صادق مجلس نواب الشعب، خلال جلسة عامة انعقدت يوم الثلاثاء 23 جويلية 2025، على مقترح قانون يهدف إلى مراجعة بعض أحكام المجلة الجزائية التونسية، لا سيّما المادتين 96 و98، وذلك في إطار تعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة الفساد داخل الإدارة والمؤسسات ذات المساهمة العمومية. وقد حظي هذا المشروع بتأييد واسع، حيث صوّت لصالحه 92 نائباً، في مقابل 7 امتناع و6 أصوات معارضة، ما يعكس توافقاً سياسياً عاماً حول أهمية تحديث الآليات القانونية لمحاربة سوء استخدام السلطة واختلاس المال العام. إطار قانوني أكثر دقة وردعاً تنصّ الصيغة الجديدة للفصل 96 على تجريم الأفعال المرتكبة من قبل الموظفين العموميين، والأعوان المماثلين، وكذلك أعوان المؤسسات الاقتصادية أو الاجتماعية التي تملك الدولة حصة في رأسمالها. ويُواجه هؤلاء، في حال استغلال وظائفهم لأغراض شخصية أو لفائدة الغير، عقوبة بالسجن لمدة ست سنوات، بالإضافة إلى غرامة مالية تعادل الضرر المادي الذي لحق بالإدارة. ومن بين أبرز المستجدات، اعتماد طريقة احتساب نسبية للغرامة في حال كان الضرر موجهاً إلى مؤسسة ذات مساهمة عمومية، حيث تُحدد العقوبة المالية وفقاً لنسبة مساهمة الدولة في رأس مال المؤسسة المعنية. استرجاع إلزامي للمكاسب غير المشروعة تُلزم الصيغة المعدّلة للفصل 98 القضاء، في حال صدور حكم بالإدانة، بالحكم بإرجاع جميع الممتلكات أو المنافع التي تم الحصول عليها بصفة غير قانونية، سواء كانت لا تزال في حوزة مرتكب الجريمة أو تم نقلها إلى أطراف من أقاربه (الأصول، الفروع، الزوج أو الزوجة، الإخوة، الأخوات أو الأصهار). وتهدف هذه الأحكام إلى منع تبييض الأموال داخل الأوساط العائلية الناتج عن الإثراء غير المشروع، إذ تُجبر كل من استفاد بشكل غير مباشر من الجريمة على إثبات مشروعية الأموال المتحصل عليها. وفي حال عدم تقديم دليل قانوني، يتم فرض الإرجاع تلقائياً، بغض النظر عن طبيعة الممتلكات أو شكلها الحالي. عقوبات تكميلية وإبعاد عن الوظيفة العامة كما تفتح هذه الإصلاحات المجال لتطبيق العقوبات التكميلية المنصوص عليها في الفصل 5 من المجلة الجزائية، على غرار المنع من ممارسة الوظائف العمومية، الحرمان من الحقوق المدنية، أو مصادرة الممتلكات. منعطف قانوني في مكافحة الفساد تأتي هذه الإصلاحات في سياق تعزيز الحوكمة العامة وإعادة بناء ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وتمثّل منعطفاً منتظراً من قبل الفاعلين في المجتمع المدني، الذين ما انفكوا يطالبون منذ سنوات بإيجاد أدوات قانونية أكثر نجاعة في مواجهة الإفلات من العقاب الإداري والمالي. ومن خلال تعديل هذه المواد الأساسية، يسعى المشرّع التونسي إلى ملاءمة التشريع الجزائي مع المعايير الدولية للشفافية، وتوفير السبل الكفيلة بتمكين القضاء من التصدي بفعالية لكل ما يمسّ بنزاهة الوظيفة العامة. تعليقات