تقترب الصورة من العبث: بلد متهم بتجويع الفلسطينيين وبارتكاب سياسة يُشبَّهها كثيرون بالإبادة الجماعية في غزة، يتقمص فجأة دور "المنقذ الإنساني الكبير". يوم الاثنين 18 أغسطس، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي أن بلاده ستقدّم مساعدات إنسانية عاجلة إلى جنوب السودان، رسميًا من أجل «دعم الفئات الهشّة» في مواجهة وباء الكوليرا ونقص حاد في الموارد. وبحسب البيان، ستشمل المساعدات مستلزمات طبية، معدات لتنقية المياه، قفازات وأقنعة وجه، أطقم نظافة للوقاية من الكوليرا، بالإضافة إلى طرود غذائية. مبادرات سخية، على الأقل على الورق. إنسانية انتقائية المفارقة لا تخفى على أحد: ففي وقت تُخضع فيه إسرائيل قطاع غزة لحصار خانق يحرم سكانه من مياه الشرب والطعام والدواء، تكتشف تل أبيب فجأة نزعة خيرية... لكن على بُعد آلاف الكيلومترات، في جنوب السودان. قبل أيام قليلة، كانت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شارين هاسكل قد زارت العاصمة جوبا. وبعدها مباشرة، تحدثت تقارير إعلامية عن مشروع إسرائيلي يرمي إلى نقل فلسطينيين من غزة إلى هذا البلد الفقير وغير المستقر. وهي أنباء نفتها الخارجية الجنوب سودانية بشكل قاطع، ووصفتها بأنها «ادعاءات لا أساس لها». دبلوماسية ممزوجة بالبراغماتية والتهكم الحادثة تعكس بوضوح ازدواجية الخطاب الإسرائيلي: إبراز صورة قوة إنسانية في الخارج، بالتوازي مع اتباع سياسة تدميرية ضد الفلسطينيين. تناقض يُغذّي اتهامات بالنفاق الدبلوماسي وباستغلال المساعدات الإنسانية كأداة نفوذ جيوسياسي. أما جنوب السودان، الذي نال استقلاله عام 2011 لكنه غارق منذ ذلك الحين في أزمات عدم الاستقرار، فقد أصبح ساحة إضافية على مسرح الدبلوماسية الإسرائيلية: الظهور بمظهر الفاعل المسؤول والمتعاطف، مع محاولة التغطية على واقع غزة. وبهذا الإعلان عن المساعدات، يبدو أن إسرائيل تسعى إلى تلميع صورتها الدولية. لكن يصعب تجاهل أن، في الوقت ذاته، وعلى بُعد بضع مئات الكيلومترات من حدودها، هناك شعب كامل يرزح تحت الحصار والقصف والحرمان. إنسانية على مقاس المصالح المساعدات الإنسانية المتقلبة هنا أقرب إلى أداة دعاية سياسية منها إلى فعل تضامن حقيقي. فبينما توزّع إسرائيل اليوم الكمامات والمياه والطعام في إفريقيا، فإنها تحرم غزة يوميًا من هذه الموارد ذاتها. تعليقات