تتجه ألمانيا نحو إعادة تشكيل منظومتها الدفاعية بالكامل، واضعةً الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة في صميم رؤيتها لحروب المستقبل، في وقت تعمل فيه على تقليص البيروقراطية وتسهيل ربط الشركات الناشئة مباشرة بالقيادة العسكرية العليا، وفقًا لما أوردته وكالة "رويترز". قانون جديد لتسريع المشتريات العسكرية وافقت الحكومة الألمانية، يوم الأربعاء، على مسودة قانون مشتريات جديدة تهدف إلى إزالة الحواجز البيروقراطية التي تواجه الشركات الناشئة، وتسهيل حصولها على تمويلات مسبقة، في خطوة تهدف إلى تنشيط الابتكار الدفاعي المحلي. وتخطط برلين لرفع ميزانيتها الدفاعية السنوية لتبلغ حوالي 175 مليار دولار بحلول عام 2029، بحسب ما أفادت به الوكالة. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن جزءًا من هذه الميزانية سيُخصَّص لإعادة ابتكار مفهوم الحروب، بما يتماشى مع التهديدات الجديدة التي يشهدها العالم. شركات ناشئة تقود الابتكار العسكري في طليعة هذا التحول، تبرز شركة "هلسينغ" الألمانية، التي أصبحت الأعلى قيمة في مجال الدفاع الناشئ بأوروبا، بعد أن ضاعفت قيمتها إلى 12 مليار دولار خلال جولة تمويل حديثة. تأسست الشركة قبل أربع سنوات، وتعمل على تطوير طائرات هجومية مسيرة وأنظمة ذكاء اصطناعي ميدانية. كما أن "هلسينغ" ليست الوحيدة في هذا المجال، بل توجد شركات ناشئة ألمانية أخرى تطور روبوتات مدرعة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وغواصات صغيرة غير مأهولة، وحتى صراصير تجسس جاهزة للعمليات. وقال أحد المسؤولين ل"رويترز" إن هذه الشركات الناشئة، إلى جانب المؤسسات الكبرى، أصبحت تقدم استشارات مباشرة للحكومة الألمانية بشأن متطلبات الدفاع الحديث. نحو صناعة دفاعية أوروبية مستقلة يرى المسؤولون الألمان أن أوروبا بحاجة لبناء صناعة دفاعية موحدة تُمكنها من الاستغناء عن الاعتماد المفرط على الشركات الأميركية. إلا أن هذا المسار لا يخلو من التحديات، خاصة في ظل التشتت التنظيمي للسوق الدفاعي الأوروبي، حيث تمتلك كل دولة معاييرها الخاصة لعقود التسليح، على عكس النموذج الأميركي الموحد. وبحسب تحليل أجرته شركة "أفييشن ويك" في ماي الماضي، من المتوقع أن تنفق 19 دولة أوروبية مجتمعة أكثر من 180 مليار دولار هذا العام على التسليح، وهو رقم يتجاوز ما ستنفقه الولاياتالمتحدة (175.6 مليار دولار). دعم عسكري متزايد لأوكرانيا واختبار ميداني للتكنولوجيا أصبحت ألمانيا ثاني أكبر مزوّد عسكري لأوكرانيا بعد الولاياتالمتحدة، وساهم تسريع الموافقات على العقود الدفاعية – التي كانت تستغرق سنوات في السابق – في منح الشركات الناشئة فرصة لاختبار معداتها في ساحة المعركة الأوكرانية. وأشار سيفين فيتزينغر، مدير مركز الابتكار السيبراني التابع للجيش الألماني، إلى أن الحرب في أوكرانيا غيرت نظرة المجتمع للعمل في القطاع الدفاعي، وأزالت الوصمة الأخلاقية التي كانت تحيط به. صراصير تجسس في خدمة الاستخبارات العسكرية من أبرز التقنيات التي تعمل عليها ألمانيا حاليًا، صراصير تجسس طورتها شركة "Swarm Biotactics". وتتميز هذه الحشرات بكونها مزوّدة بكاميرات صغيرة لجمع البيانات الفورية، وتُدار عبر نبضات كهربائية للتحكم في حركتها عن بُعد، مما يسمح بإرسالها إلى بيئات معادية لاستكشاف مواقع العدو. وأوضح ستيفان فيلهلم، المدير التنفيذي للشركة، قائلاً: "روبوتاتنا البيولوجية المبنية على حشرات حية مزوّدة بمحفزات عصبية وأجهزة استشعار ووحدات اتصال مشفّرة. يمكن توجيهها فرديًا أو تشغيلها كسرب آلي". بهذه الاستراتيجية، تفتح ألمانيا الباب على مصراعيه أمام حقبة جديدة في أنماط الحرب، حيث تتداخل التكنولوجيا الحيوية، والذكاء الاصطناعي، والمجال السيبراني في مسرح العمليات، بما قد يغير ملامح النزاعات المستقبلية جذريًا. تعليقات