تسعى الصيدلية المركزية لتحقيق توازناتها المالية وذلك بالخصوص عبر سداد مستحقات المخابر العالمية، التي أصبحت أكثر تشدداً في طلب ضمانات السداد للتزويد بالأدوية في ظل تغير المعطيات المتصلة بسلاسل الامداد العالمية لا سيما منذ الجائحة الصحية. وقد برزت وضعيات خاصة على مستوى السيولة المالية لدى الصيدلية المركزية منذ سنوات، ما أثّر على قدرتها على تسديد مستحقات مزوّديها الأجانب، ودفع بعضهم إلى فرض شروط صارمة للخلاص. في هذا الاطار، تم اقرار زيادة في أسعار 285 صنفاً من الأدوية المستوردة، وسط مساعٍ لتحقيق استقرار مالي مستدام للقطاع، وذلك بعد تواتر أزمات نقص الدواء خلال السنوات الأخيرة. ونشرت الصيدلية المركزية وهي المورد والموزع الحصري للدواء قائمة بأسماء الأدوية التي شملها تعديل الأسعار. اجراءات لديمومة القطاع تمت مراجعة اسعار الادوية المستوردة في اتجاهين، حيث جرى رفع أسعار بعض الأصناف والتخفيض في أسعار أصناف أخرى. وفي هذا الصدد، تشير المعطيات الى ان أسعار 60% من الأدوية المدرجة في القائمة التي نشرتها الصيدلية المركزية ارتفعت، بينما جرى التخفيض في أسعار نحو 40% منها. وتتضمن قائمة الأدوية التي شملها التعديل أدوية مستوردة عديدة تُستعمل لعلاج الأمراض المزمنة، وتتوفر لها بدائل من الأدوية الجنيسة المصنعة محلياً. ويرجح العاملون في القطاع أن يكون قرار تعديل أسعار الأدوية نابعاً من محاولة التخفيض في كلفة الواردات التي تتحملها الصيدلية المركزية، وفسح المجال أمام الصناعة المحلية لتطوير حضورها في السوق وتعزيز الأمن الدوائي. وفي سياق متصل، تبرز مؤشرات أن أسعار المواد الحيوية لصناعة الأدوية، إضافة إلى كلفة التعبئة والتغليف، شهدت قفزات كبيرة عالمياً بعد جائحة كورونا، مما ساهم في زيادة كلفة الأدوية، سواء المصنعة محلياً أو المستوردة. وكانت سلطات الاشراف قد رفعت، في فيفري 2024، أسعار 280 دواءً بنسب تراوحت بين 15 و30%، وشملت الزيادة حينها الأدوية التي لا يتجاوز سعرها 5 دنانير، وأبرزها الأدوية المصنوعة من مادة "الباراسيتامول" الفعالة، والتي تُستخدم لتسكين الآلام وتقليص الحرارة. صناعة واعدة تواترت ، خلال السنوات الأخيرة، أزمات نقص الدواء بسبب اشكالات سلاسل الامداد العالمية وإجراءات تطوير المخزون على غرار ما شهدته عدة دول في مختلف ارجاء العالم، غير أن النقص امتد في وضعيات خاصة إلى العقاقير الحياتية ليشمل أدوية الأمراض المزمنة. ويحتاج قطاع الدواء، حسب متابعين، إلى إعادة نظر شاملة في مناهج التمويل والأسعار، وتمويل الأنظمة الاجتماعية، فضلاً عن مراعاة كلفة التصنيع وتداعيات الأزمات العالمية على هذه الصناعة الحيوية، ودعم الاستثمار فيها. وتغطي صناعة الدواء المحلية نحو 63% من حاجيات السوق الداخلية، و23% من حاجيات المستشفيات، كما تساهم في توفير العملة الاجنبية من خلال إيرادات التصدير. وقد بلغت قيمة الصادرات التونسية من المنتجات الصيدلانية 113.94 مليون دولار في عام 2023، بزيادة قدرها 6.5% مقارنة بعام 2022 (107 ملايين دولار)، من بينها 41 مليون دولار من الصادرات إلى السوق الفرنسية. وشكلت هذه الصادرات ما يعادل 0.568% من إجمالي صادرات البلاد في عام 2023. ويعمل في قطاع الصيدلة أكثر من 73 مؤسسة، تشغل نحو 86 ألف شخص. ويرى خبراء البنك الدولي أن هذه الصناعة قادرة على مضاعفة فرص العمل في حال إجراء الإصلاحات وتيسير إجراءات الحصول على تراخيص الأدوية والتصدير. وحسب البنك الدولي، ينمو قطاع الأدوية في تونس بمعدل متوسط يبلغ 15% سنوياً، لكنه لا يزال يُصدّر فقط نحو 6% من الإنتاج المحلي. تعليقات