حسمت الشركة الوطنية للسكك الحديدية البلجيكية (SNCB) قرارها: فقد اختارت شركة CAF الإسبانية كمزوّد مفضّل في إطار البرنامج الضخم لتجديد أسطول القطارات الوطنية في أفق سنة 2034. وتُقدّر قيمة هذا العقد العملاق، الذي أُطلق عليه اسم مشروع AM30، بعدة مليارات من اليوروهات، ويتعلق بتوفير ما يصل إلى 600 قطار جديد. وقد تم الإعلان رسميًا عن هذا الخيار يوم الأربعاء من قبل مجلس إدارة الشركة الوطنية البلجيكية، مما يعني استبعاد العملاقين الأوروبيين في القطاع: ألستوم الفرنسية وسيمنس الألمانية. من جانبه، وصف وزير التنقل البلجيكي جان-لوك كروك القرار بأنه "استراتيجي" ويهدف إلى تحديث منظومة السكك الحديدية والاستجابة لمتطلبات المستقبل على صعيد الاستدامة، والراحة، والطاقة الاستيعابية. استثمار هو الأكبر في تاريخ السكك البلجيكية يُعد مشروع AM30 من أضخم الاستثمارات في تاريخ السكك الحديدية في بلجيكا. ومن المنتظر أن تبدأ عمليات التسليم الأولى للقطارات الجديدة في حدود عام 2029، مع تصاعد تدريجي في الوتيرة حتى حلول عام 2034. وسيهدف هذا الأسطول الجديد أساسًا إلى استبدال القطارات القديمة، وزيادة وتيرة الرحلات، وتقليص الانبعاثات الكربونية، ضمن رؤية شاملة لجعل قطاع النقل أكثر صداقة للبيئة. قراءة في خلفيات القرار يكشف اختيار شركة CAF عن تحول تدريجي في توجهات الصفقات العمومية داخل أوروبا لفائدة مزوّدين يُنظر إليهم على أنهم أكثر مرونة وتنافسية ويمتلكون رؤية مبتكرة من حيث التصاميم والنماذج القابلة للتطوير. ورغم أن CAF أقل حجمًا مقارنة بمنافسيها مثل ألستوم وسيمنس، إلا أنها تميّزت بسياسة تجارية هجومية ومرنة، لا سيما على صعيد التسعير والالتزام بالمواعيد. أما على المستوى الجيوسياسي، فيُرسل هذا القرار رسالة واضحة مفادها أن إسبانيا تعزز حضورها الصناعي في شمال أوروبا، في وقت يواجه فيه عمالقة القطاع التقليديون ضغوطًا متزايدة على هامش أرباحهم وقدرتهم على الاستجابة لمناقصات معقدة ومهيكلة. وبالنسبة لألستوم، التي تعاني أصلًا من صعوبات داخلية نتيجة عمليات إعادة هيكلة واندماجها مع بومباردييه للنقل، فإن هذا الإخفاق قد يُضعف حصتها في سوق منطقة البنلوكس (بلجيكا، هولندا، لوكسمبورغ). تحدٍ أمام CAF وقطاع تحت المراقبة يعكس هذا العقد أيضًا أهمية متزايدة للحكومات الأوروبية في تفضيل الحلول المتوازنة بين التكلفة والأداء والأثر البيئي. وتواجه شركة CAF الآن اختبارًا حاسمًا يتمثل في تنفيذ المشروع على أكمل وجه، ضمن ورشة ضخمة ستكون محط أنظار جميع الفاعلين في قطاع السكك الحديدية الأوروبي. تعليقات