في الثلاثي الأول من السنة الجارية 2025، سجلت المالية العمومية فائضاً مالياً أثار اهتمام المراقبين ومثّل موضوع تساؤلات حول مدى تعبيره عن واقع اقتصادي مستقر. يعود هذا الفائض المالي إلى تداخل عوامل ظرفية مع سياسات مالية خاصة، وذلك وفقا لما بينته نتائج تحليل نشره المعهد العربي لرؤساء المؤسسات يوم أمس الاثنين 14 جويلية 2025 حول مؤشرات تنفيذ الميزانية. أداء متكيف للميزانية وسط تقلبات الاقتصاد تُظهر الفجوة بين الأهداف المالية والنتائج مدى صعوبة التنبؤ في ظل متغيرات اقتصادية مستمرة وذلك في ظل اعتماد ثلاث قوانين مالية تكميلية بين 2021 و2023، غبر ان سنة 2024 تميزت بعدم إقرار قانون مالية تكميلي، مما يشير إلى تحسن في ضبط الإنفاق وإدارة الموارد. ومع ذلك، بقيت الإيرادات الجبائية التي تشكل الجزء الأكبر من المصادر تواجه تحديات خاصة في علاقة بمستوى الضرائب المستحقة على الشركات غير النفطية، وسط ظل تباطؤ اقتصادي عام وتغير في أنماط الاستهلاك بسبب تغير القوة الشرائية، حسب تحليل المعهد. تغييرات في مصادر التمويل العام بينت مذكرة المعهد العربي لرؤساء المؤسسات انه نظراً إلى محدودية التمويلات الخارجية، تبنت الحكومة التونسية توجها مغايرا للعشرية الفارطة في استراتيجيات الاقتراض بالاعتماد على السوق المحلية، وهو ما سمح بتحكم أكبر في شروط التمويل وتقليل الاعتماد على الدائنين الدوليين. وبات إصدار رقاع الخزينة قصيرة الأمد منذ 2021 أحد أدوات التنويع المالي، في حين كان اللجوء لتمويل استثنائي بقيمة 7000 مليون دينار من البنك المركزي في جانفي 2024 بمثابة حل مؤقت لتوازن السيولة المالية ضمن إطار الحفاظ على الاستقرار المالي. هذا وتمت الإشارة الى أن الدعم المالي الدولي بقي محدوداً بنسبة 2.7% فقط من المبالغ المقررة لعام 2024، الأمر الذي يعكس اختيارات واعية للسلطات الوطنية. انعكاسات الميزانية على البرامج الاجتماعية تؤكد ميزانية سنة 2024 حرص الدولة على تكريس دورها الاجتماعي والاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية رغم الضغوط، حيث تشكل نفقات التسيير نسبة ضئيلة جداً من إجمالي الميزانية. وارتفع حجم خدمة الدين وفق مذكرة المعهد ليمثل نحو ثلث الميزانية، بينما حافظت ميزانية التدخلات الاجتماعية على مستويات ثابتة تمثل ربع الإنفاق، مما يؤكد حرص السلطات على الملائمة بين الالتزامات المالية ودور دعم المرافق الاجتماعية، حتى مع تراجع نفقات الاستثمارات بنسبة تقارب 7% من الميزانية. ومن جهة أخرى، أظهرت الفترة بين 2021 و2024 تحسناً في تنفيذ المشاريع الاستثمارية بما يتجاوز التوقعات، مما يعكس استغلالاً أفضل للموارد المتاحة. في ظل هذه المعطيات، يظهر جليا التمكن من تحقيق التوازن بين التمسك بالخيارات الاجتماعية وضبط الإنفاق، مع إشارات استقرار نسبي في الإيرادات ومرونة في أدوات التمويل. ورغم استمرار بعض الضغوط، تمتلك تونس مؤهلات قوية مثل منظومتها الجبائية وكفاءتها في مواجهة الأزمات، مما يدعم إمكانية تحسين أوضاعها المالية بشكل تدريجي خلال المراحل المقبلة.