في اعتراف هام لتونس وأحد أبرز معالمها التاريخية، تمّ رسميًا إدراج جامع الزيتونة المعمور، الكائن في قلب المدينة العتيقة بتونس العاصمة، ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي. و قد أُعلن عن هذا القرار في ختام الاجتماع العاشر للمرصد الحضري للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، المنعقد في بيروت من 28 إلى 30 جويلية 2025. و يُكرّس هذا الإدراج القيمة التاريخية و المعمارية و الثقافية لهذا الجامع العريق، الذي يُعدّ من أقدم منارات التعليم الديني والعلمي في كامل منطقة المغرب العربي. إشعاع روحي و فكري متجذّر عبر القرون تأسّس جامع الزيتونة في القرن الثامن ميلادي، ولم يكن مجرد مكان عبادة، بل اضطلع طوال قرون بدور محوري في تكوين النخب التونسية والمغاربية دينيًا و فكريًا. فقد مثّل جامعة حقيقية قبل ظهور الجامعات الحديثة و خرّج أجيالًا من العلماء و الفقهاء و المفكرين الذين أثّروا في تاريخ الحضارة الإسلامية و ساهموا في تطور الثقافة بالمنطقة. و يمثّل الطابع المعماري للجامع، الذي ينهل من التقاليد العربية الإسلامية، نموذجًا متكاملًا للانسجام بين الروحانية و العلم والجمال، بما يزخر به من أروقة وأعمدة عتيقة مُعادة التوظيف و قباب و زليج و أخشاب منقوشة. و لا يزال الزيتونة إلى اليوم رمزًا حيًّا للهوية التونسية و عمقها الإسلامي و المغاربي. ملف تقدّمت به المعهد الوطني للتراث تولّى المعهد الوطني للتراث إعداد ملف الترشّح، حيث أبرز من خلاله الدور التاريخي و الروحي و العمراني للجامع في نشأة مدينة تونس و تطوّرها. و قد حظي الملف بإشادة واسعة لما تميّز به من دقّة علمية وجودة توثيق، مشدّدًا على مكانة الزيتونة في الذاكرة الجماعية للتونسيين وفي المشهد الحضري العربي الإسلامي. و في بلاغ صدر اليوم الجمعة 1 أوت 2025، ثمّنَت وزارة الشؤون الثقافية هذا الاعتراف، مؤكّدة أنه يندرج ضمن استراتيجية وطنية شاملة لحماية التراث الوطني و الترويج له. إشعاع جديد لتونس و يُعتبر إدراج جامع الزيتونة في سجل التراث العربي خطوة دبلوماسية و ثقافية ذات رمزية قوية، تُعزّز مكانة تونس ضمن شبكات التعاون الثقافي الإقليمي، وتُبرز دورها الريادي في صون التراث العربي الإسلامي. و بعد إدراج مدن تونس العتيقة و القيروان و صفاقس ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، تأتي هذه الخطوة لتُعيد تسليط الضوء على الكنوز التاريخية التونسية و تفتح آفاقًا جديدة لمشاريع الترميم و البحث و الترويج للسياحة الثقافية و التعاون العلمي على المستويين العربي و الدولي. و هكذا، يدخل جامع الزيتونة المعمور، الشاهد على ثلاثة عشر قرنًا من التاريخ، رسميًا ضمن سجل التراث المعماري العربي. إنها لحظة اعتراف لا تثمّن فقط أهمية هذا المعلم الديني، بل تؤكّد كذلك مكانته كفضاء للعلم والثقافة والهوية. لتونس و للعاصمة و للعالم العربي، هو تكريم مستحقّ يُحمّل الجميع مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث ونقله إلى الأجيال القادمة. تعليقات