حدث لكسب أصوات الناخبين سارعت مرشحة اليمين المتطرف زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان الى توجيه سهامها الى المسلمين و الى المهاجرين منتقدة في الوقت ذاته السلطة الحاكمة حاليا لأنها قصرت في حماية مواطنيها و لأنها سمحت ب" التطرف الإسلامي "بالتسلل إلى الأراضي الفرنسية مشيرة بالتحديد إلى الأحياء التي تقطنها غالبية مسلمة و مهاجرون من جنسيات مختلفة. و لم يدخر مرشح اليسار فرنسوا هولاند جهدا أيضا في إثارة القضايا ذاتها على طريقته الخاصة حتى لا يثير حفيظة الناخب الفرنسي المسلم من أصول عربية . و كشف التوظيف السياسي لحادثة "تولوز" مدى عنصرية تعامل المؤسسة السياسية الفرنسية مع مواطنيها من أصول غير فرنسية و في هذا السياق كتب أدريان هاميلتون، كاتب العمود البريطاني في صحيفة ''الأندبندنت'' البريطانية ، أن حادثة محمد مراح كشفت ''العنصرية الفرنسية المتأصلة في مجتمعها''، متطرقا في المقال إلى فشل سياسة حكومات فرنسا المتعاقبة فيما يتعلق بإدماج المهاجرين. وذكّر الكاتب الصحافي بفترة تولي الرئيس الفرنسي الحالي حقيبة الداخلية وسياسته ضد المهاجرين وعدم السماح لهم بالتأقلم في المجتمع من خلال تهميشهم، ما خلق ما بات يعرف ب''غيتوهات'' المهاجرين، حيث تكثر الجريمة. وتقول تقارير جزائرية :" الواقع أن العنصرية الفرنسية، التي كشفت عنها أزمة مراح، لم تقتصر على طريقة التعامل مع ضحاياه، وإنما امتدت إلى شخصه، على اعتبار أن الإعلام الفرنسي بكل أنواعه وألوانه قدم المجرم على أنه ''من أصول جزائرية''، متناسين كونه حاملا للجنسية الفرنسية، ما يجعل منه مواطنا فرنسيا".